fbpx

عن “المجرم” البالغ من العمر أربع سنوات
واستمرار هدم منازل الفلسطينيين في القدس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كانت هناك لحظة قلت فيها، ‘هذا يكفي، أريد أن أغادر هذا البلد’، وملأت الاستمارات في مكتب في تل أبيب يشجع على الهجرة إلى كندا. وصلت إلى هناك من خلال إعلان باللغة العربية على فيسبوك. وحين أكتشف زوجي ذلك قال لي ‘هل أنت مجنونة؟'”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عماد أسماء الغوج، يبلغ من العمر أربع سنوات فقط، وهو “مجرم” بالفعل؛ إذ إنه يعيش في منزل بُني دون ترخيص. وقد صدر أمر هدم لشقته في المبنى المكوّن من 10 وحدات سكنية، وهو المكان الذي وُلد فيه ولا يزال يعيش بين جدرانه. ويقع هذا المنزل في خلة العين في حي الطور بالقدس.

قالت والدته أسماء في مطلع هذا الشهر: “إنه يخشى النوم ليلاً، لأنه يتوقع هدم المبنى ونحن بالداخل؛ ويعود إلى المنزل من رياض الأطفال كل يوم من دون أن يأكل الطعام الذي حضرته له، بسبب كل هذه الضغوط”.

وتابعت قائلة: “شقيق زوجي الأصغر -البالغ من العمر 12 عاماً، ويعيش هنا مع والديه وشقيقاته- يخشى أن يعود من المدرسة في يوم من الأيام ليجد المنزل قد هُدم. وعندما يسأل الناس ابني الصغير أين سنذهب إذا هدموه، يقول إننا سنعيش في خيمة بالخارج، لأنه ليس لدينا أي مكان آخر نذهب إليه”.

بُني المنزل الذي تعيش فيه عائلة الغوج منذ حوالي 10 سنوات، وهناك العشرات من المنازل المشابهة له في خلة العين، ويقطنها حوالي 4000 شخص. بُنيت هذه المنازل من دون تصاريح بناء، لأن بلدية القدس لا تراجع المخططات الرئيسية للأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية وتخطط لها بما يتناسب مع النمو السكاني والاحتياجات المحلية.

من دون خطة بناء حضرية، لن تصدر تصاريح البناء؛ ولكن في النهاية يحتاج الناس إلى العيش في مكان ما، لذلك يبنون سقفاً فوق رؤوسهم على قطع الأراضي التي يمتلكونها، أو يشترون شققاً بناها المطورون العقاريون. وهذا هو الوضع في بلدة الطور، وكل الأحياء الفلسطينية الأخرى في القدس الشرقية.

ومما يثير الدهشة، أن البلدية قد أظهرت في مرات عدة انطباعاً بأن خلة العين ستخصص منطقة في بلدة الطور يسمح البناء فيها؛ وهنا تتساءل أسماء البالغة من العمر 24 عاماً: “فلماذا يصرون على هدم المبنى وتدمير حياتنا؟”.

وتتابع: “لقد عمل والدا زوجي بجد لسنوات عديدة حتى يتمكنوا من شراء هذه الشقة؛ فقد كان والد زوجي يعمل في التنظيف، وكانت حماتي ترعى كبار السن، وقد وفروا كل قرش لتحقيق هذا الهدف. وقبل ذلك، كانوا يعيشون في المدينة القديمة في إحدى الغرف التي كانت تستخدم في السابق حظيرة للحمير”.

في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، حضر ضباط الشرطة والمفتشون إلى المبنى وأعلموا سكانه بوجوب إخلائه، تمهيداً لهدمه في غضون أسبوع. وما بين كل قرار وقرار من المحكمة بوقف إجراءات الهدم، كان السكان يعيشون حالة من الترقب والقلق من المستقبل؛ لقد كانت حياتهم كما لو انها توشك على الانتهاء، ثم تأتي قرارات الوقف لتمنحهم مهلة جديدة.

تقول أسماء، التي درست القانون في جامعة الخليل: “كنت هنا عندما جاءت دوريتهم في الساعة 10 صباحاً. كان هناك عناصر من الشرطة، وشرطة حرس الحدود، وشخصان آخران من وزارة الداخلية. انتابني شعور بالفشل وكأنني عدت مرة أخرى إلى نقطة الصفر.  عندما تزوجتُ قبل خمس سنوات، لم نتمكن من استئجار شقة في أي مكان في القدس لأن الإيجارات هناك مرتفعة، وبالطبع لم نفكر في الشراء. من ناحية أخرى، لا يمكننا أن نطلب قرضاً للتمويل العقاري لأننا فلسطينيين، ولسنا مواطنين(اسرائيليين). لذا قررنا أن نتجمع هنا مع والدي زوجي وإخوته حتى وفرنا القليل من المال.

في البداية لم أخبر الأطفال أنهم قد يهدمون المنزل، ولكن عندما بدأ الصحفيون يتوافدون علينا طوال الوقت، لم يكن لنا بد من شرح الوضع لهم”.

من بين 60 شخصاً يقطنون المبنى، هناك 27 طفلاً؛ يلعبون ويتجولون خارج المبنى كما لو كان كل شيء طبيعياً، في الوقت نفسه الذي يخبر آباؤهم الزوار عن مخاوفهم وكوابيسهم.

تتحدّث الأمهات عن أطفال بدؤوا في التبول في ثيابهم وأسرّتهم ليلاً، بينما يختار آخرون قضاء الليل في سيارة والديهم خوفاً من ظهور الجرافة التي ستأتي لهدم المنزل. أما عماد البالغ من العمر 4 سنوات، فقد اقترح دهن المدخل بالصابون حتى ينزلق من يأتون لهدم المبنى.

إقرأوا أيضاً:

كارثة بيئية واجتماعية

 قبل عام 1967، كانت منطقة الطور تمتد على مساحة 8800 دونم (2195 فدان). وبعد أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية صادرت معظم أراضي القرية بعد ضمها إلى القدس، ولم يبق سوى 1747 دونم، بحسب منظمتي “بمكوم” و”عير عميم” الحقوقيتين. ومن ضمن هذه المساحة هناك 1400 دونم كاملة هي جزء من خطط التنمية التي صدرت الموافقة عليها على مر السنين. لكن لا يُسمح بالبناء إلا على مساحة ضئيلة في معظم هذه المنطقة، وبما لا يتجاوز الطابقين لكل بناية.

في عام 1967، كان عدد سكان بلدة الطور ما بين الـ 4000 و 6000 نسمة (تختلف الأرقام باختلاف المصادر). ووفقًا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، كان عدد سكان الحي 28 ألفاً في عام 2016، ثم قدّر المسؤولون المحليون العدد بـ 35 ألفاً.

بينما يقدر المحامي حسين غنايم -الذي كان يمثل سكان الطور منذ ما يقرب من عقدين- أن عدد السكان -بمن فيهم أولئك الموجودون في بناية عماد- يقترب من 45000 نسمة.

إن السكان الأصليين للحي، وكذلك سكان باقي أنحاء القدس الشرقية الذين انتقلوا إلى أحياء خارج القدس قبل سنوات بسبب عدم وجود مخططات عمرانية وبسبب الاكتظاظ السكاني، عادوا واستقروا في الطور بعد أن أقامت إسرائيل جدارها الفاصل؛ لقد كانوا يخشون أن تلغي إسرائيل إقامتهم.

أدى ذلك إلى زيادة الاكتظاظ السكاني وتفاقم المشاكل الناجمة عن إهمال البنية التحتية مثل الطرق ومياه المجاري والصرف الصحي، بالإضافة إلى قلة المدارس وغيرها من المؤسسات العامة. أما منطقة خلة العين الواقعة في الشمال الشرقي من الطور، فهي تغطي مساحة 200 دونم وتُعد آخر احتياطي من الأراضي في المنطقة.

عندما قام مقاول خاص عام 2011 ببناء المبنى الذي تعيش فيه عائلة الغوج، على أرض اشتراها من عائلة أبو سبيتان، كان من المتوقع على نطاق واسع أن تُصدر السلطات قريباً الموافقة على خطة البناء في المدينة. فقد وُضعت خطة بناء خاصة بالقدس عام 2000، وهي أول خطة من هذا القبيل للمدينة بأكملها منذ عام 1967. وقد قُدمت عام 2004 وحصلت على موافقة مبدئية عام 2009. ومنذ ذلك الحين، لم يُتخذ بشأنها أي إجراء، “لأنها تضمنت إمكانية تطوير أحياء فلسطينية معينة”، بحسب ما جاء في تقرير صادر عن مركز بمكوم، وهو مركز يسعى إلى تحقيق المساواة في مجال التخطيط.

عام 2005، عندما كان لا يزال هناك انطباع بأن البلدية ووزارة الداخلية بدأتا إدراك حجم الكارثة التخطيطية والبيئية والاجتماعية التي بدأت تظهر في القدس الشرقية بسبب الإهمال المتعمد الذي طال أمده، طلب سكان الطور وضع مخططات البناء على نفقتهم الخاصة. وقد بلغ إلى علم غنايم، الذي يمثل سكان المنطقة، من خبراء في دار البلديّة أن هناك “إمكانية لتنفيذ مشاريع بناء” في خلة العين.

أما المقيمون اليهود في القدس، فهم ليسوا ملزمين بإعداد مخططات للمنطقة على نفقاتهم الخاصة، بيد أن هذه الخطوة أصبحت شائعة في القدس الشرقية ، مع انها تتطلب تكاليف باهظة، بسبب الافتقار إلى الوسائل البديلة على أمل أن البلدية والمحاكم ستقدم تسهيلات للسكان الذين بنوا من دون ترخيص. الأمل هو أن تتفهم السلطات أن ذلك لم يكن تعدياً متعمداً ولكن نتيجة ضغوط واضطرابات لا يتحمل السكان مسؤوليتها. يقول غنايم إن السكان، ومعظمهم من الموظفين ذوي الدخل المنخفض، تمكنوا من جمع 800 ألف شيكل (257,820 دولار أميركي) لتمويل خطة التخطيط العمراني.

عرقلة العملية

استمر المخطط في المضي قدماً خلال لجنة تخطيط المنطقة إلى أن تبين أن هناك خطة منافسة “لإفشال المخططات التي أعدها سكان منطقتي خلة العين والعيسوية”. فقد قدمت سُلطة الطّبيعة والحدائق الإسرائيلية، بدعم من بلدية القدس، اقتراحاً مختلفاً: وهو خطة لإنشاء حديقة وطنية على منحدرات جبل المشارف تمتد على مساحة 700 دونم وتتضمن مناطق كانت مخصصة في البداية لهذين الحيين الفلسطينيين”، وفقاً لما قاله أفيف تاتارسكي، الذي ينسق أنشطة الضغط المتعلقة بالتخطيط في منظمة إير اميم.

في يناير/كانون الثاني عام 2012، قالت سُلطة الحدائق للكاتب في صحيفة هاآرتس، نير حسون، إنها ليست هيئة سياسية وأنها مهتمة فقط بحماية الطبيعة والمعالم الطبيعية، والحفاظ على الجزء الأخير من صحراء يهودا المجاورة للمدينة. في حين صرحت البلدية أن الحديقة الوطنية المقررة ذات أهمية أثرية كبيرة بسبب الكهوف والصهاريج ومواقع الدفن التي تعود إلى فترة المعبد الثاني.

في عام 2015، قررت لجنة الاستئناف التابعة للمجلس الوطني للتخطيط والبناء أنه لا يمكن الموافقة على خطة إنشاء الحديقة قبل أن تقوم البلدية بإجراء مسح حول احتياجات تطوير الحيين. بيد أن هذا المسح لم يتم بعد. وتعكف البلدية حالياً على إعداد مخطط تنظيمي عام لمنطقة الطور، إلا أن تاتارسكي وغنايم يقولان إن هذه الخطة يجري وضعها دون التشاور مع السكان أو ممثليهم، ودون أي محاولة لمعرفة احتياجاتهم.

فضلاً عن ذلك، يشير تاتارسكي إلى أن “المخطط التنظيمي العام ليس سوى وثيقة سياسة تصدرها البلدية. ولا يغير وضع التخطيط ولا يسمح بإصدار تراخيص البناء”.

بالتوازي مع التوقعات بوضع خطة قابلة للتحقيق لحي خلة العين بأكمله، شرع المستأجرون في المبنى الذي تعيش فيه عائلة الغوج في رحلة قانونية بيروقراطية معقدة، مع غنايم بوصفه محامياً يمثلهم. وفي حين صدر أمر هدم إداري بعد ثلاث سنوات من بدء البناء، لكن المحكمة انتقدت هذا الأمر لأنه، كما يوضح غنايم، “لا يمكن تنفيذ أمر الهدم الإداري مادامت العائلات لا تزال تعيش هناك”.

مع ذلك، وعلى الرغم من أن الأمر لا يزال معلقاً، فقد وجه المدعون العامون اتهامات ضد المقيمين بسبب البناء بدون تراخيص. وقد قوبلت طلبات الاستئناف التي قدمها غنايم بالرفض. وفي يوم الأربعاء وافقت محكمة القدس للشؤون المحلية على تأجيل عملية الهدم لمدة أسبوع بناء على طلب محام آخر يُمثل أحد المقيمين من بين المستأجرين العشرة؛ استناداً إلى أن هذا المقيم لم يتلق أمراً بالهدم ولم يكن من بين الأشخاص الذين أدانتهم المحكمة.

تقول أسماء، “عندما تزوجت وانتقلت إلى هنا، كنت أعرف أن عائلة زوجي تدفع غرامات للبلدية لأنه لم يكن هناك رخصة بناء، لكنني كنت أعرف أن هناك أملاً بأن نحصل على ترخيص”. مضيفةً، “فكرت في توفير المال والانتقال من هنا حتى نتمكن من العيش بمفردنا، ولكن بسبب كل هذه الديون والغرامات، لم نستطع. قلنا لأنفسنا أن المنزل سيبقى على الأقل، ولكن بعد ذلك أدركنا أنه لن يبقى، وأن مصيرنا أن نطرد إلى الشارع “.

في حال أقدمت السلطة التنفيذية التابعة لوزارة المالية على تنفيذ عملية الهدم، سيتعين على المستأجرين دفع 2 مليون شيكل. ولديهم خيار هدم المبنى بأنفسهم، ولكن ليس لديهم أي فكرة عن كيفية هدم مبنى يتكون من خمسة طوابق ويتضمن 10 شقق.

تقول أسماء، “كانت هناك لحظة قلت فيها، ‘هذا يكفي، أريد أن أغادر هذا البلد’، وملأت الاستمارات في مكتب في تل أبيب يشجع على الهجرة إلى كندا. وصلت إلى هناك من خلال إعلان باللغة العربية على فيسبوك. وحين أكتشف زوجي ذلك قال لي ‘هل أنت مجنونة؟'”

عميرة هاس

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا  الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.