fbpx

مطالب بتوحيد الأذان في مصر:
“الله أكبر” على الضوضاء!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

استيقظ في منزلي كل يوم في الساعة الرابعة فجرًا. لا علاقة لذلك بالنشاط أو الروتين اليومي في الاستيقاظ مبكرًا بل هي عادة مقترنة بصوت المؤذن الذي يجبرني يوميًا على النهوض في هذا الميعاد ولا تفلح معه جميع حيل إغلاق النوافذ الزجاجية التي تهتز من الضوضاء كل صباح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثارت البرلمانية المصرية فريدة الشوباشي الجدل بسبب تصريحاتها حول مشاعرها عند سماع الآذان، قالت: “وأنا بسمع الاذان زمان كنت بقشعر، وأنا في فرنسا كنت بجيب إذاعة الشرق والشيخ عبد الباسط عبد الصمد الله يرحمه، كان بيقول الأذان عذوبة وجمال وروحانية، أنا دلوقتي ساكنة في منطقة ساعة الأذان بسد وداني.. 15 صوت داخلين في بعض متعرفش فين الله أكبر وفين حي على الصلاة”.

الانتقادات التي واجهت حديثها جعلها توضح لاحقاً مقصدها، نافيًة أن تكون نيتها توجيه إهانة للأذان بشكل عام.

ما تعرضت له الشوباشي من هجوم بسبب ما قالته، كان هيناً بالمقارنة مع الهجوم الكاسح الذي تعرضت له الممثلة شيرين رضا بعد قولها أن فوضى الميكرفونات باتت ظاهرة عامة في شوارع مصر تزعج السياح الأجانب، “المؤذن اللي بيجعر مش بيسمع صوته؟ كلها أسئلة عايزة حد يجاوبني عليها”.

مآذن تبتلع الفضاء العام

استيقظ في منزلي كل يوم في الساعة الرابعة فجرًا. لا علاقة لذلك بالنشاط أو الروتين اليومي في الاستيقاظ مبكرًا بل هي عادة مقترنة بصوت المؤذن الذي يجبرني يوميًا على النهوض في هذا الميعاد ولا تفلح معه جميع حيل إغلاق النوافذ الزجاجية التي تهتز من الضوضاء كل صباح.

عشوائية الأصوات الصادرة عن ميكروفونات المآذن يمكن تخيلها عند قراءة الأرقام، ففي القاهرة وحدها وصل عدد المساجد إلى 6234 مسجدًا وزاوية تشمل الزوايا الأهلية أو التابعة لوزارة الأوقاف، وذلك وفق تقرير أصدرته مديرية الأوقاف في القاهرة، حيث ارتفع عدد المساجد الرسمية في محافظة مصر إلى 2475 مسجدًا، عطفًا على 2485 زاوية في نهاية تموز/ يونيو 2020. 

هذا بخلاف الزوايا التي تبنى بلا تراخيص وهذه يصعب حصرها، كثير منها في شوارع ضيقة عشوائية يمكن سماع صوت المؤذن فيها بأقل مجهود، لكن مسؤولي تلك الزوايا لديهم رأي آخر، بعضهم يرى الصوت المرتفع دليلاً على الوجود والمنافسة، فكلما علا صوت المؤذن شعر بأفضلية على الآخرين، ثم يتنافسون في انتقاء أكثر الأصوات حدة وجهورية لترديد الأذان.

تحليلات نفسية كثيرة تفسر سعي شيوخ المساجد لتثبيت أكثر من مكبر صوتي أعلى الزاوية أو المسجد، منها ما ساقته الكاتبة المصرية سحر الجعارة، خلال تفسيرها للمشهد العام في مصر، حينما قالت في إحدى مقالاتها: “المتتبع للمشهد العام في مصر يستشعر وكأنه لم يتبق على هذا الكوكب غير التيار السلفي بكل أطيافه الذي يهب لرفض تخفيض أصوات مكبرات الصوت، ويحارب بكل ما لديه من أذرع رسمية وإعلامية أو منابر في أنحاء البلاد لمناهضة تجديد الخطاب الديني، ومطاردة المجددين، فنحن فقط من نصرّ على غوغائية التدين والسير في قطعان المجاذيب”.

واعتبرت جعارة أن الميكروفون نفسه بدعة “وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”، مستخدمة لغة من تنتقدهم، لكن هذه الكلمات يبدو انها اصبحت من المحرمات، وقلبت الدنيا ضد الكاتبة وكأنها كفرت.

كل ما قيل على لسان الشوباشي أو رضاحقيقة يدركها كثيرون ويتحدثون عنها في الخفاء، خوفًا من مواجهة بطش عوام الرجعيين الذين لم يجدوا من يشرح لهم يومًا مفاهيم حرية الرأي التي باتت مجرد حبر على ورق في الدستور المصري.

الهجوم نفسه سيصبح مضاعفًا إذا ما قيل الكلام ذاته على لسان شخص مسيحي تسائل، مثلاً، “ما ذنبي كي أجبر على سماع هذه الأصوات يوميًا دون إرادتي، ألست في بلد يحترم الأديان والمعتقدات، لماذا إذن هذه الأصوات مفروضة عليا فرضًا؟”. يمكن التنبؤ مسبقًا بردّ الفعل، اذا سيصب كثيرون عليه. في وقت يرحبون انفسهم بكلام شبيه اذا كان صادراً عن رجل دين له مكانته، كالشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، حين انتقد هذه العشوائية الصادرة من ميكروفونات المساجد بقوله “الميكرفون أكبر نقمة بليت به الأمة الحديثة” عندما سُئل عن رأيه في ارتفاع مكبرات الصوت لترديد الأذان خلال الصلوات الخمس، قال الشيخ اسمها “غوغائية تدين” وحكمها في الدين باطلة، ووصف المؤذنين: “يبقى قاعد نايم طول النهار وطالع قبل الفجر بساعة يهبهب، وفي ناس مريضة وناس عايزة تنام”.

إقرأوا أيضاً:

أين قرار توحيد الأذان؟

تصعب الإجابة على هذا السؤال البديهي. فعلى الرغم من تأكد اللواء عمرو شكري، رئيس الإدارة المركزية للإدارة الاستراتيجية بوزارة الأوقاف، من ضم 426 مسجدًا جديدًا خلال الربع الأول من العام االجاري لمشروع “الأذان الموحد”، ليصل إجمالي المساجد التي شهدت تشغيل وتفعيل وحدات الأذان بها على صعيد مساجد القاهرة الكبرى إلى 3538 مسجدا، إلا أن الواقع لا يوحي ابداً بأن أي شيء تغير. 

حين نتتبع الخيط من أوله، فإن معركة وضع قيود على فوضى الأذان وأصوات المؤذنين بدأت منذ ما يزيد عن 11 عاماً، تغيرت فيها وزارات، وتبدل 6 وزراء أوقاف، وصيغت العبارات التي ترفض الإزعاج والعشوائية، ثم تظل بديهية الحد من الضوضاء حائرة بين الرافضين والقابلين لها، ما يثير دائمًا الشك في طريقة إدارة مثل هذه الملفات التي تطرح بطرق عشوائية، ويبقى الحسم فيها رهنًا لأهواء الأفراد، فحين يقول مفتي الجمهورية شوقي علام إن الأذان الموحد هو إعلام بدخول وقت الصلاة ولا مانع شرعًا من تطبيقه، يعتبره على الجانب الآخر، أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر مخالفًا للشريعة ويسبب إشكالية في الصوم والصلاة، وبين هذا وذاك يبقى التطبيق مقيدًا في حين تنفذه دول عربية أخرى بوضوح من دون مواربة.

الأزمة انتبه إليها وزير الأوقاف الأسبق حمدي زقزوق، بسبب شكاوى جاءته من مواطنين تفيد بانزعاجهم من ارتفاع أصوات المؤذنين لدرجة يصعب التعايش معها في الكثير من المناطق التي ترفع فيها مكبرات صوت تفوق درجاتها المسموح به، ومع كثرة أعداد المساجد تصبح الضوضاء غير محتملة. هذه الشكاوى دفعت زقزوق لطرح فكرة الأذان الموحد، وسار في المسار القانوني المتبع، حيث قدم الاقتراح إلى مجلس وكلاء الأوقاف وقيادات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابعة للوزارة.

لا يشتكي أحد من المدن السياحية مثل شرم الشيخ، الغردقة، مرسى علم، الساحل الشمالي، وغيرها من غلو أصوات المؤذنين.

تناول المشروع فكرة تركيب جهاز بث باستوديو الإذاعة المصرية يرفع الأذان من خلاله، على أن يتم ربطه لاسلكيا بأجهزة مثبتة بهوائي لاسلكي أعلى المساجد، وقطع صغيرة داخل المسجد تعطي إشارة ضوئية لموظف المسجد حسب التوقيت المحلي للأذان في كل محافظة، أو إقليم له توقيت محلي، ويكون جهاز البث مكونًا من 4 قطع، تعلق وحدة معدنية أعلى المسجد لاستقبال البث، على أن تتولى وزارة الأوقاف مهمة انتقاء أفضل المؤذنين بعد اجتياز اختبارات متنوعة لرفع الأذان. ويقوم الموظف في المسجد بتوصيل التيار الكهربائي لجهاز الاستقبال والميكروفون والسماعات الداخلية لكي يتسنى للجميع سماع صوت الأذان من استوديو الإذاعة بالمقطم، مع وجود شيفرة خاصة تربط الاستوديو بأجهزة الاستقبال كي لايتم التلاعب بالبث من قبل الغرباء، أو تتم سرقة إشارة البث. 

وبالفعل بدأت وقتها الجهات المكلفة بتصميم الأجهزة تنفيذ الفكرة، وتم تثبيت بعضها باستوديو البث، والمساجد، لكن الفكرة شهدت بعض العيوب التقنية أثناء التشغيل التجريبي. تعثر البث ليتوقف المشروع وتتغير الوزارة في نهاية 2011 لتعيد وزارة الأوقاف المحاولة مجددًا.

و ما يثير الدهشة أنه في الوقت الذي يشعر فيه الأفراد بأن أصوات مآذن القاهرة والمدن في الريف أو صعيد مصر قد احتلت الفضاء العام حتى باتت الأصوات المتداخلة للمؤذنين أو الشيوخ في صلاة الجمعة وكأنها تعلن حالة نفير عام قبيل لحظات الحرب، في هذا الوقت، لا يشتكي أحد من المدن السياحية مثل شرم الشيخ، الغردقة، مرسى علم، الساحل الشمالي، وغيرها من غلو أصوات المؤذنين.الأرجح أن هذا يرجع إلى أن الهدوء في مصر حق للأجنبي أو من ينشدون بأموالهم الرفاهية في هذه المناطق المنظمة والمحسوب فيها كل شيء بما فيها المسافات بين المساجد نفسها وقيود البناء واحترام المعايير البيئية، أما باقي الشعب المصري، فلا بأس أن تبتلعه الضوضاء.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!