fbpx

سوريا: الكهرباء في خدمة نظام تقنين طبقي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تخيّلوا معي كيف يكون جدول القطع والوصل إذا أردنا أن يكون متوافقاً بدقّة مع طبقات هذا المجتمع المحطّم… شرائح تحصل على 12 ساعة من الكهرباء وأخرى على 8 ساعات وثالثة على أربعة وغيرها على ساعتين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الكهرباء في سوريا تشبهنا تماماً. ضعيفة ومترددة وتخضع لنظام تقنين طبقيّ دقيق للغاية.

عندما صرّح الوزير أن سوريا تحتاج إلى أكثر من 7000 ميغاوات لتغذيتها بالكهرباء وأننا لا نستطيع أن نوفّر للاستهلاك أكثر من 2000 ميغاوات بسبب تدمير تسعة من أصل 13 محطة توليد للطاقة، كانت تعمل على كامل الأراضي السورية قبل الحرب المشؤومة، تعاطفت معه. وشعرت بأن بعض الأشخاص يعملون في أماكن ظاهرها رحمة وباطنها عذاب. أستطيع أن أستوعب موقف شخص جالس في موقع مسؤولية لكنّه لا يمتلك مفاتيح الأبواب المغلقة. 

صرّح الرجل بأن أن نصف الكهرباء المتوفرة يوزّع إلى جهات معفاة من التقنين.

أستطيع أن أتخيّل من هي هذه الجهات المعفاة من التقنين. فالمستشفيات والجهات الأمنية التي تسهر على حمايتنا تحتاج إلى مصادر الطاقة لأربع وعشرين ساعة. والوزارات والهيئات الحكومية تحتاج غالباً إلى الطاقة خلال ساعات الدوام. وأستطيع أن أكون حسنة النيّة وأفترض أن نصف مصروفنا من الكهرباء يذهب إلى مكانه الحتمي.

بقي لدينا النصف الآخر. أي 1000 ميغاوات نتمتع فيها برفاهية الكهرباء في كل سوريا. رقم أقل من متواضع. لكنّه رقم. ووجب أن نشرح كيف يتم تقسيمه على فئات هذا المجتمع المنكوب. 

في دمشق “العاصمة المحظوظة” تتنوع أشكال الوصل والقطع.

فالأحياء الراقية تستمتع بثلاث ساعات كهرباء وثلاث ساعات من القطع بشكل منتظم خلال الأربع وعشرين ساعة. ولا يفاجأ مسؤولو القطع بأحمال زائدة يسببها دخول فصل الشتاء أو ارتفاع درجات الحرارة. بالعكس يتم وصل ساعات إضافية أحياناً لأسباب لا يعلمها إلاّ الله.

 ثم تأتي الأحياء الأقلّ مرتبة والتي تنعم بساعتي كهرباء مقابل أربع ساعات من القطع. وهذه أحياء مشاغبة يزيد استهلاكها أثناء البرد الشديد أو الحرارة المرتفعة فيبدأ سكانها بتشغيل أجهزتهم اللئيمة أكثر من اللازم وعندها تحصل انقطاعات لا يد للوزير فيها. فتتحول الساعتان إلى ساعة ونصف الساعة، وأحياناً تختزل إلى ثلاث أرباع الساعة فقط. 

الأحياء متوسطة الحال حصتها ساعة كهرباء وخمس ساعات قطع. وهذه أحياء شرّيرة سكانها يستخدمون الكهرباء بإفراط فينيرون بيوتهم ويشعلون المدافئ الكهربائية ويغسلون ويطبخون. وبذلك تختصر ساعة الوصل إلى نصف ساعة أو أقلّ نتيجة زيادة الأحمال على الشبكة كما صرّح الوزير . 

أما في الريف وفي سائر المحافظات عموماً، فإن الكهرباء قد تأتي أو لا تأتي في أي وقت من النهار أو الليل بلا موعد واضح. وغالباً ما تصل في الليل فيما السكان نيام فيصحون على بعض الومضات المضيئة في البيت لينهضوا بكل حماسة، لشحن هواتفهم وغسل ملابسهم وتشغيل مضخة المياه في حال وجودها، تكون ساعة ماراثونية يحققون فيها إنجازات كثيرة. قبل أن يدخلوا في العتمة الطويلة التالية.

 الشروط التي يعمل فيها مركز التنسيق الذي تحول إلى مركز مراقبة لهذه الشبكة الكهربائية الضخمة ذات الإمكانيات الشحيحة، هي شروط تعجيزية بامتياز. ولا بد أن إدارتها عمل شاقّ. 

تخيّلوا معي كيف يكون جدول القطع والوصل إذا أردنا أن يكون متوافقاً بدقّة مع طبقات هذا المجتمع المحطّم… شرائح تحصل على 12 ساعة من الكهرباء وأخرى على 8 ساعات وثالثة على أربعة وغيرها على ساعتين، وشرائح تعطى ساعة كهرباء كلما توفرت، والخطوط المحظوظة التي يمنع قطعها نهائياً والتي تتوزع عشوائياً بين الحارات لأسباب مختلفة…

وتأتي سرقة الخطوط لتضيف توتراً كهربائياً جديداً يزيد الأعباء عبئاً على فريق عمل مغلوب على أمره، وقسم طوارئ يتلقّى الشكاوى والشتائم طوال الأيام.

وهكذا فعندما يقول الوزير أن مستوى كفاءة الطاقم العامل في مركز التنسيق من أعلى المستويات في العالم، صدِّقوه!

إقرأوا أيضاً: