fbpx

ما عرفه قادة اسرائيل : وثائق سرية تكشف النقاب عن مذابح عام 1948

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

دارت هذه المناقشات عام 1948 وهي شهادات تتحدث عن مجازر ارتكبها جنود إسرائيليون بحق العرب والتي استهدفت الرجال العزل والمسنين والنساء والأطفال. ظلت هذه المناقشات بعيدة عن أعين العامة بأمر من الرقابة العسكرية طيلة سنوات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت المناقشات مشحونة عاطفياً. فقد قال الوزير حاييم موشيه شابيرا إن كافة الأسس الأخلاقية الإسرائيلية قد قُوِّضت. وأشار الوزير دافيد ريمز إلى أن الأعمال التي ارتكبوها تخرجهم من الملة اليهودية، بل وتجردهم من إنسانيتهم كلياً. عبّر وزراء آخرون أيضاً عن هلعهِم: إذ تساءل مردخاي بنتوف عن ماهية اليهود الذين سيظلون في البلد بعد هذه الحرب، في حين قال آهارون زيسلينغ إنه لم ينم الليل، مضيفاً أن المجرمين ينخرون في روح الحكومة كلها. بينما طالب بعض الوزراء بالتحقيق في الشهادات مع معاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم. لكن دافيد بن غوريون كان مراوغاً. وفي نهاية المطاف، قرر الوزراء إجراء تحقيق. تمخض عن تأسيس “لجنة للنظر في قضايا القتل التي حدثت بواسطة الجيش”.

دارت هذه المناقشات في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1948. عندما كانت الشهادات التي تتحدث عن المجازر التي ارتكبها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي بحق العرب -والتي استهدفت الرجال العزل والمسنين والنساء والأطفال- متكدسةً على طاولة مجلس الوزراء. ظلت هذه المناقشات بعيدة عن أعين العامة بأمر من الرقابة العسكرية طيلة سنوات. يكشف تقرير استقصائي أجرته صحيفة هآرتس بالتعاون مع معهد “عكيفوت لبحث الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني” النقاب لأول مرة عن الجدالات الحادة بين الوزراء حول هذا الموضوع، وينشر شهادات حول ثلاث مجازر لم تكن معروفة من قبل، وكذلك تفاصيل جديدة عن مجزرة الحولة في لبنان، التي تعد واحدة من أفظع جرائم الحرب.

في أكتوبر/تشرين الأول 1948، شن الجيش الإسرائيلي حملتين واسعتي النطاق: الأولى هي “عملية يوعاف” في الجبهة الجنوبية، والتي مهدت الطريق له لدخول النقب. أما الثانية، فكانت “عملية حيرام” في الشمال. خلال العملية الثانية، اجتاح الجيش الإسرائيلي عشرات القرى العربية في غضون 30 ساعة فقط ما أدى لفرار عشرات الآلاف من السكان من ديارهم، أو طردهم منها. وفي أقل من ثلاثة أيام، غزا جيش الدفاع الإسرائيلي الجليل ووسع أيضاً نطاق العملية ليصل إلى قرى في جنوب لبنان. لم تشارك الغالبية العظمى من السكان الفلسطينيين في المعارك. فقد كانت معظم عمليات تبادل إطلاق النار تجري بين جيش الدفاع الإسرائيلي وجيش الإنقاذ الذي تألف من متطوعين من البلدان العربية.

خلال الفترة التي شن فيها الجيش الإسرائيلي حملته لغزو الخليل، كان يوجد في المنطقة 120 ألف عربي، ممثلين نصف عدد من كانوا يقيمون هناك عشية إصدار الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1947. أدى تقدم الجيش الإسرائيلي السريع نحو الحدود الشمالية إلى حدوث احتكاك بين الجنود والسكان الذين ظلوا في قراهم، ومن بينهم مسنون ونساء وأطفال. وأصبح مصير الفلسطينيين في أيدي القوات الإسرائيلية. كان ذلك هو الوضع العام السابق [خلفية تلك] لتلك المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين والجنود العرب الذين أسرهم جيش الدفاع الإسرائيلي. مع نهاية الحرب، بقي نحو 30 ألف عربي في المناطق الشمالية.

يمكن معرفة الفظائع التي حدثت خلال حرب 1948 من عدة وثائق تاريخية متنوعة: من قبيل رسائل الجنود ومذكرات غير منشورة دونت وقت الأحداث ومحاضر الاجتماعات التي عقدتها الأحزاب السياسية، وغيرها من المصادر. لكن معظم تقارير التحقيقات الحكومية والعسكرية سرية، ولا تزال الرقابة العسكرية المشددة تعرقل الأبحاث الأكاديمية والتقارير الاستقصائية. مع ذلك، تقدم المصادر المفتوحة صورة تزداد وضوحاً بالتدريج. مثل الشهادات المتعلقة بالمجازر الثلاث التي لم تكن معروفة من قبل والتي ارتكبت في الرينة وجبل الجرمق والبرج، والتي سوف نناقشها فيما يلي.

سجل موريس 24 مجزرة خلال حرب 1948؛ ويمكن القول اليوم إن العدد يتجاوز هذا الرقم، حيث وصلت المجازر إلى العشرات. في بعضها قُتل عدد قليل، وفي البعض الآخر قُتل العشرات، وهناك أيضاً حالات قتل فيها أكثر من مائة ضحية. وباستثناء مذبحة دير ياسين -في إبريل/نيسان 1948، التي تردد صداها على نطاق واسع على مر السنين- يبدو أن هذه الصفحات السوداء من التاريخ قد قُمِعت وأُبعِدت عن الخطاب العام الإسرائيلي.

مذبحة الرينة

اِجتِيحت قرية الرينة، الواقعة بالقرب من مدينة الناصرة في يوليو/تموز 1948، أيّ قبل الشروع في عملية حيرام. وبعد مرور بضعة أشهر طلب أهارون حاييم كوهين -الذي كان يعمل في دائرة الهستدروت (أو الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية) التي كانت تتعامل مع السكان العرب- من ممثل القسم الموازي في المابام (أو حزب العمال الموحد) -وهو حزب يساري كان مشاركاً في الحكومة- أن يقدم توضيحاً لما يلي: “لماذا قُتل 14 عربياً في قرية الرينة في بداية شهر سبتمبر/أيلول، من بينهم امرأة بدوية، وعضو في حزب عمال أرض إسرائيل (الماباي)؛ هو يوسف التركي؟ إذ أوقفوا بالقرب من القرية واتهموا بالتهريب، ثم اقتيدوا إلى القرية وقتلوا هناك”. أكد الشيخ طاهر الطويري، أحد الزعماء الفلسطينيين المحليين في الشمال، أن مذبحة الرينة “ليست المذبحة الوحيدة” وأن تلك الجرائم كانت “ترتكب بدافع السرقة”. وقالت عائلات الضحايا إن من قتلوا كان بحوزتهم مئات الليرات، وهو مبلغ كبير للغاية آنذاك.

اِجتِيحت قرية البرج (المعروفة الآن باسم “موديعين”) في يوليو/تموز 1948 أيضاً، خلال عملية داني. وفقاً للوثيقة -التي لم يُذكر اسم كاتبها- والتي عثر عليها في أرشيف “مركز ياد يعاري للبحث والتوثيق”، بقي أربعة مسنين في القرية بعد اجتياحها وهم: “الحاج إبراهيم، الذي كان يعمل في المطبخ العسكري، وامرأة مسنة مريضة ورجل آخر مسن وامرأة أخرى [مسنة]”. وبعد ثمانية أيام من اجتياح القرية، أرسل الجنود الحاج إبراهيم لجمع بعض الخضروات وذلك لإبقاءه بعيداً عمّا كان على وشك الحدوث. “اقتيد المسنون الثلاثة الباقون إلى منزل معزول. بعد ذلك، أُطلقت قذيفة مضادة للدبابات (‘بأمر رسمي’) على المنزل. وعندما أخطأت القذيفة هدفها، أُلقيت ست قنابل يدوية. قتلوا رجل وامرأة مسنين، وأعدمت المرأة المسنة الأخرى رمياً بالرصاص. وفيما بعد أضرمت النيران في المنزل وأحرقت الجثث. عندما عاد الحاج إبراهيم مع حارسه، أخبروه أن الثلاثة الآخرين أرسلوا إلى المستشفى في رام الله. لكنه على ما يبدو لم يصدق تلك الرواية، ليقتل هو الآخر بعد بضع ساعات بأربع رصاصات”. 

وفقاً لِشهادة شموئيل ميقونيس -عضو مجلس الدولة المؤقت (الهيئة التشريعية التي سبقت تأسيس الكنيست) عن الحزب الشيوعي، والذي تنشر شهادته لأول مرة في هذا التقرير الاستقصائي- فقد اِرتُكبت أعمال وحشية أيضاً في منطقة جبل الجرمق. راوغ ميقونيس الرقابة المفروضة في ذلك الوقت وأجرى استجواباً برلمانياً لِرئيس الوزراء، انتهي به الحال في أرشيف الكنيست. إذ طالب دافيد بن غوريون بتقديم إيضاحات بشأن الأعمال التي ارتكبها أعضاءٌ في ميليشيا إرغون السرية: “أولاً: قتلوا بالأسلحة الآلية 35 عربياً سلموا أنفسهم للكتيبة بينما كانوا يرفعون راية بيضاء في أيديهم. ثانياً: أخذوا أسرى من السكان المسالمين، كان من بينهم نساء وأطفال، وأمروهم بحفر خندق، ودفعوهم نحوه باستخدام الحراب الفرنسية الطويلة ثم فتحوا النيران على الضحايا التعساء إلى أن قتلوهم جميعاً، وكان من بين القتلى امرأة تحمل رضيعاً بين ذراعيها. ثالثاً: أُطلق الرصاص على أطفال عرب -تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشر والثالثة عشر- كانوا يلعبون بقنابل يدوية. رابعاً: اغتصب رجال من كتيبة آلتالينا (التابعة لميليشيا إرغون) فتاة في التاسعة عشر أو العشرين من عمرها ثم طعنوها بحربة وغَرزوا عصا خشبية في جسدها”.

ينبغي التأكيد هنا أننا لا نملك أيّ شهادة أخرى تدعم هذا الروايات الفظيعة التي تسرد الوقائع التي حدثت في الرينة والبرج وجبل الجرمق. لكن هذا ليس مستغرباً، نظراً لكمية الوثائق التي لا تزال طي الكتمان في الأرشيفات. وبالنسبة لشهادة ميقونيس، فثمة أسباب أخرى تجعلنا نمتنع عن التشكيك في صحتها. فخلال الاستجواب البرلماني ذاته الذي أجراه لبن غوريون، قدم ميقونيس وصفاً مفصلاً ودقيقاً للمجزرة التي ارتكبت في قرية الحولة في لبنان، واتضح فيما بعد -خلال المحاكمة- أن مصادره موثوقة. (لا توجد أدلة على وجود رد من رئيس الوزراء على هذا الاستجواب).

إقرأوا أيضاً:

“لا يزال بعضهم تظهر عليه علامات الحياة”

يبدو أن الوزراء قد انزعجوا بشكل خاص من مذبحة الحولة؛ فقد اجتاحت القريةَ الكتيبةُ 22 -إحدى كتائب لواء كارميلي- بقيادة شموئيل لحيس. فرّ المئات من السكان، معظمهم من سكان الحولة، لكن بقي حوالي 60 شخصاً في القرية، ثم استسلموا دون مقاومة. وبعد هذا الاجتياح وقعت مجزرتان في يومين متتاليين؛ أولاهما في 31 أكتوبر/تشرين الثاني 1948، حين قُتل 18 فرد من سكان القرية؛ وفي اليوم التالي بلغ عدد الضحايا 15.

كان لحيس -قائد السرية/اللواء- هو المقاتل الوحيد الذي حوكم بتهمة القتل العمد في عملية حيرام، ثم حصل على البراءة بسبب الشك في تورطه في مجزرة اليوم الأول، لكنه أدين في مجزرة اليوم الثاني التي ارتكبها بنفسه. أحيل البت في حكم لحيس لاحقاً إلى أرشيف القانون (الحقوق) بجامعة تل أبيب، وننشر هنا لأول مرة مقتطفاً قصيراً من الحكم الصادر بشأن الطعن القضائي/الاستئناف الذي قدمه.

أمر لحيس بإخراج “أولئك العرب الخمسة عشر من المنزل الذي كانوا فيه، واقتيادهم إلى منزل منعزل على مسافة من مقابر المسلمين في القرية. وعندما وصلوا إلى هناك، أمر الطاعن على الحكم [لحيس] بأخذ العرب إلى إحدى الغرف، وهناك أمرهم بالوقوف في طابور ووجوههم إلى الحائط … ثم أطلق الطاعن النار عليهم من سلاحه [من طراز ستن]، حيث أفرغ فيهم خزينتين من الرصاص. وبعد أن أرداهم، أخذ الطاعن يفحص الجثث، ليرى ما إذا كانت لا تزال هناك حياة فيهم أم لا؛ فلاحظ أنه لا يزال بعضهم تظهر عليه علامات الحياة، فأطلق عليهم طلقات إضافية”.

ذكر لحيس في دفاعه أنه كان يتصرف بروح قائد الكتيبة، الذي قال له إنه “لا داعي لإثقال المخابرات بأسرى”. وأوضح أنه شعر بحاجة ماسة إلى الانتقام لوفاة أصدقائه، رغم أن ضحاياه لم يشاركوا أساساً في القتال. حُكم على لحيس بالسجن سبع سنوات. وبعد الاستئناف خُففت عقوبة السجن إلى سنة واحدة، قضاها في ظروف مثالية للغاية في قاعدة عسكرية في الشمال.

على مر السنين، قدم القضاة تفسيرات مختلفة للحكم المخفف؛ فقد برر القاضي جدعون إيلات الحكم بالإشارة إلى أن لحيس هو الشخص الوحيد الذي قُدِّم للمحاكمة، على الرغم من ارتكاب جرائم قتل أشد وأكثر خطورة. وقال القاضي حاييم دفورين: “بصفتي قاضياً، كان من الصعب عليّ أن أتقبل الموقف الذي نجلس فيه خلف طاولة لنحكم على شخص تصرف أثناء المعركة كما تصرف لحيس؛ هل كان من الممكن أن يميز في ذلك الوقت العدو من البريء؟”.

عقب الإفراج عنه، حصل لحيس على عفو من الرئيس يتسحاق (إسحاق) بن تسفي؛ وبعد ثلاثة عقود عُيّن مديراً عاما للوكالة اليهودية. وبهذه الصفة ابتكر لحيس فكرة يوم [أورشليم] القدس، حيث اعتبرها إحياءً لذكرى “إعادة توحيد القدس” خلال حرب الأيام الست، والتي يُحتفل بها سنوياً منذ ذلك الحين.

إقرأوا أيضاً:

دير ياسين

ثمة ملايين الوثائق المُخزّنة منذ تأسيس الدولة في أرشيفات الحكومة، وهي ممنوعة من النشر. علاوة على ذلك، هناك رقابة قوية على هذه الوثائق. كشف تقريرٌ استقصائي أعدته هاجر شيزاف في صحيفة هآرتس في عام 2019، عن قيام أفراد من وحدة مالماب (الاختصار العبري لـ”مديرية أمن مؤسسة الدفاع”) في السنوات الأخيرة بتعقب الأرشيفات في جميع أنحاء البلاد، والبحث فيها وإزالة الأدلة على جرائم الحرب. لكن رغم كل الجهود المبذولة للتعتيم، إلا أن الروايات عن المجازر لا تزال تتراكم.

كان المؤرخ بيني موريس -الذي أجرى بحثاً شاملاً ورائداً في الأرشيفات- هو من وضع حجر الأساس لهذه الأبحاث التاريخية بدءاً من الثمانينيات. ثم أضيف إلى عمله فيما بعد، مساهمات مؤرخ آخر هو عادل مناع، الذي انصب تركيزه على التاريخ الشفوي، والذي درس تاريخ عرب حيفا والجليل. وصف مناع العديد من الأحداث، منها: فرقة الإعدام التي قتلت تسعة من سكان مجد الكروم (مسقط رأسه). ثم جاءت المنشورات الإضافية على مر السنين -مثل الشهادات المذكورة هنا- لتسُد تدريجياً العديد من الثغرات وتكمل أجزاء الأحجية.

سجل موريس 24 مجزرة خلال حرب 1948؛ ويمكن القول اليوم إن العدد يتجاوز هذا الرقم، حيث وصلت المجازر إلى العشرات. في بعضها قُتل عدد قليل، وفي البعض الآخر قُتل العشرات، وهناك أيضاً حالات قتل فيها أكثر من مائة ضحية. وباستثناء مذبحة دير ياسين -في إبريل/نيسان 1948، التي تردد صداها على نطاق واسع على مر السنين- يبدو أن هذه الصفحات السوداء من التاريخ قد قُمِعت وأُبعِدت عن الخطاب العام الإسرائيلي.

ومن بين المجازر الكبرى التي شهدتها عمليتا حيرام ويواف، أحداثُ قرى الصالحية وصفصاف والدوايمة؛ ففي الصالحية (التي حل محلها اليوم كيبوتس/مستوطنة يِرون) -الواقعة بالقرب من الحدود مع لبنان- أعدم اللواء السابع ما بين 60 و 80 مواطناً باستخدام طريقة استخدمت عدة مرات في الحرب، ألا وهي: تكديس السكان في مبنى من مباني القرية ثم تفجيره بمن داخله من الأشخاص.

وفي الصفصاف (يطلق عليها اليوم: موشاف صفصوفة) قرب صفد، قتل جنود من اللواء السابع عشرات المواطنين. ووفقاً لإحدى الشهادات (التي أعادت وحدة مالماب تصنيفها باعتبارها وثائق سرية لاحقاً) “قبضت القوات على 52 رجلاً، وربطوهم معاً، وحفروا لهم حفرة، ثم أطلقوا النار عليهم. كان عشرة منهم ما زالوا يرتعشون. ثم جاءت النساء يتوسلن الرحمة. عُثر على جثث 6 رجال مسنين، وكان هناك 61 جثة، وثلاث حالات اغتصاب”.

في قرية الدوايمة (يطلق عليها اليوم: موشاف أماتسيا) في منطقة لخيش، قتلت قوات اللواء الثامن حوالي 100 شخص. ووصف أحد الجنود ممن شهدوا الأحداث لمسؤولي حزب العمال الموحد (المابام) ما حدث قائلاً: “لم تكن هناك معركة ولا مقاومة؛ قتلت الصفوف الأولى من الجيش ما بين 80 إلى 100 رجل وامرأة وطفل عربي؛ قُتل الأطفال بتحطيم جماجمهم بالهراوات، لم يكن هناك منزل بلا قتلى فيه”. وبحسب ضابط مخابرات عُيّن مسؤولاً في القرية بعد يومين، فإن عدد القتلى بلغ 120.

يشير مقال نشره جندي مجهول في صحيفة “نير” بعد الحرب إلى انتشار ظاهرة قتل المدنيين العُزَّل بين صفوف الجيش الإسرائيلي؛ ويروي الكاتب كيف قتل رفاقه في الوحدة امرأة عربية مسنة تخلفت عن اللحاق بأهلها أثناء احتلال قرية لوبيا في الجليل السفلي: “أصبحت هذه موضة شائعة؛ وعندما اشتكيت لقائد الكتيبة مما يجري، وطلبت منه وقف هذا الهرج والقتل الذي ليس له مبرر عسكري، هز كتفيه وقال “لم تصدر القيادات العليا أمراً” بمنعه. ومنذ ذلك الحين، انزلقت الكتيبة إلى مستنقع الدماء؛ لقد استمرت إنجازاتها العسكرية، لكن كان ذلك على حساب ارتكاب المزيد والمزيد من الفظائع”.

“إنها مسألة يهودية”

في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من عام 1948، عندما خفت حدة ضغوط الحرب إلى حد ما، تطرقت الحكومة إلى مناقشة تقارير المجازر التي وصلت إلى الوزراء بطرق مختلفة. إن الاطلاع على محاضر الاجتماعات لا يترك مجالاً للشك في أن قادة الدولة كانوا على اطلاع دائم وآني بالمجازر والأحداث الدموية التي صاحبت اجتياح القرى العربية.

في الواقع، كانت محاضر اجتماعات مجلس الوزراء في هذه الفترة متاحة للعرض على الجمهور منذ عام 1995. ومع ذلك، فإن أقسام المناقشات التي كانت مخصصة “لسلوك الجيش في الجليل والنقب” -حسب العنوان المستخدم في أجندة مجلس الوزراء- ظل محظوراً مراقباً [منقحاً وتحت الرقابة] حتى أيام قليلة مضت. وقد أُعد هذا التقرير بناءً على طلب قدمه معهد عكيفوت إلى أمين المحفوظات الحكومية.

وحتى الآن، لا تتوفر المحاضر كاملة. ومن الواضح أن الإشارات المباشرة إلى جرائم الحرب لا تزال محجوبة. بيد أن الآراء المتبادلة بين الوزراء بشأن مسألة التحقيق في الجرائم أو لا -وهي آراء ظلت سرية لمدة 73 عاماً- صارت متاحة الآن للباحثين والصحفيين والمواطنين الذين ينتابهم الفضول للاطلاع عليها. وهنا، على سبيل المثال، ما بدا عليه اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1948:

وزير الهجرة والصحة حاييم موشيه شابيرا (جماعة هبوعيل همزراحى): “حتى في أوقات الحرب، لا يسمح لنا بالمضي إلى هذا الحد. فقد طُرحت هذه الأمور أكثر من مرة خلال اجتماعات مجلس الوزراء، وقام وزير الدفاع بالتحقيق والمطالبة، وتم إصدار الأوامر. وأعتقد أنه لكي نعطي الانطباع بأننا نأخذ هذه المسألة على محمل الجد، يجب أن نختار لجنة من الوزراء الذين سيسافرون إلى تلك الأماكن ويرون بأنفسهم ما حدث. ويجب معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون هذه الأعمال. المسألة لم تكن سراً. واقتراحي هو اختيار لجنة من ثلاثة وزراء لمعالجة هذه المسألة الخطيرة”.

وزير الداخلية إسحاق غرونباوم (الحزب الصهيوني العام): “كنت أنوي أيضاً أن أطرح سؤالاً من هذا المنطلق. لقد علمت أن ثمّة أمر صدر بتطهير المنطقة”. في هذه المرحلة يتحدث غرونباوم عن ضابط نَقَل سكان المنطقة في حافلة إلى خطوط العدو، حيث تعرضوا للطرد، ويضيف: “ولكن من الواضح أن ثمّة آخرين يفتقرون إلى الذكاء نفسه والشعور نفسه. ويبدو أن الأمر كان يُمكن تنفيذه بوسائل أخرى”.

عند هذه النقطة هناك العديد من السطور المحجوبة.

وزير العمل مردخاي بنتوف (حزب المابام): “لقد زعم الأشخاص الذين قاموا بهذه الأعمال أنهم تلقوا أوامر من هذا القبيل. ويبدو ليّ أننا لم نكن عاجزين عن حل أي مسألة بقدر ما نحن عاجزون، على ما يبدو، عن حل هذه المسألة. وفي رأيي أن هذه ليست مسألة عربية، بل مسألة يهودية. والسؤال هو من هم اليهود الذين سيظلون في البلد بعد هذه الحرب. لا أعتقد أن هناك أي طريقة سوى القضاء على الشر بيد قوية. وبما أننا لم نر تلك اليد القوية في مقرات [الجيش] أو في وزارة الدفاع، فإنني أؤيد اقتراح السيد شابيرا بتشكيل لجنة يتم اختيارها، والتي ستمنحها الحكومة سلطة التحقيق مع أي شخص تريد. ومن الضروري التحقيق في التسلسل القيادي، لمعرفة من الذي تلقى الأوامر ممن، وكيف تسير الإجراءات دون أوامر مكتوبة. هذه الأشياء تتم وفقاً لطريقة معينة. فقد تبين أن الأمر شيء والإجراء شيء آخر”.

رئيس الوزراء ووزير الدفاع ديفيد بن غوريون (حزب ماباي): “إذا كانوا قد هربوا فلن تكون هناك حاجة إلى ملاحقتهم. غير أن الأمر يختلف فيما يتعلق بالسكان الذين ظلوا في أماكنهم وجيوشنا تطردهم. يمكن منع ذلك. فليس هناك حاجة لطردهم. ففي اللد والرملة صدرت أوامر صريحة بعدم طرد السكان واتضح أنهم أُجبروا [على المغادرة]. أردت الذهاب إلى اللد في الأيام الأولى التي أعقبت اجتياح المنطقة، وقُدمت إليّ بعض الأسباب لماذا لا يجب أن أذهب. في المرة الأولى تقبلتها بسذاجة. الأمر الأكثر خطورة هو السرقة. والوضع فيما يخص هذا الأمر مروع”.

“جنة الحمقى”

انتهى الاجتماع الذي عقد في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1948 بإصدار قرار بتعيين لجنة من ثلاثة وزراء لدراسة الشهادات حول المذابح التي ارتكبت. وتألفت اللجنة من حاييم موشيه شابيرا، ومردخاي بنتوف ووزير العدل بنحاس روزن من الحزب التقدمي. وبعد ذلك بأسبوع، أبلغوا مجلس الوزراء بأن السلطات الضئيلة التي مُنحت لهم لم تمكنهم من الوصول إلى حقيقة الأمر. ومرت ثلاثة أيام أخرى، واجتمع مجلس الوزراء مرة أخرى لمناقشة التحقيق في الجرائم.

بنتوف: “أنا أعلم أن هناك دوائر في الجيش تريد تقويض قرارات الحكومة”.

شابيرا: “يتعين علينا أن نجد أفضل وسيلة لوقف الوباء. والوضع فيما يخص هذا الأمر يشبه الوباء. اليوم استمعت اللجنة إلى شهادة أحد الشهود، وغطيت وجهي بيديَّ من الخزي والعار. إذا كان هذا هو الوضع، فأنا لا أعرف من أي جانب هناك خطر أكبر على الدولة – من جانب العرب أو من جانبنا. وفي رأيي أن جميع أسسنا الأخلاقية قد قوضت وعلينا أن نبحث عن سبل لكبح هذه الغرائز. لقد وصلنا إلى هذا الوضع لأننا لم نكن نعرف كيف نتحكم في الأمور عندما بدأ حدوث ذلك أول مرة. انطباعي هو أننا نعيش في جنة الحمقى. وإذا لم يحدث أي تحول، فإننا نقوض الأساس الأخلاقي للحكومة بأيدينا”.

وزير الزراعة آهارون زيسلينغ (حزب المابام): “لقد تلقيت رسالة من شخص معين بشأن هذه المسألة. يجب أن أخبركم أنني كنت أعرف الوضع فيما يخص هذه المسألة، وطرحت هذا الموضوع للمناقشة على هذه الطاولة أكثر من مرة. بعد أن قرأت الرسالة التي تلقيتها، لم أستطع النوم طوال الليل. شعرت أن شيئاً ما يحدث يؤثر على روحي وروح منزلي وروح كل واحد منا هنا. ولم أستطع أن أتخيل من أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون. وأنا أعلم أن هذه ليست صدفة بل إنه أمر يحدد معايير حياة الأمة. وأنا أعلم أن ذلك قد يخلف عواقب في كل مجال من مجالات حياتنا. خطيئة واحدة تؤدي إلى خطيئة أخرى، وقد يصبح هذا الأمر جزءاً من طبيعة الناس.

وزير الشرطة بخور شالوم شيطريت (حزب المجتمعات السفاردية والشرقية): “لقد طالبت في الأيام الأولى للإدارة الشعبية [وهي الهيئة التشريعية المؤقتة التي تشكلت قبل مايو/أيار 1948] باتباع نهج صارم فيما يتعلق بهذا الشأن، ولم تنصتوا إليّ. لقد أصابكم الإرهاق والتعب بسبب هذه الأعمال الخطيرة. في حين أنني قدمت عدة مقترحات بشأن هذا الموضوع، وحتى يومنا هذا لم يتم قبول أي منها”.

وزير النقل دافيد ريمز (حزب ماباي): “لقد هوينا إلى منحدر رهيب- نعم، ليس الجيش بأكمله، ولكن إذا كانت هناك أفعال كهذه تحدث وتتكرر في أماكن قليلة، فإنها بلا شك مروعة إلى حد الإحباط”.

بعد هذا النقاش، أعلن بن غوريون بشكل قاطع، قائلاً “تُلغى هذه اللجنة؛ لأنها لم تفِ بالدور الذي كُلّفت به”. وعلى هذا ردّ غرونباوم بالقول “سندفن هذا الأمر”. وعلّق الوزير شابيرا، الذي كان هو الداعي إلى [تأليف] اللجنة ابتداءً، قائلاً إنه شعر أن الأرض خُسفت من تحته.

في الواقع، سرعان ما أدرك الوزراء أن رئيس الوزراء لا يهتم بإجراء تحقيق شامل في جرائم الحرب. فقد رفض منح لجنة الثلاثة سلطةَ استدعاء الشهود، وألقى باللائمة في فشلها على كسل أعضائها. وبينما طالب بعض الوزراء بإنشاء لجنة ذات سلطات واسعة، ونادوا بجلب المسؤولين أمام العدالة، أخذ بن غوريون اتجاهاً معاكساً تماماً. وقد انتهى الاجتماع بالقرار التالي: “تُكلِّف الحكومة رئيسَ الوزراء [بالمسؤولية عن] التحقيق في جميع الادعاءات المقدَّمة بشأن سلوك الجيش تجاه العرب في الجليل وفي الجنوب”.

بعد يومين من اللقاء، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، عيَّن المدّعي العام ياكوف-شيمشون شابيرا للتحقيق في الأحداث. وأشار رئيس الوزراء في خطاب التعيين إلى أن المدعي العام “مُطالَب، بموجب هذا، أن يضع على عاتقه مهمة الفحص والتحقيق فيما إن كانت هناك أضرار ألحقها الجنود والجيش بحياة المقيمين العرب في منطقة الجليل والجنوب، تتنافى مع قواعد الحرب المقبولة”.

بعد أسبوعين من ذلك، قدَّم المدعي العام تقريره إلى رئيس الوزراء. وفي اجتماع الحكومة بتاريخ 5 ديسمبر/كانون الأول، تلا بن غوريون النقاط الأساسية فيه، ولكن هذا القسم من المحضر لا يزال منقَّحاً. وفي عقد الثمانينيات من القرن الماضي، قدم المؤرخ موريس طلباً لمحكمة العدل العليا [في القدس]، يطلب فيه أن يتاح له الاطلاع على التقرير، لكن طلبه رُفض. ويعمل معهد عكيفوت منذ سنوات عديدة لرفع السرية عن التقرير.

لا يُذكر التقرير سوى مرات قليلة في الكتابات الأكاديمية – قليلة لدرجة أنّ البعض تشكك في وجوده أساساً. وقد كتب المؤرخ يوؤاف غيلبر، مؤلف أحد أكثر الكتب إفادةً عن “حرب الاستقلال” (وهو بالعبريّة، بعنوان “الاستقلال مقابل النكبة: الحرب العربية-الإسرائيلية 1948”)، فقال إنّه لم يجد “تقريرَ شابيرا الاستقصائيَّ أو أي إشارة إليه، أو أي دليل آخر يفيد بأنه تم إجراء استقصاء حول مسألة الإجراءات غير النظامية التي وقعت في الجليل”. ومع ذلك، فإن التقرير موجود بالفعل، وتبيّن المحاضر المتاحة الآن أن وزراء الحكومة لم يكونوا جميعاً راضين عن محتواه أو توصياته.

بعد تلاوة النقاط الأساسية في التقرير أمام الحكومة، قال بن غوريون “لا أقبل كل ما كتبه [شابيرا]، ولكني أعتقد أنه قام بأمر مهم، وقال أشياء لم يكن غيره يجرؤ على قولها”. ثم اغتنم الفرصة لينتقد زملاءه من أعضاء الحكومة، قائلاً “بالتأكيد من السهل الجلوس هنا حول هذه الطاولة وإلقاء اللوم على عدد قليل من الناس، على أولئك الذين خاضوا القتال”.

حاييم-موشيه شابيرا: “لقد قدَّم المدعي العام بالفعل تقريراً عما قيل له، لكن هذه ليست وظيفته. الشيء الوحيد الذي لا يزال، في رأيي، بالإمكان فعله هو اختيار لجنة عامة باسم الحكومة، تقوم بالتحقيق في المسألة، والتدقيق التام في تفاصيلها. أما إذا تم التستر على هذه الأفعال، فإن اللوم يقع على الحكومة كلها إذا لم تقدم الجناة إلى العدالة”.

ريمز: “هذه الأفعال تُخرجنا من دائرة اليهود ومن دائرة الإنسانية تماماً. فقد التزمنا الصمت إلى اليوم حيال هذه الأمور الخطيرة. علينا إيجاد طريقة لإيقاف هذه الأفعال، ولكن لا بد ألا نُسكت ضمائرنا بإلقاء ثِقَل اللائمة كله على أولادٍ سُحبوا في أعقاب أفعالٍ نُفذت في وقت سابق”.

بنتوف: “يعتاد الناس على النأي بعيداً، والبدء في فهم هذا: لا عدالة ولا قاضٍ [لتحقيقها]”.

ميثاق الصمت

خلال اجتماعات الحكومة كثيراً ما أُشير إلى ميثاق الصمت القائم بين الجنود حول مسألة جرائم الحرب. وقال الوزير شابيرا: “الحقيقة أن الجنود يخشون الإدلاء بشهادتهم. فقد سألت أحدهم إن كان على استعداد للمثول أمام اللجنة، فطلب مني ألا أذكر اسمه، وأن أنسى أنه تحدث معي، وأن أعتبره شخصاً لا يعرف شيئاً”.

تناول بن غوريون أيضاً صعوبة كسر دائرة الصمت، قائلاً: “بالنسبة إلى الجليل، لم يُنشَر سوى القليل. فليست كل الشائعات تتطابق مع الحقائق. تم تأكيد العديد من الأمور. لكن ما حدث في الدوايمة لا يمكن تأكيده. هناك تكتّم؛ ومسألة التكتّم هذه خطيرة للغاية. لقد كلفت شخصاً بتوضيح مسألة ما، ولكن أُجريت ضده حملة منظمة لئلا يقوم بهذا التوضيح؛ وتعرض لضغوط كبيرة”. وقد أكد بن غوريون أنه كان من المستحيل التأكّد من الحقيقة، لا في الشمال ولا في الجنوب. وأضاف أنه في النقب “وقعت أفعال لا تقل صدمةً عمَّا جرى في الجليل”.

ساعد ميثاق الصمت أولئك الذين تمنّوا إخفاء جرائمهم وتفادي التحقيقات ولوائح الاتهام. لقد كان شمويل لحيس، قائد الوحدة التي نفَّذت مجزرة الحولة، من بين قلائل اتهموا بالقتل خلال حرب الاستقلال. ولكن لم تصدر لوائح اتهام حتى بشأن مجزرة الدوايمة التي حقق فيها داخلياً جيش الدفاع الإسرائيلي.

تظهر شدة التكتم في الجيش في كتاب ليوسف شاي-إيل، وهو جندي في سريّة ليحيس، شهد في المحكمة ضد قائده السابق. وفي ذكرياته غير المنشورة لعام 2005، بعنوان “السنوات الثمانون الأولى من حياتي”، كتب شاي-إيل يقول: “بعد صدور حكم المحكمة، مررت بوقت عصيب لفترة من الزمن. كان الناس يمسكونني في المقاهي والعديد من الأماكن في أنحاء المدينة ويضربونني. فصار عادةً لديّ الخروجُ بمسدس في جيبي؛ وكنت قد وجدته في منزل مهجور في عكا قبل زمن طويل. كان الجميع يعرفون أنّي قناص، وقد أعجبني هذا لبعض الوقت. أخبرت الشرطة والدي أنه كانت هناك خطة لاختطافي من المنزل، فاختبأتُ في منزل صديق”.

حتى أولئك الذين لم تكن لديهم ميزة الصمت والتكتم، وحُوكموا بما ارتكبوا من جرائم في الحرب، أُخلي سبيلهم في النهاية. ففي فبراير/شباط 1949 صدر عفو عام بأثر رجعي عن أي جرائم ارتُكِبت خلال الحرب. ويبدو أن الجمهور عموماً لم ينزعج من أيّ من هذا. فقد وقعت الأحداث المشار إليها آنفاً خلال فترة كان فيها نظام العدالة العسكرية قيد التأسيس. وهذا يفسر سبب اعتناق الجيش ثقافةً مؤسسية تسهل قتل الجنود للفلسطينيين خلال العمليات [العسكرية]. وقد أطلق الفيلسوف مارتن بوبر مصطلح “ذهان الحرب” (war psychosis) على الإطار الذهني الذي ساد المجتمع اليهودي في ذلك الوقت.

بعد ستة أشهر، مثُل جوزيف سبرينزاك، أول رئيس للكنيست، أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان. ومما ذُكر في الاجتماع تقريران ورَدَا في الصحافة ذلك اليوم، ولخصا الموقف تجاه أفعال القتل خلال الحرب. أشار أحد التقريرين إلى ضابط أمر خلال المعركة بقتل أربعة جرحى؛ أما التقرير الثاني فكان يدور حول شخص باع معدات عسكرية مسروقة. حُكِم على الأول بالسجن ستة أشهر، فيما حُكم على الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات. لم يكن سبرينزاك، على أي حال، واهماً. فقد قال أمام اللجنة “لقد ابتعدنا كثيراً عن الإنسانية. فنحن مثل كل الأمم [الأخرى]”.

هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!