fbpx

لماذا لم يعد أردوغان “مناصراً للمظلومين”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحولات أردوغان، لا تكشف عن تناقض بين مصالحه ومصالح تركيا- البلد والمجتمع وحسب، بل تكشف أيضاً، عن انهيار لغة “نصرة المظلومين والمضطهدين” في المنطقة والعالم التي تبناها الرئيس التركي، في السنوات الماضية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من الاستسهال، تفسير سلوك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بـ”الانفتاح” على دول كان في موقع الخصومة معها، بالسياسة فقط. فذلك، سيكون، على الأرجح، حقيقة ناقصة، والجزء الناقص هنا هو الأهم. إذ يمكن القول إن أردوغان قرأ جيداً التحولات في المنطقة بعد رحيل دونالد ترامب، وحاجة دول الخليج إلى تحالفات جديدة، تؤمن لها شبكة حماية، وكذلك، الأمر بالنسبة إلى مصر، الذي يحتاج نظامها إلى إسكات أصوات إخوانية، تنطلق من إسطنبول، فضلاً عن مصالح مشتركة بين القاهرة وأنقرة، في ما يخص ترسيم الحدود البحرية شرق البحر المتوسط.

لعبة التحليل هذه، التي تفسر الحراك الأردوغاني المستجد، لا سيما الزيارة المرتقبة إلى الرياض الشهر المقبل، يمكن المضي فيها حتى النهاية، بحيث يبدو أردوغان متطابقاً مع تركيا، ويحقق مصالحها، بإعادة تموضع متواصلة، تبعاً لحسابات وموازين القوى المتغيرة. غير أن أردوغان وعملاً بتقليد تتبعه غالبية أحزاب الإسلام السياسي، هو رئيس حزب توغل على الدولة وجعلها في خدمة حكم الفرد. فعام 2017 حصلت تعديلات دستورية أفضت إلى نظام رئاسي بدل البرلماني، وجعلت للرئيس صلاحيات واسعة، وهو ما حصده أردوغان عقب فوزه في انتخابات 2018. ما يعني أن تصرفات الرئيس التركي، تصب في مصلحة استمرار نظامه السلطوي.

الفصل بين مصالح تركيا ومصالح أردوغان، يبدو أمراً إشكالياً، خصوصاً في ظل انتخابات تمنح الرجل وحزبه أرجحية عبر تحالفه مع القوميين. الجواب، هو في العلاقة بين الإسلاميين والديموقراطية، فهم غالباً ما يستخدمونها أداةً للوصول إلى السلطة، لا بصفتها جزءاً من كل، يضمن عملاً مؤسساتياً، والتزاماً بقواعد دستورية.

بيد أن تحولات أردوغان، لا تكشف عن تناقض بين مصالحه ومصالح تركيا- البلد والمجتمع وحسب، بل تكشف أيضاً، عن انهيار لغة “نصرة المظلومين والمضطهدين” في المنطقة والعالم التي تبناها الرئيس التركي، في السنوات الماضية. فكرس نفسه، رافضاً للانقلاب في مصر، ومدافعاً عن الرئيس الراحل محمد مرسي. كما ركز على قضية جمال خاشقجي، الصحافي الذي قتل في السفارة السعودية، مطالباً الرياض بكشف الحقيقة، فضلاً عن تصريحاته الدائمة حول احتضان اللاجئين السوريين، وعدائه للنظام في دمشق.

 ولكي نفهم سبب تبني أردوغان هذه القضايا، لا بد أن نعود أولاً، لمصالحه، كسلطة حاكم مطلق، فالمناخ السياسي المتمثل بصراع بين محور إسلامي وآخر معاد له،  

كان يفترض المواجهة، والتوسع لتحقيق النفوذ عبر “الإخوان المسلمين”، ما دفع الرئيس التركي، عقب، تراجع محوره، إلى استغلال قضايا عادلة وإدراجها في عدته السياسية للاستثمار بها، وأحياناً استخدامها كأوراق ضد الدول المدانة بارتكابات وانتهاكات. لقد سيّس أردوغان القضايا لمصلحته، وفرّغها من بعدها الأخلاقي، مدرجاً إياها في برنامج عمله لتكريس حكمه السلطوي.   

إقرأوا أيضاً:

سبب آخر كذلك، يتبدى، في تبنيه تلك القضايا، وهو شعبويته المعطوفة على توسع “إسلامي” يحاكي مخيالاً إمبراطورياً، يتمثل بحقبة أساسية في تاريخ العثمانيين. إذ كان من السهل، ملاحظة، تصريحات أردوغان النارية بعد أي سلوك أو قانون غربي يُقرأ كاستهداف للمسلمين في أوروبا. الرجل أراد أن يكرس نفسه حامياً للمسلمين في العالم، من سوريا ومصر وصولاً إلى أوروبا.

لكن خلف كل قضية لـ”نصرة المظلومين” كانت هناك أجندة، فالوقوف بجانب السوريين ضد نظام الأسد، خلفه محاربة الأكراد، وضمان الحدود، والتحكم بمنطقة في سوريا، تستخدم ورقةً في التفاوض مع روسيا وأميركا. والوقوف بجانب “المضطهدين في مصر” خلفه، استخدام “الإخوان” ورقة ضد النظام الديكتاتوري في مصر. والوقوف بجانب عائلة خاشقجي، ودعم قضيته، خلفهما ابتزاز السلطات السعودية التي تتفنن في قتل معارضيها، أما الوقوف، مع المسلمين في أوروبا فخلفه، خلقُ نفوذ، عبر الجاليات التي تعاني أجزاء منها من التضييق، واستعماله كورقة ضد الدول الغربية.

 غير أن الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بتركيا، جعلت أردوغان يعيد حساباته، ويتخلى ولو مرحلياً عن الاستثمار بالقضايا العادلة، وتسخيرها بأدوات شعبوية- توسعية لمصلحة نظامه. هذا الأخير، بحاجة إلى ضخ الدولار، في الفترة التي ستسبق انتخابات الرئاسة، العام المقبل. ما يعني أن مرسي وخاشقجي والشعب السوري ومسلمي الغرب، سيتركون قليلاً، دون استخدامهم، مادةً للابتزاز وتجميع الأوراق. أولوية السلطوية الأردوغانية، قبل الانتخابات، تبريد هذه القضايا، من دون استبعاد العودة إلى خطاب “نصرة المظلومين” عندما تقتضي الحاجة. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!