fbpx

اعتقال المتحرش مروان حبيب في اميركا: فشل العدالة في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المضحك المبكي أن يوم انتشار خبر الاعتقال كان أشبه باحتفال على مواقع التواصل، فاعتقال مروان حبيب كان هدفاً آخر لم تحرزه العدالة اللبنانية، بل حققه قضاء دولة في النصف الآخر من الكرة الأرضية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مقابلة عرضت قبل سنتين على شاشة “أم تي في”، بعنوان “أكثر من خمسين صبية كن ضحيته… كيف سيواجههن مروان حبيب؟”، اتهم مروان حبيب الفتيات اللواتي شهدن ضده بمحاولة النيل من صورته عبر اتهامه بالتحرش، وبالقيام بأعمال مريبة، لا سيما بالقرب من حرم الجامعة الأميركية. كما اتهم الإعلامي الذي يستضيفه، جو معلوف، بالتحيز لإظهار شهادات هؤلاء الفتيات وتجاهل أولئك اللواتي يكنّن له مشاعر الحب والاحترام. تحدى حبيب الفتيات اللواتي اتهمنه بالتحرش، بإظهار وجوههن وإبراز اسمائهن وتوضيح أحداث التحرش التي شهدن بها، مسخفاً الشجاعة التي يحتجن إليها للإفصاح.

اعتبر مروان مواقع التواصل الاجتماعي سبباً لانتشار هذه الاتهامات النابعة وفقه من غيرة وحسد، لأنه لاعب في المنتخب اللبناني لـ”الفوليبول” ومدرب شخصي لشخصيات معروفة. كما ساوى بين “استهدافه” واستهداف شخصيات سياسية على مواقع التواصل، كأنه ضمناً يعترف بفساده وبكونه ركناً من أركان النظام الذكوري فحسم قضية التحرش بالقول: “لم يحقق معي ولم أتلقَّ اتصالاً من المخفر”. إلا أن هذا المخفر هو في الواقع ذراع من أذرع الذكورية التي تعرقل آلية حصول النساء على حقوقهن وتحول دون معاقبة المجرمين والمتحرشين أمثال مروان حبيب.

المضحك المبكي، أن انتصاراتنا تحققها عدالة أخرى، فيما يناضل البعض من حقوقيين ونشطاء وجمعيات لمحاولة بناء أطر للحماية والدفاع عن ضحايا التحرّش والعنف وغياب القانون والدعم، فقضايا النساء بنظر الدولة هامشية ولا تشكّل أولوية، وإن أدت إلى مقتل كثيرات وتدمير حياة أخريات.

هكذا يظهر المرتكب منمقاً أمام ضحاياه والرأي العام، مدافعاً عن نفسه ببلاغة قانونية عصارتها: “أنا بريء لأن أحداً لم يستدعني إلى التحقيق”. ولأن صك الغفران الذي قدمه له المخفر ليس كافياً لصد الهجوم الشرس عليه، يوضح مروان أن زوجته السابقة، التي حرمته ابنه لعشر سنوات بحسب قوله، “لها صلة بالحملة ضده”، جازماً أنه يجهل اللواتي كتبن ضده، معتبراً أنهن كتبن ما كتبن لقاء مقابل مادي. ودعا من لديه دعوى ضده إلى التقدم بها للمحكمة كيلا تتخطى المنصات الافتراضية دور القضاء لاغية هيبة الدولة، في سبيل التشهير. لينفعل عندما قاطعه جو مدافعاً عن حقه بالتعبير عن فكرته “لو استغرقت نصف ساعة”، ويتهم جو بإظهاره بصورة قبيحة والحكم عليه. وهو تضليل ضمني آخر بأن لا حكم عليه سوى بسبب حكم الإعلام ليبرر جو نفسه بجملة “لست قاضياً”.

يؤكد مروان مجدداً استعداده للامتثال أمام القضاء في حال صدرت اتهامات ضده بشكل قانوني عبر محامين. ويدعم موقفه بنجاحه المهني، إذ يعتبر أن سيرته المهنية، التي دامت أكثر من 12 عاماً، ما هي إلا تضحية لكي يبقى في لبنان كسائر الشباب اللبناني. وهذا النضال والنجاح أديا الى رمي “الشجرة المثمرة” بالحجارة، مطالباً بحضور الفتيات إلى الاستديو كي يواجهنه. لكن المواجهة أتت من ضيف تحدث عن طرد حبيب من ناد عمل فيه، بتهمة التحرش عام 2018. ومتهماً إياه باستغلال المجتمع الذكوري الذي يعيش فيه ليتملص من العقاب، ليرد مروان بنباهة: “كيف ذلك وجميع زبائني نساء؟”. 

يكمل مروان: “جميع الفتيات أدلين برأيهن ضدي. كيف ذلك والمجتمع ذكوري والنساء ممنوعات من حقهن بالتعبير؟ لماذا كرجل علي أن أظهر على الشاشة لأدافع عن نفسي، لكنني اعتبر ذكورياً إذا طلبت من اللواتي يتهمنني بالتحرش بإعلان أسمائهن وإظهار وجوههن؟ أين المساواة في هذه الحالة؟”. ليتلقى اتصالاً بعدها من امرأة قالت بالإنكليزية، انه اعتدى عليها قبل ثلاث سنوات ويرد عليها جو: “لا يمكننا اتهام أحد بالاغتصاب دون تقديم دليل”. ويكرر مروان طلبه بالتوجه الى القضاء لتؤكد الناجية أنها ستفعل لكن ليس في لبنان لوجود ثقافة طاغية تمنع الضحية من تقديم شكوى أو حتى الحديث عن الموضوع. حينها، تلفز للمرة الأولى اتهام لمروان حبيب باغتصاب اقترفه عام 2018.

كانت ستبقى قصة السيدة، مجهولة الاسم والهوية معروفة الصوت والنبرة، في درج ذاكرتها لولا تحلي أخريات بشجاعة سرد قصصهن، بينما يبقى المجرم حراً بسبب “عدم وجود أدلة” إذ تتفادى الضحية أن تقدم شكوى كيلا تنضم إلى خانة كثيرات فشلن في أخذ حقوقهن وحتى ترحم نفسها من مشقة الإجابة على أسئلة ترمي لمعرفة الثياب التي ارتدتها يوم وقعت الحادثة، أو إن كانت برفقة أحد أو ان أرادت إغراءه أو أومأت بحركات لجذبه. وهو سيناريو يتكرر في قصص كثيرة، تنتهي بعدم معاقبة المتحرّش أو المعتدي، واعتبار الفتاة خارجة عن “الأصول والتقاليد”.

كانت ستبقى قصة السيدة، مجهولة الاسم والهوية معروفة الصوت والنبرة، في درج ذاكرتها لولا تحلي أخريات بشجاعة سرد قصصهن، بينما يبقى المجرم حراً بسبب “عدم وجود أدلة” إذ تتفادى الضحية أن تقدم شكوى كيلا تنضم إلى خانة كثيرات فشلن في أخذ حقوقهن وحتى ترحم نفسها من مشقة الإجابة على أسئلة ترمي لمعرفة الثياب التي ارتدتها يوم وقعت الحادثة، أو إن كانت برفقة أحد أو ان أرادت إغراءه أو أومأت بحركات لجذبه. وهو سيناريو يتكرر في قصص كثيرة، تنتهي بعدم معاقبة المتحرّش أو المعتدي، واعتبار الفتاة خارجة عن “الأصول والتقاليد”. لكن قصة السيدة وصلت، وتحوّلت إلى قضية عامة، مع محاكمة مروان حبيب في الولايات المتحدة في قضايا رفعتها أخريات. 

الدولة اللبنانية كانت أقرت في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2020 “قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه” بخطوة متأخرة لمحاسبة مجرمي التحرش. القانون، الذي اعتبر خطوة أساسية في مكافحة التحرش الذي يعتبر “طبيعياً” في لبنان، تضمن تشريعات بلا آلية تطبيقية، لمعاقبة المتحرشين، ربما لذلك دعانا مروان إلى احترام القانون اللبناني، لأنه يعي تماماً أنه مفرغ من مضمونه. لكن لنتخيل أن مروان عوقب على جريمة واحدة على الأقل من الجرائم التي اقترفها: يعاقب القانون المتحرش بالسجن حتى عام وبغرامة تصل الى عشرة اضعاف الحد الادنى للأجور. وفي بعض الحالات، تصل الغرامات الى خمسين ضعف الحد الأدنى للأجور. لكن مروان حبيب لم يقبض عليه في لبنان. 

في السابع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعرف حبيب إلى فتاة. لحق بها إلى غرفتها في أحد الفنادق. اتصل بامرأة أخرى، تتظاهر بأنها المرأة المقيمة بالفندق، ليخدع الموظفين بإعطائه مفتاح الغرفة. وفي الساعات الأولى من الصباح، استيقظت الناجية لتجده فوقها على السرير فاتصلت بشرطة ميامي، محققة غايته بالامتثال للقانون! 

أوقف مروان راهناً بدعاوى السرقة والتحرش بدون السماح له بالخروج تحت كفالة بسبب خلل في أوراق هجرته، ووجهت له تهم تحرش. اوقف في الولايات المتحدة لاعتدائه على سائحة بعدما فشلت الدولة باعتقاله بعد اعتدائه على مواطنات. ألهم مروان صفحات التواصل الاجتماعي التي مقتها لخلقها مساحات آمنة للنساء للتعبير عن المضايقات التي يتعرضن لها بعدما فشل المخفر، الذي يعتز به مروان، بلعب هذا الدور، دوره الطبيعي، بحق الناجيات، فأنشئت صفحات تقوم بالاستقصاء والتحقق من أهلية كل فرد تتلقى شكوى عنه وتفضحه كصفحتي “افضح متحرش” وPervs of Lebanon.

المضحك المبكي أن يوم انتشار خبر الاعتقال كان أشبه باحتفال على مواقع التواصل، فاعتقال مروان حبيب كان هدفاً آخر لم تحرزه العدالة اللبنانية، بل حققه قضاء دولة في النصف الآخر من الكرة الأرضية. المضحك المبكي، أن انتصاراتنا تحققها عدالة أخرى، فيما يناضل البعض من حقوقيين ونشطاء وجمعيات لمحاولة بناء أطر للحماية والدفاع عن ضحايا التحرّش والعنف وغياب القانون والدعم، فقضايا النساء بنظر الدولة هامشية ولا تشكّل أولوية، وإن أدت إلى مقتل كثيرات وتدمير حياة أخريات.  لكن ماذا عن المجرم الذي نحتفل باعتقاله الآن؟ قد تتعرقل أوراقه لأنه ليس مواطناً أميركياً بعد. قد تقرر السلطات ترحيله الى بلده الأم ليوضع القضاء اللبناني والتشريعات الجديدة أمام امتحان بغاية الدقة والصعوبة. على أمل ألا يراهن عليها مروان حبيب ويربح الرهان مجدداً. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!