fbpx

تركيا: هل تمتد حرائق 2021 إلى العام الجديد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الأوضاع في تركيا تقلقني للغاية. أعتقد أن مخاطر وقوع أزمة شاملة حالياً باتت أقرب بكثير مما كنت أتصور. كنت أظن سابقاً أنها ستحدث خلال 20 سنة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

واجهت تركيا تحديات كثيرة خلال عام 2021 الذي شهد انهيار الليرة التركية، وارتفاع معدلات التضخم، وظواهر مدمرة بسبب تغير المناخ. وقد أسفر هذا العام العصيب عن تفاقم ضعف الثقة في قيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي بدأت نسبة التأييد الشعبي له تنخفض، بينما يواجه بعض أشد التحديات خلال رئاسته.

نستعرض في ما يلي أهم الأحداث التي شهدتها واحدة من أصعب السنوات التي مرت على حزب “العدالة والتنمية” بزعامة أردوغان، ونستشرف عام 2022، الذي من المتوقع أن يشهد تحديات أكبر.

 انهيار الاقتصاد التركي

حتى قبل جائحة “كورونا”، كانت تركيا على وشك الانهيار المالي، وتحاول تجنب الركود الاقتصادي. فقد عانت البلاد جرَّاء الديون الضخمة، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدل التضخم.

فقد أدت ممارسات أردوغان إلى تفاقم الأزمة من خلال اتباع سياسات اقتصادية غير تقليدية -مثل الإصرار على خفض أسعار الفائدة على رغم ارتفاع معدلات التضخم- ومخالفة آراء الخبراء الاقتصاديين الذين اقترحوا اتباع نهج مغاير لذلك تماماً. وقد تكبَّدت الليرة التركية والشعب التركي الثمن. ففي 1 كانون الثاني/ يناير، كان سعر صرف الليرة 7.4 مقابل الدولار الأميركي. وعند أدنى مستوى لها في 20 كانون الأول/ ديسمبر، انخفضت الليرة إلى 18.36 مقابل الدولار الأميركي. ومنذ ذلك الحين، وبفضل تدخل الحكومة الذي وصل إلى مليارات الدولارات، ارتفعت قيمة الليرة إلى حد ما، لكنها ما زالت بعيدة من قيمتها عند بداية العام.

يُعزى جزء من هذه الدوامة إلى تدخل الرئيس رجب طيب أردوغان في البنك المركزي التركي، الذي يتولى مسؤولية تحديد أسعار الفائدة واحتواء التضخم. بيد أن أردوغان أظهر مراراً وتكراراً أنه إذا لم يفعل المصرفيون ووزراء المالية ما يريده، سوف يقيلهم من مناصبهم. وقد أقال بالفعل ثلاثة محافظين للبنك المركزي في غضون عامين، من بينهم ناجي آغابي في آذار/ مارس، فضلاً عن عدد من النواب المحافظين وكبار المسؤولين خلال العام.

أدى هبوط الليرة إلى تفاقم التضخم، الذي وصل وفقاً للبيانات الرسمية إلى 21 في المئة سنوياً، لكن يُعتقد أنه أعلى من ذلك بكثير. (وحتى على المستوى الرسمي، قد يرتفع هذا المعدل قريباً إلى مستويات أعلى بكثير: إذ يتوقع بعض الخبراء أن يبلغ معدل التضخم الرسمي في تركيا 30 في المئة عند الإعلان عن الإحصاءات الجديدة في أوائل كانون الثاني بعد الموجة العاتية التي شهدها شهر كانون الأول/ ديسمبر).

 يمكن أن تبدأ هذه المعاناة الاقتصادية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع اليومية وتسببت في اصطفاف الناس في طوابير طويلة في انتظار الحصول على الخبز المدعوم من الحكومة، في زعزعة قبضة أردوغان على السلطة.

واجهت تركيا تحديات كثيرة خلال عام 2021 الذي شهد انهيار الليرة التركية، وارتفاع معدلات التضخم، وظواهر مدمرة بسبب تغير المناخ.

إقامة صداقات مع الأعداء القدامى

دفعت المتاعب الاقتصادية التي تعاني منها تركيا إلى إصلاح علاقاتها مع أرمينيا والإمارات العربية المتحدة، مدفوعة جزئياً بحاجتها إلى إيجاد استثمارات تدرّ دخلاً.

ففي تشرين الثاني/ نوفمبر، أشرف أردوغان وولي عهد أبوظبي على توقيع العديد من صفقات الاستثمار والتعاون. على مدى الأعوام الأخيرة، تسببت التوترات بشأن دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترى الإمارات أنها تُشكل تهديداً أمنياً، في تكدير السِلْم في المنطقة. كما اتهمت أنقرة أبو ظبي بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا عام 2016، وكان هناك خلاف بين الدولتين في الصراع الليبي. بيد أن الإمارات الآن باتت مستعدة لتأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات الاستراتيجية في تركيا، بما في ذلك مجال الرعاية الصحية وقطاع الطاقة.

من ناحية أخرى، تعهدت تركيا وأرمينيا، في ظل خلافاتهما التي امتدت إلى ما يزيد على 100 عامٍ بسبب الإبادة الجماعية للأرمن التي قام بها الأتراك العثمانيون (والتي لم تعترف بها أنقرة رسمياً)، بتعيين مبعوثين خاصين لتطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين. فقد قطعوا العلاقات وأغلقوا الحدود قبل نحو ثلاثة عقود بسبب الصراع الأول في إقليم ناغورنو كاراباخ في التسعينات، وكانوا على طرفي النقيض خلال الحرب الأخيرة حول الإقليم المتنازع عليه.

أمة تشتعل ناراً

طوال فصل الصيف، امتدت معاناة تركيا إلى غاباتها التي شهدت أسوأ حرائق في التاريخ الحديث على طول سواحلها الجنوبية، ما تسبب في احتراق أكثر من 656 ميلاً مربعاً خلال شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس. تأججت هذه الحرائق بسبب أشهر من الجفاف الناجم عن تغير المناخ وسوء استخدام الموارد المائية.

في حين لم يتعرض سوى عدد قليل من دول البحر الأبيض المتوسط لتغيرات مناخية أشد من تركيا. وفي أيار/ مايو، أدى انتشار ترسبات لزجة كثيفة من “مخاط البحر” إلى تغطية مياه بحر مرمرة- وهي عبارة عن ازدهار للطحالب المجهرية والعوالق النباتية، ما يخنق الحياة البحرية، نتيجة ارتفاع درجات حرارة المياه. وفي آب، أودت الفيضانات التي اجتاحت مناطق غرب البحر الأسود بحياة 82 شخصاً. وعلى رغم الدمار، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات ملموسة لحماية البيئة من المزيد من الأضرار.

تراجع أكبر في حقوق الإنسان 

شهدت حقوق المرأة ومجتمع الميم+ والأقليات مزيداً من التدهور في عام 2021، وذلك عندما أعلنت تركيا انسحابها في مارس/آذار من اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي (أو اتفاقية إسطنبول)، التي تعد أكبر اتفاقية دولية لحماية حقوق المرأة. وفي الشهر ذاته، وفي خطوة ذات دوافع سياسية، أُحيلت إلى المحكمة دعوى تطالب بحظر ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد، وهو “حزب الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد، ولم يبت في القضية بعد.

وفي تشرين الثاني، أمرت محكمة في إسطنبول بتمديد حبس رجل الأعمال الخيِّر عثمان كافالا، على الرغم من الحكم الملزم الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 2019 والذي يقضي بالإفراج عنه. يُتهم كافالا بالضلوع بدور رئيسي في الاحتجاجات المعارضة للحكومة التي اندلعت في 2013 والمشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 – وهي تهم وصفها كافالا بأنها “سخيفة”.

إقرأوا أيضاً:

المتوقع في 2022

ستظل الأزمة الاقتصادية هي أكبر مشكلات تركيا، بل ويتوقع أن تتفاقم. الأمر الذي قد يضطر أردوغان إلى تبكير موعد الانتخابات المقرر إجراؤها في حزيران/ يونيو 2023. 

وقال تيموثي آش، وهو محلل وخبير بارز في الأسواق الناشئة لدى شركة “بلو باي لإدارة الأصول”: “الأوضاع في تركيا تقلقني للغاية. أعتقد أن مخاطر وقوع أزمة شاملة حالياً باتت أقرب بكثير مما كنت أتصور. كنت أظن سابقاً أنها ستحدث خلال 20 سنة”. يتوقع آش أن تصل ذروة التضخم إلى 50 في المئة، مع انهيار إضافي للعملة يتراوح ما بين 25 و30 في المئة.

أضاف آش: “أعتقد أنه يمكن التصدي لتلك الأزمة عند رجوع السياسات والمفاهيم إلى وضعها الطبيعي نوعاً ما. لكن إذا واصل أردوغان انتهاج السياسات الحالية نفسها، ففي نهاية المطاف ستصل الأوضاع إلى نقطة الانهيار”.

حاولت تركيا إسعاف الوضع ببعض الإصلاحات الأولية، بما في ذلك رفع الحد الأدنى للأجور واستحداث نظام جديد لحماية الودائع يهدف إلى حماية المدخرين من الخسائر الناجمة عن انخفاض أسعار الصرف. لكن رفع الأجور سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف المشاريع التجارية، وبالتالي رفع الأسعار على المستهلكين. إضافة إلى ذلك، ستؤدي طباعة الأموال اللازمة لسداد تكاليف نظام الادخار إلى زيادة الضغوط التضخمية. ويقول آش إن هذه الإصلاحات الاقتصادية تنطوي على بُعد سياسي أيضاً، مع تلقي حوالى 8 ملايين تركي إعانات حكومية، من بينها المرافق المدعومة على سبيل المثال.

وأضاف آش: “أتصور أن أردوغان سيحرص على زيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير في محاولة لحماية تلك الفئة من الآثار السلبية المترتبة على الانكماش الاقتصادي، وذلك لكسب أصواتهم الانتخابية”.

هل تجرى انتخابات مبكرة؟

أثار هذا الأمر نقاشات حادة السنة الماضية، ولا تزال الآراء منقسمة حول مدى رجاحة هذه الفكرة. يرى بيرك إيسن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “سابانجي” التركية، أنه إذا أجريت انتخابات مبكرة فمن المرجح أن تُعقد بعد إتاحة الوقت اللازم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولكن قبل أن تتمكن المعارضة أيضاً من كسب كثير من الأصوات. 

مضيفاً أن “أردوغان يجب أن ينتظر إلى أن تأتي بعض السياسات الجديدة بثمارها أولاً -مثل رفع الحد الأدنى للأجور- قبل أن يدعو إلى إجراء الانتخابات. وأعتقد أنه كلما طال انتظاره، زادت فرص المعارضة”.

لحظة فارقة للمعارضة

ربما تكون الخطوة الأهم التي يجب أن تتخذها المعارضة خلال الأشهر المقبلة، هي اختيار مرشح عن تحالفٍ لأحزاب المعارضة، ومن بينها حزب “الشعب الجمهوري”. صحيح أن زعيم حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كليتشدار أوغلو، قد أعرب عن رغبته في الترشح، لكن المرشح الأوفر حظاً هو رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي فاز بمنصبه بعد إعادة الانتخابات المحلية عام 2019 التي شهدت هزيمة ساحقة لحزب أردوغان. جدير بالذكر أن أردوغان نفسه شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول خلال التسعينات.

وقال بيرك إيسن إن “إمام أوغلو يحظى بشعبية جماهيرية كبيرة، تشبه شعبية نجوم موسيقى الروك”.  لكنه أصبح أيضاً هدفاً لسيل من الانتقادات اللاذعة من جانب الحكومة، مع دعوات من حلفاء أردوغان لمحاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب.

يتمثل العنصر الحاسم هنا في مدى قدرة أحزاب المعارضة على الوقوف صفاً واحداً ومحاولة اجتذاب الناخبين الذين دعموا حزب “العدالة والتنمية” في السابق. 

اختتم إيسن كلامه قائلاً، “أعتقد أننا سنرى سياسيين معارضين ينجحون في كسب أصوات الناخبين الذين يدعمون حزب العدالة والتنمية في مختلف محافظات ومدن الأناضول الرئيسية. بدأ هذا في الحدوث بالفعل. لكن على أحزاب المعارضة توحيد جهودها وتوجيهها نحو انتقاد نموذج حزب العدالة والتنمية الاقتصادي الذي يبدو جلياً أنه لم ينجح”.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com  ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.