fbpx

حكايات لبنانيي الهجرة الثانية…
بحثاً عن وطن في المنافي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقول بلال إن خمسة من أصدقائه غادروا لبنان بشكل نهائي أيضاً، “بات الأصدقاء الخمسة في خمسة بلدان مختلفة”، في عبارة تشير إلى فداحة حالة التشتت التي يعيشها شعب بأكمله.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعيش بلال، كما كثر من أبناء جيله، تجربة التهجير من لبنان للمرة الثانية. لقد عاد الرجل الخمسيني، عام 2010 مع عائلته إلى بلده ليستقرّ فيه بشكل نهائي، بعدما غادره شاباً عام 1985، خلال الحرب الأهلية (1975- 1990)، للدراسة في فرنسا. عند العودة اشترى منزلاً في بيروت، سجّل أطفاله في المدرسة وبدأ بناء حياة جديدة ومنزلاً في قريته الجنوبية، غير مدرك الرعب الذي ينتظره وعائلته في أحداث لا تقلّ ضراوة عما شهده خلال الحرب. بعد أكثر من ثلاثة عقود على هجرته الأولى، يجد بلال نفسه مجبراً على توضيب حقائبه والهجرة مجدداً، لكن من دون أن يفكر في العودة هذه المرة.

وبلال واحد من آلاف اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم يحثون السبل للخروج من لبنان والبحث عن سبل للنجاة بعد الانهيار الذي لا يبدو أن هناك قعراً له في البلاد جراء استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية.

بين كانون الثاني/ يناير ومنتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بلغ عدد اللبنانيين الذين غادروا لبنان ولم يعودوا 77 ألفاً و777 بحسب “الدولية للمعلومات”. هذه الأرقام لا تشمل اولئك الذين غادروا لبنان في زوارق انطلقت بشكل غير شرعي من سواحله، وحملت إلى اللبنانيين سوريين وفلسطينيين، نجح بعضهم في العبور إلى “برّ الأمان”، فيما أعادت السلطات اللبنانية العشرات ممن تعطّلت مراكبهم في وسط البحر، واحتجزت البحرية التركية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي حوالى 60 لبنانياً هربوا إليها عبر البحر.

مراكز الأمن العام تكتظ، منذ نهاية عام 2019 باللبنانيين الذين يتقدمون بطلبات الحصول على جواز سفر، أو تجديده، وقد بلغ عدد الطلبات المقدمة يومياً 8000 مع نهاية عام 2021، وفق تصريح للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

خسرت بلدي…

“خسرت بلدي، أشعر بأن لا بلد لي لأرجع إليه”، يقول بلال لـ”درج”. ويتابع: “غادرنا بحثاً عن الأمن والأمان. بعد الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020 قررت أن أغادر وألا أعود. أذكر الرعب الذي أصاب عائلتي. ابنتي ما زالت ترتعب عند سماع صوت قوي”.

يقول بلال إن خمسة من أصدقائه غادروا لبنان بشكل نهائي أيضاً، “بات الأصدقاء الخمسة في خمسة بلدان مختلفة”، في عبارة تشير إلى فداحة حالة التشتت التي يعيشها شعب بأكمله.

ولا تشكّل الهجرة من لبنان خلاصاً نهائياً للمهاجرين. بل تعني، في أحيان كثيرة، بداية جديدة، لكن صعبة ودونها تحديات كثيرة. فأن يبدأ شخص مثل بلال حياة جديدة من الصفر في عمر الخمسين، ليس بالأمر السهل أبداً، حتى وإن كان يحمل الجنسية الفرنسية ويحاول العثور على عمل باختصاصه في فرنسا: “أحد أصدقائي عاد أيضاً إلى كندا وبقي سنة عاطلاً من العمل”، يقول بلال.

لا يحمل بلال همّ البحث عن عمل في المهجر فقط، إنما أيضاً همّ والدته وأخوته ومن بقي من أقربائه في لبنان. لقد تراجع دخله وفي الوقت عينه ازداد شعوره بالمسؤولية تجاه هؤلاء وازدادت حاجتهم إليه بفعل الانهيار، ويحاول قدر الإمكان المساعدة في تأمين الأدوية وإرسال بعض المال الذي يساعدهم على الصمود. يعبّر بلال عن إحساس بالذنب، “ذنب من نجا تجاه من لم ينج”.

إقرأوا أيضاً:

هاجرت من دون وجهها

سرقت الدولة وجه بشرى صعب. سرقته بالمعنى الحرفي للكلمة. في الرابع من آب 2021، استفاقت الشابة الثلاثينية على سرير المستشفى من دون أن تدري ما حدث. لتكتشف لاحقاً أن انفجاراً هزّ العاصمة بيروت وأنها إحدى ضحاياه. أصيبت في رأسها ففقدت وعيها، تحطمت أسنانها وتشوّه وجهها. الندوب في الوجه سترافقها إلى الأبد لتذكرها بمدى إجرام النظام. 

 قبل ذاك اليوم المشؤوم كانت الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي تخطط لمستقبلها ولإكمال رسالة الدكتوراه التي بدأتها عام 2016 في ألمانيا. بعد إجراء عملية في الرأس، وعلى رغم الإصابة التي أضرت بنظرها، تابعت بشرى المعاملات اللازمة لسفرها لتغادر لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

كان الاستعداد للسفر وإنجاز المعاملات اللازمة يشغلان بشرى عن التفكير بما حصل. وعلى رغم نجاتها من الموت، وتحملها جزءاً كبيراً من كلفة الاستشفاء، لم تفكر أستاذة التعليم الثانوي الرسمي في الهجرة النهائية. اليوم بات والدها هو من يطلب إليها أن لا تفكّر بالعودة، ولو لزيارة قصيرة، خصوصاً ان الدولة اللبنانية، ممثلة بوزارة التربية، أظهرت تعاملاً سيئاً وغير مسؤول مع بشرى حين كانت في المستشفى، عبر اعتبارها مستقيلة بسبب تغيّبها، ولم تتراجع عن هذا القرار إلا بعد مراجعات عدة، لكنها اعتبرت أن غيابها بفعل الإصابة غير مبرّر، وأخّر تدرّجها: “كنت أعرف أن الدولة سيئة لكنني لم أتخيل أن تكون بهذا السوء، سُرقت سنون من عمري، قيدت حريتي وطموحي وتم الاستهتار بحياتي، لكن التعاطي مع إصابتي شكل صدمة”. 

إعادة تعريف العلاقة مع بيروت

حاولت بشرى أن تتجنّب سماع أخبار لبنان، قررت العمل لإعادة بناء نفسها والتعافي وإكمال أطروحتها واستعادة التركيز الذي تأثر بفعل إصابتها بالرأس. لكن مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للانفجار قررت أن تطلق العنان لمشاعرها، “وأدركت أن القطيعة مع لبنان غير ممكنة”.

منذ ذلك الحين صار هاجس بشرى إعادة تعريف علاقتها بلبنان كشخص باق في الخارج، لكنه يبقى على تواصل مع الداخل. “كيف تكون علاقتي بالداخل فاعلة ومؤثرة وبناءة، هذا ما أفكر فيه. في ألمانيا صرت على مسافة من الأحداث، تمكّنني من ألا أساق عاطفياً وراء ما يحصل”. 

في المأساة لا يهم سوى الهرب

الجيل الأصغر من المغتربين يعيش معاناته هو أيضاً، خصوصاً من اتجه نحو تركيا نظراً لسهولة الهجرة إليها مقارنة مع بقية الدول (لا يحتاج اللبنانيون إلى تأشيرة دخول إلى تركيا). غادرت نور حطيط لبنان في أيلول/ سبتمبر 2020 إلى إسطنبول، “لأن لبنان لم يعد مكاناً آمناً بعد انهيار العملة الوطنية وانفجار الفساد بوجهنا، والمأساة التي لحقت ببيروت وجميع المناطق اللبنانية. والمخيف حقاً أننا لا نعلم ماذا سيحصل بعد”، وفق الشابة العشرينية.

تعتبر نور نفسها ناجية من الانفجار و”من الارتياب وقتل الأحلام. أنا ناجية مرتين ومنفية. ناجية من الموت، وناجية من الحياة داخل لبنان الميّت، ومنفية منه تماماً. أصدقائي وأنا عانينا من الاغتراب في بلادنا، ولا نزال نعاني”. وتضيف “اخترت إسطنبول فقط لأنها الأسهل. في المأساة لا قدرة للفرد على التخطيط. في المأساة نهرب، إلى الأسوأ أو الأفضل لا يهم. فقط نهرب”.

تمكنت نور من إيجاد عمل في الصحافة والتسويق. وهي تدرس اليوم اللغة التركية سعياً للاندماج في المجتمع وفي الحياة الأكاديمية. وبعد أكثر من عام على الرحيل بدأت بالاندماج ومحاولة كسب أصدقاء جدد، بينما لم يبق لها في الوطن سوى عائلتها. لم تعد تتابع أخباره، استبدلتها بأخبار البلد الذي تقيم فيه. تتابع الأخبار التركية الداخلية وتتجنب متابعة السياسة الخارجية وإبداء الرأي فيها، لإدراكها أن ذلك قد يضر بمصالحها كمغتربة لا تحمل الجنسية التركية. 

يرافق نور قلق دائم من احتمال ترحيلها مع زوجها. فهما يمتلكان “إقامة سياحية” خصصتها تركيا للعمال الأجانب لتسهيل وجودهم فيها بشكل قانوني. 

وإذ يتعاطى بعض المقيمين مع المغتربين على أنهم ناجين لا تحق لهم الشكوى، تعرب نور عن تفهمها هذه النظرة، وتشدد على أهمية التضامن في هذا الوقت العصيب بين “الداخل والشتات”. وتؤكد أن الكثير من المغتربين يعيشون حالة صعبة جداً ويدفعون ثمن ما ارتكبته في حقهم الدولة الفاسدة.

متروكون للقدر

نور متروكة للقدر ولا دولة تسأل عنها في غربتها. تقارن بين طريقة تعامل القنصلية اللبنانية في إسطنبول معها عندما أرادت تجديد جواز السفر وكيف اختلف تعاملها عندما بدأ الاستعداد للانتخابات النيابية التي يفترض أن تُجرى في أيار/ مايو 2022. في مسألة تجديد جواز السفر لم تحصل على رد عند الاتصال بالقنصلية كي تعرف إذا كان قد أنجز، وعلى رغم أنها دفعت مبلغاً إضافياً للحصول عليه أسرع عبر خدمة التوصيل السريع، إلا أنها كانت تضطر للذهاب بنفسها إلى القنصلية. في المقابل، عندما اقترب موعد الانتخابات وبات على المغتربين التسجيل للتصويت في الخارج فاجأتها القنصلية بردها السريع خلال 24 ساعة، وبإرسال المعاملات اللازمة، “كانوا يجيبون بسرعة على أي استجواب أو سؤال يتعلق بالانتخابات، أما في ما خص المواضيع الأخرى فيتعاملون معنا بلا مبالاة ويتأخرون في الرد”.  

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!