fbpx

“أريد العودة إلى الديار”… العاملات الأجنبيات في لبنان ضحايا الفقر والعنصرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هضم حقوق العاملات الأجنبيات لا يقتصر على قضم رواتبهن أو حرمانهن منها فقط، بل إنه يمتدّ إلى ممارسات تتقاطع إلى حدّ كبير مع العبودية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كل ما أريده هو العودة إلى منزلي وأولادي… حتى وإن لم يكن لدينا سوى الخبز والماء…”، تقول العاملة الكينية كاثرين من أمام مقرّ القنصلية الكينية في بيروت. 

كاثرين (40 سنة) هي أم عزباء لطفلين، تركت بلدها كينيا منذ عام، وقصدت لبنان بهدف تعليم أبنائها وعلاج والدها المُسن. إلا أنها لم تحصل على راتبها منذ 9 أشهر. 

تروي كاثرين لـ”درج” كيف استغلتها صاحبة العمل وأجبرتها على العمل في 3 منازل مختلفة، من دون أجر. تقول ذلك بينما تنظر إلى صورة أرسلها لها أحدهم من بلدها. في الصورة يظهر والدها نائماً على سريرٍ في المستشفى وهو يضع “الأوكسجين” ويبدو هزيلاً. تحدّق بالصورة وتقول بحزنٍ بالغ، “لو حصلتُ على راتبي كان بإمكان أبي البقاء على قيد الحياة… لقد مات لأنني لم أستطع إرسال تكاليف علاجه”. 

تنتقل كاثرين إلى صورةٍ أخرى، فيها طفلان أكبرهما يبلغ 16 سنة، أُجبرا على ترك عامهما الدراسي، بعدما عجزت والدتهما عن سداد رسوم المدرسة، كما أنهما يبيتان في الشارع، إذ تخلّفت كاثرين عن دفع إيجار منزلهما منذ أشهر. 

لم تتواصل كاثرين مع طفليها منذ أيام، لكن حرقتها لرؤيتهما تظهر في عينيها بوضوح. “لا أريد مستحقاتي المالية، كل ما أريده هو العودة ورؤية أطفالي”، تقول كاثرين ثم تُضيف، “كانت صاحبة العمل توبّخني دائماً وتقول إنني مزاجية لأنني كنت أرفض الأكل أحياناً، كيف لي أن آكل وأنا أعلم أن أطفالي جياع في الشارع؟”.  

تتشاطر كاثرين اليأس مع حوالى 30 عاملة كينية افترشن الأرض تحت مقرّ القنصلية في منطقة بدارو في بيروت، مُطالبات بتسهيل أمورهن لمغادرة البلاد. “نريد العودة إلى الديار”… تتقاطع هذه العبارة في قصص كل العاملات المأساوية هناك، كما أنهن جميعاً يرفضن تقديم أي شكوى بحق أصحاب المنازل أو المؤسسات التي عملن فيها، أو دخول المسلك القضائي، إذ ينتهي ذلك بترحيلهن غالباً. 

في هذا السياق، تقول المحامية في قسم الاتجار بالبشر في منظمة “كفى” موهانا إسحاق، إن “العاملات لا يثقن بالنظام القضائي ويعلمن أن لا حماية جدية لهن في لبنان”، عدا أن طول أمد المحاكمات يسلب العاملة الرغبة بالتوجه إلى القضاء، بل يدفعها للتنازل عن مستحقاتها المالية في معظم الأحيان، وهو ما حصل مع كاثرين.   

لم يعد البقاء في لبنان المنكوب خياراً بالنسبة إلى العاملات الأجنبيات، بل هن مضطرات إلى ذلك لتحصيل مستحقاتهن، فمشهد افتراشهن الأرض أمام مقار القنصليات بات شائعاً في لبنان، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي علّقت رواتب أغلبهن إلى أجلٍ غير مسمّى أو أفقدتها قيمتها الشرائية، إذ يعمد البعض إلى سداد مستحقاتهن بالليرة اللبنانية، ووفق سعر الصرف الذي يناسبه. كل ذلك يأتي في ظلّ غياب لقوانين عمل تحميهن في حالات الطوارئ وتحرّرهن من قيود نظام الكفالة اللبناني. وسط كلّ تلك الضغوط، ومع ضيق سبل الحلول المتوفرة في البلاد، بات الحلّ الوحيد المتاح أمامهن هو الخروج فوراً من لبنان، وهذا ما صرخت لأجله العاملات. 

على الصعيد الحكومي، بادر وزير العمل مصطفى بيرم إلى التواصل مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي وعد باتخاذ الإجراء المناسب. لكن المفارقة هي محاصرة عناصر من قوى الأمن العاملات، والاستقواء عليهن وإجبارهن على فتح الطريق بالقوة، من دون أي بوادر لأفق أزمتهن، علماً أن “كفى” تُتابع القضية، إذ أكدّت إسحاق أن المنظمة تسعى إلى إعادة العاملات إلى بلدانهن بأسرع وقت بالتعاون مع “منظمة الهجرة العالمية”. مُشيرةً إلى أنهم أمنوا مأوى للعاملات، “لكنهن فضّلن البقاء في الشارع كوسيلة ضغط لتسريع إجراءات السفر”. 

إقرأوا أيضاً:

المعتدي حرّ والناقد يُستدعى إلى التحقيق!

هضم حقوق العاملات الأجنبيات لا يقتصر على قضم رواتبهن أو حرمانهن منها فقط، بل إنه يمتدّ إلى ممارسات تتقاطع إلى حدّ كبير مع العبودية. إذ يضمن نظام الكفالة الحق لصاحب العمل أو “الوكيل” بحجز أوراق العاملة الثبوتية وجواز سفرها، كما يحرمها من يوم إجازة أسبوعي ولا يحدد لها ساعات عمل يومية، هذا عدا العنف النفسي والجسدي الذي يُمارس على عاملات. كل ذلك يهدّد سلامتهن النفسية والجسدية، حتى يصل الأمر إلى الانتحار في بعض الحالات. إذ تُوفيت 36 عاملة إثيوبية عام 2019 في ظروفٍ غامضةٍ، وفق القنصلية الإثيوبية. 

آخر مظاهر الممارسات العنصرية والعنيفة، كان حادثة موثّقة في فيديو لاعتداء رجلٍ على عاملة منزلية وسحلها في الشارع في بلدة جورة البلوط، جبل لبنان. المعتدي أُوقف لساعاتٍ قليلة بناءً لإشارة القضاء المختص. إلا أن القوى الأمنية سرعان ما أخلت سبيله المُعتدي بموجب سند إقامة. وذلك بعدما وقعت العاملة على إفادة قالت فيها إن “مخدومها كان يحسن معاملتها”، كما أدلت بأنها تتعرّض لعنفٍ جسدي ولم تتقاضَ راتبها منذ 5 أشهر. 

وفق المحامية موهانا إسحاق، فإن “واقعة العنف والإيذاء التي تؤدي إلى تعطيل أقل من 15 يوماً، تتطلب إدعاء شخصي كي يتحرّك الحق العام، وفق قانون العقوبات”. وفي حالة العاملة المعتدى عليها، لم ترغب الأخيرة بالتوجه إلى المسلك القضائي، بل كان مطلبها الوحيد هو السفر، تماماً كما تنازلت أخريات عن حقّهن مقابل العودة إلى بلدهن.     

على جانبٍ آخر، خرج مختار بلدة جورة البلوط عصام أبو جودة، مبرّراً الاعتداء ومستنكراً تشويه صورة البلدة، إذ قال إن “العاملة حاولت الفرار وتمّ القبض عليها”، وهي التهمة التي تُستخدم في كثير من الأحيان لرمي اللوم على العاملة. هذا عدا تُهمة السرقة، إذ وثّقت “كفى” شكاوى فرار واتهامات سرقة كيدية بحق عاملات غادرن أماكن عملهنّ، في ظل غياب آليات واضحة لفسخ عقود العمل. إذ يلجأ صاحب العمل إلى إلصاق تهمة السرقة بحق العاملة التي غادرت منزله كي يتمكّن من التبليغ عن مغادرتها رسمياً.

المفارقة أن السلطات اللبنانية أظهرت نموذجاً صارخاً لغياب العدالة، لا سيما في قضايا العاملات. ففي حين أُخلي سبيل المعتدي بعد التحقيق معه، استدعى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي الناشط ضومط القزي دريبي بتهمة “قدح وذمّ”، بناءً على شكوى مختار البلدة عصام أبو جودة، وذلك بعدما نشر تغريدة على صفحته الشخصية على “تويتر” ينتقد فيها تضامن الأخير مع المعتدي. 

يقول ضومط لـ”درج” إنه “لم يفاجئ بما حصل، إذ ليس غريباً على هذا النظام استدعائي بينما يفلت المعتدي من العقاب”، ويؤكّد أنه لم يوقّع على أي تعهد ولم يحذف تغريداته التي تناولت الحادثة، على رغم الضغط الذي مورس عليه أثناء التحقيق.   

يُنتظر الآن أن تقوم وزارة العمل بفتح تحقيق بالاعتداء، وفق ما قاله الوزير مصطفى بيرم في آخر تصريحٍ له حول الحادثة، إلا أن لا أمل بإنصاف العاملة أو محاسبة المعتدي، لا سيما أن السلطات اللبنانية تواصل التقاعس عن حماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يرزحن تحت نظام كفالة يسهّل استغلالهن في العمل القسري، ويكرّس ذهنية أن العاملة “ملكيّة موكّلها”. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.