fbpx

يوم أفسدنا سهرة وزير الطاقة… “إنساي” صحن الحمّص معاليك

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بيروت في تلك الليلة كانت غارقةً بالعتمة وانقطاع الإرسال الهاتفي، كانت تبدو جزيرة منفية، فكيف قد يستغرب البعض تحرّكنا ضد خروج المسؤولين الى الأماكن العامة، بحجة أننا أفسدنا سهرتهم؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحوّل احتفالنا بعيد ميلاد صديقنا قبل أيام في منزله إلى فرصة لاسترجاع حماسة أيام التظاهرات التي شاركنا فيها ونظّمناها وكانت أساساً في توطيد صداقتنا. لبسنا معاطفنا في هذا البرد، وركبنا سياراتنا متوجّهين إلى الحمراء، حيث كان وزير الطاقة الحالي وليد فيّاض يمضي ليلته، بعدما وصلتنا صورة له من قلب مطعمٍ في شارع المكحول. وليد فياض أحد المقرّبين من وزير الطاقة السابق جبران باسيل، ومتّهم بقضية سوء استخدام منصبه وتسريب معلومات سرّية لشركة منافسة لشركة استشارات أميركية عمل فيها وادعت عليه لاحقاً. فياض لم يقدّم حتى الآن أي خططٍ لانتشال البلاد من انقطاع شبه كاملٍ للكهرباء وأزمة المحروقات وتغذية محطات الإرسال والانترنت بالفيول المطلوب. 

ملاحقة الوزراء والنوّاب والمسؤولين السياسيين واستهدافهم في الأماكن العامّة وبخاصّة المطاعم وأماكن السهر في كل المناطق اللبنانية هي خطوة تصعيدية اتخذها النشطاء إثر التظاهرات والانهيار الاقتصادي الحاد الذي شهده لبنان. وبعدما أصرّت الطبقة السياسية على التمسّك بمقاعدها وعدم الاستجابة للمطالب الشعبيّة بالاستقالة والتغيير والإصلاح واسترجاع الأموال المنهوبة، صارت ملاحقتهم خطوة أساسية لإشعارهم بأنهم مهددون حيثما كانوا وغير مرغوب بهم في أماكننا ولتذكيرهم بأن الشعب يعاني بينما يستمتعون بأموالنا في المطاعم الفاخرة. 

 وصلنا إلى المكان المقصود ودخلنا المطعم على وقع موسيقى “إنساي” الصاخبة لنجد الوزير ومن معه يتناولون عشاءهم، فيما فياض يتمايل فرحاً، وقد بان عليه أنّه شرب ما شرب حتّى تناسى موقعه والفوضى العارمة في البلاد. دخلنا على الوزير الثمل وبدأنا بمواجهته كما اعتدنا أن نفعل، فصرخت: “بيروت صرلها اكتر من سنة بلا كهربا، وحضرة الوزير قاعد عم يتعشّى ويتسلّى”. حتّى تلك اللحظة، لم يواجهنا حرس الوزير العظيم، ولا مرافقوه من درك وقوى أمن، بل أتت الصدمة لأن صاحب المطعم المتضرر من الوضع مثلنا- على ما ينبغي- كان أوّل من اندفع لإخراجنا من المطعم، خوفاً على الزبائن أصحاب الشأن العالي. اندفع معه عدد من مساعديه ممن يعملون في المطعم وصار الاصطدام بيننا وبينهم، أما الوزير فأكمل صحن الحمّص والسهرة، غير مبالٍ بما حصل. احتدم التدافع وعلت الأصوات بيننا وبين أصحاب المطعم والعمال وبعض المواطنين الخائفين على وجوههم من كاميرا الهاتف، وهي السلاح الوحيد الذي نملكه، والذي بات يخيف هؤلاء الذين يسهرون ويرقصون على عتمة بيروت ولبنان. بالأصوات العالية والشتائم والضرب وشد الشعر والتهديد بالمحاكم والنيابة العامة والأصدقاء المسلّحين تمكن صاحب المطعم والطاولة المجاورة ومن يجلس عليها من صحافيين وموظفي مؤسسات خارجية من إخراجنا إلى الشارع من دون أن نتمكّن من مقاطعة عشاء الوزير. 

ما كنت لأشعر ورفاقي بالخذلان لو تعاركنا أو ضُربنا من الوزير أو حرسه، بل كانت المواجهة محصورة بالمواطنين الذين يفترض أنهم يعيشون الظروف ذاتها من التقنين الكهربائي القاسي إلى تعطّل شبكة الإنترنت والهاتف بسبب عدم تأمين مادة الفيول للمحطّات. اتهمنا هؤلاء بالتبعية للجمعيات غير الحكومية المسمّات بالـNGO’S  وبقبض دولارات مقابل هذا التحرّك، في حين أننا في الحقيقة مجموعة من 7 رفاقٍ، معظمنا طلّاب في الجامعة الأميركية في بيروت، نعرف الحمراء جيّداً ونعتبرها بيتنا، أما الآخرون فهم طلاب أيضاً في جامعات أخرى سارعوا لدعمنا فور سماعهم بالحادثة. 

سبق أن تعرّض أحد الرفاق للوزير في مطعم آخر في الحمراء، فتجاهله الوزير برفع كأسه وشربه علامةً على تحويل المشهد إلى ضحكٍ واستهزاء من تصرّفاتنا “المراهقة”. وفي هذه المرّة، دعانا لتناول العشاء معه وغرف من صحن الحمص قبل أن ينفعل ويصرخ في وجهنا منزعجاً. وفي المرتين لم يبالِ، بل ضحك واستهزأ ورقص وعبّر بكل السبل عن عدم اكتراثه بوجعنا مع أنه ومن يمثّل، بعض أسبابه. 

بيروت في تلك الليلة كانت غارقةً بالعتمة وانقطاع الإرسال الهاتفي، كانت تبدو جزيرة منفية، فكيف قد يستغرب البعض تحرّكنا ضد خروج المسؤولين الى الأماكن العامة، بحجة أننا أفسدنا سهرتهم؟ 

هذا ما نجحت السلطة في فعله تحديداً، أن تضع المواطنين في مواجهة بعضهم بعضاً، ريثما يكمل أصحاب الشأن والسلطة عشاءهم، وريثما يتمون صفقاتهم وخططهم على حسابنا. 

فور انتشار الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسم الرأي العام بين مؤيد وجد فينا “فشة خلق” ومخلّصاً، ومعارض حمّلنا مسؤولية الخراب والفوضى. أمّا نحن، فإذا تكرر المشهد الآن أو غداً أو في أي يوم آخر، فسنعيد فعلتنا، بلا أي شعور بالذنب. 

إقرأوا أيضاً: