fbpx

ماذا لو كان وليد جنبلاط أو جميل السيد مكان عبدالله الساعي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كل ما فعله الرجل، الذي حاز تضامن آلاف اللبنانيين العاجزين عن تحصيل أموالهم المنهوبة من المصارف، و”فشّ خلق” كل من أذلّتهم الطبقة السياسية والمنظومة المصرفية في جنى أعمارهم ومدّخراتهم، أنه لجأ إلى شيء من القوة، وشيء من مخالفة القانون في بلاد الظلم والفوضى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لنتخيل الأمر على هذا النحو: وليد جنبلاط، السياسي اللبناني النافذ، أمير الحرب السابق، وزعيم “الحزب التقدمي الإشتراكي”، يدخل إلى أحد المصارف مع مجموعة مسلّحة، بيده مسدس، ويطلق النار في الهواء. 

“الجميع على الأرض”، يأمر الموظفين والزبائن، ثم يلمّ مسلّحوه مبلغ 500 مليون (نصف مليار) دولار في أكياس بحوزتهم، ويخرجون. هل يمكن أن يحدث ذلك؟ هل يضطر وليد جنبلاط أصلاً إلى فعل ذلك، لأخذ هذا المبلغ الكبير من المصرف بعد حجزه أموال المودعين؟ بالطبع لا، قام جنبلاط بـ”تهريب” هذا المبلغ، وربما غيره، في عزّ إجراءات المصارف المتشددة على عمليات السحب والتحويل، بحسب اعتراف بلال عبدالله، أحد نواب كتلته، مباشرة على الهواء في برنامج حواري. 

هل اضطر جنبلاط للجوء إلى القوة لفعل ذلك؟ 

على الغالب، استطاع جنبلاط، كما غيره من السياسيين والمصرفيين النافذين، فعل ذلك باتصال هاتفي ومن دون أي عنف يذكر، عبر استخدام رصيد القوة والسلطة والنفوذ الذي في حوزتهم. 

حدث أمر مشابه ربما مع النائب جميل السيد، مدير عام الأمن العام السابق، الذي كشفت العقوبات الأميركية التي وضعت عليه، بأنه قام بتهريب مبلغ 120 مليون دولار خلال الأعوام الماضية، أثناء الأزمة، إلى الخارج. لم يضطر السيد طبعاً إلى احتجاز رهائن ولا إلى التهديد بإحراق نفسه مع الموظفين والزبائن بمادة البنزين لنيل “حقه”. في المبالغ الكبيرة، لا بل الهائلة، يحدث الأمر من دون ضجيج، لولا وقوع “أخطاء” صغيرة تكشف العملية بعد حدوثها: تصريح النائب عبدالله في حالة جنبلاط، والعقوبات الأميركية في حالة السيد. 

ليس لدى عبدالله الساعي هذا النفوذ، ولا هذه المبالغ الهائلة والمشبوهة في حسابه المصرفي. لا يملك مسدّساً حتى، فيما ينتشر السلاح المتفلّت في كل مكان في لبنان. وعلى الغالب، حاول الرجل، كما فعل ويفعل معظم المودعين اللبنانيين، أن يحصل على أمواله بالسبل “القانونية”. وقف ذليلاً لمرات عدة في الطوابير أمام أبواب المصارف للاستفادة من تعاميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليسحب نسباً ضئيلة جداً من حسابه على سعر صرف يقتطع من قيمتها نسباً مئوية تتجاوز الستين في المئة، فيخسر بذلّ ما بعده ذلّ، جنى عمره، ويضطر إلى أن “يتسوّل” فتاته من موظفي المصارف الذين ينفذون سياسات السرقة الوقحة التي تفرضها إداراتهم، فيما يضبط رياض سلامة في مطار فرنسي وبحوزته مبلغ تسعين ألف يورو “كاش”، هي بمثابة “مصروف جيب”، ولا يستدعي هذا الأمر أي تحرّك من أي مرجعية قضائية لبنانية. 

حتى عندما يتحرك القضاء في حالة سلامة، كما حدث مع قرارات أصدرتها القاضية غادة عون، يقوم النظام، بمختلف أركانه، السياسية والقضائية والأمنية والمالية، بتغطية الحاكم وحمايته. 

كل ما فعله عبدالله الساعي، هو الدخول إلى المصرف، إلى الفرع الذي وضع فيه أمواله، ومعه كمية صغيرة من البنزين، والكثير من الغضب “المنظّم”. كان طلبه واضحاً: يريد ماله. ماله فقط ولا شيء غير ماله. 

لم يطلب فلساً واحداً أكثر من قيمة ما لديه في المصرف: خمسون ألف دولار فقط. أقل من نصف “مصروف الجيب” الذي ضبط في حقيبة رياض سلامة. أقل من 0.05 في المئة من قيمة المبلغ الذي كشفت العقوبات الأميركية أن جميل السيد هرّبه إلى الخارج. 0.01 في المئة من قيمة المبلغ الذي هرّبه جنبلاط “لكي يساعد، في سنتين، أهلَه وبيئته ومجتمعه ومستشفياته ومدارسه”، على حدّ اعتراف نائبه بلال عبدالله، نحو 0.001 من قيمة أموال السياسيين اللبنانيين المهربة إلى سويسرا والتي قدّرها تقرير نشره موقع Globalwatchanalysis الفرنسي، المختص بتتبع الشؤون الأمنية ومحاربة الإرهاب والتطرف والفساد، في منتصف عام 2020 بأربعة مليارات دولار. 

كل ما فعله الرجل، الذي حاز تضامن آلاف اللبنانيين العاجزين عن تحصيل أموالهم المنهوبة من المصارف، و”فشّ خلق” كل من أذلّتهم الطبقة السياسية والمنظومة المصرفية في جنى أعمارهم ومدّخراتهم، أنه لجأ إلى شيء من القوة، وشيء من مخالفة القانون في بلاد الظلم والفوضى، ليستعيد حقه بعد “مطالبات متكررة لتسليمه وديعته أو جزءاً منها لمواجهة ظروف قاهرة” بحسب بيان لرابطة المودعين. 

في غابة يعرف القاصي والداني أنها محكومة من مجموعة من الذئاب، “نازلين في الناس همّ”، على ما تقول أغنية قديمة للثنائي الشيخ إمام عيسى وأحمد فؤاد نجم، ارتكب عبدالله الساعي جرماً صغيراً ليحصّل حقه. ثم سلّم نفسه للقوى الأمنية. لم يرد الهرب. ولا التنصّل من العقاب والمحاسبة على “الجرم” الذي ارتكبه. بل حاول، عبر “جريمته” المربكة لمفهوم العدالة بأسره، أن يقلب الأدوار ويكشف عن أنياب المنظومة التي تتنطح لتطبيق القانون وتحديد المفاهيم، عندما “يرتكب” مواطن صغير جرماً لتحصيل حقه، فيصير فعله، بحسب بيان لجمعية المصارف تعليقاً على الحادثة، “تهديداً لحياة الموظفين”، و”نيلاً من كراماتهم فيما هم يقومون بواجباتهم لتأمين لقمة العيش في ظروف باتت صعبة على كل اللبنانيين”. وتصير ذئاب المصارف حملاناً “تعمل بحسب القوانين المالية المحلية والعالمية”، على حدّ زعمها المضحك جداً. ولا يجب ان يغيب عن بالنا ونحن نقرأ بيان جمعية المصارف دور رئيسها سليم صفير أحد رموز منظومة المصارف المتكافلة والمتضامنة والمتواطئة مع السلطة السياسية على إفقار اللبنانيين، عبر الاستفادة من الهندسات المالية المفصّلة على قياسهم لمراكمة الثروات، ويعملون على تحميل المودعين الصغار جميع خسائر الأزمة المالية التي تسببوا بها، بعد ان انقذوا المودعين الكبار المحظيين عبر سحب أموالهم وتهريبها إلى الخارج. سليم صفير قال في تصريحات سابقة لدى اندلاع الأزمة إن “الظرف الحالي ليس وقت المحاسبة”. ثم حمّل في تصريحات وقحة بعد اعادة انتخابه في العام الماضي رئيساً لجمعية المصارف، كل الأزمة للدولة اللبنانية، مصوّراً المصارف، بعد كل ما فعلته، كضحية لسياسات الدولة. أما حينما يقوم مواطن بأخذ حقه من مصرف سليم صفير الذي يحتجز أمواله، فتصير المحاسبة ملحّة.

في خضمّ كل هذه المهزلة، يقوم القضاء، حامي الهيكل، بإصدار قرار بضبط مبلغ الخمسين ألف دولار التي استحصل عليها عبدالله الساعي، “لكونه ناتجاً عن جرم”، فيما لم يصدر أي قرار قضائي أو حتى مساءلة قضائية لأي صاحب مصرف أو سياسي هرّب ملايين الدولارات إلى الخارج.

ولم تحقق المنظومة القضائية في اعترافات علنية ومعطيات محلية ودولية بتهريب هذه الأموال، لأن من قاموا بتهريبها من النافذين، لم يدخلوا إلى فروع المصارف على طريقة عبدالله اليائسة، مع قليل من البنزين والكثير من الغضب القابل للاشتعال.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.