fbpx

رحيل المخرج السوري بسام الملا:
معارضون وموالون داخل “باب الحارة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استفز المخرج السوري برحيله أسوأ ما في الموالين وأسوأ ما في المعارضين، عند الطرف الأول، حساسية الدفاع عن التغيير الاجتماعي مع إهمال السياسي، وعند الطرف الثاني، حساسية الدفاع عن التغيير السياسي، مع إهمال الاجتماعي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جدد موت المخرج السوري بسام الملا، قبل أيام، الجدل حول مسلسل “باب الحارة” الذي أخرج الملا أجزاءه المتعددة والتي حازت ضجة وشهرة واسعة خلال العقد الأخير، بوصفه مسلسلاً يتناول بيئة “شامية”. 

قسم من الذين خاضوا الجدل أخذ على الراحل، احتفاءه عبر المسلسل بقيم رجعية وتقاليد قديمة، وقسم آخر، وجد فيه “حارساً” للقيم والهوية، وحريص على تقديم وجه إيجابي لدمشق. الطرف الأول، تشكل بمعظمه من مؤيدي النظام، فيما انتمى الثاني لمعارضيه، ليتبدى الانقسام موالاة تكره نتاج الملا، ومعارضة تشيد به وتدافع عنه.

وكراهية الموالين أو جزء منهم لا سيما أبناء الأقليات، للملا، قد تستبطن كراهية لدمشق، كمدينة قليلة الاستعداد لإدماج الوافدين إليها، فضلاً عن أن الموالين يربطون أيضاً بين “باب الحارة” والتطرف، حيث شكل العمل الدرامي الشهير حاملاً لقيم وأفكار وأساليب حياة، تتقاطع، في ظنهم، مع تأويلات التنظيمات الإسلامية الراديكالية. غير أن هذا النقد للملا، يتجاهل، المستوى السياسي، لباب الحارة، والذي يتقاطع مع النظام الذي يؤيده الموالون مع بعض النقد المتعلق بأمور معيشية.

المرأة، التي وجد نقاد الملا فيها نموذجاً للخضوع للسلطة الذكورية، هي ذاتها التي تستبسل للدفاع عن الحارة ضد الجيش الفرنسي، ضمن سردية المقاومة والممانعة الفضفاضة، ضد الأجنبي، وعملائه” في الداخل. هذه السردية تمتد من رواية مواجهة الاستعمار التضخيمية، مروراً بدعم “حزب الله” رغم كل ارتكاباته، وصولاً إلى محاربة “العصابات المسلحة” التي تهدد النظام. الملا، قدّم خدمات كثيرة في هذا السياق، حيث منح دعاية البعث، بعداً درامياً، يتسع لجعل كل خصوم النظام، في الداخل والخارج معادلاً، لمن يعادي الحارة ويحيك ضدها “المؤامرات”.

 ما يعني أن، “التقاليد المتخلفة” التي ينتقدها الموالون في عمل بسام الملا تتضمن جزءاً أساسياً من سردية النظام الذي يؤيدونه. 

هذه المفارقة تمتد لتشمل الطرف الآخر أيضاً أي المعارضين، الذين يجدون في تقاليد “باب الحارة” قيماً يجب الدفاع عنها والتمسك بها، إذ إن هذه القيم، تصب أيضاً في سردية النظام، لا سيما الذكورة والعسكرة و”الكرامة” والانكفاء على الذات، وكلها تشكل أدوات الممانعة في تعريف نفسها وتحديد علاقتها مع العالم. قيم مطلقة، تجمع بين، كراهية الآخر، وصعوبة القياس والتحقق. الكثير من الحوارات الحماسية التي ترد في المسلسل ضد المستعمر يمكن أن نسمعها في خطابات رموز الممانعة، وشعاراتها المكرورة، حتى شخصية “العكيد”، ليست سوى معادل، للزعيم الممانع، الذي يعرف مصلحة رعيته ويهتم بها، من دون أن تملك هذه الرعية أي حق في الاختيار أو الاعتراض.

وعليه فإن المخرج السوري استفز برحيله أسوأ ما في الموالين وأسوأ ما في المعارضين، عند الطرف الأول، حساسية الدفاع عن التغيير الاجتماعي مع إهمال السياسي، وعند الطرف الثاني، حساسية الدفاع عن التغيير السياسي، مع إهمال الاجتماعي.

“باب الحارة” بدا استجابة لهذه الحساسيات الناقصة، التي تحتاج إلى تطوير، بحيث يتم ربط التغيير الاجتماعي بتغيير السياسي، والعكس كذلك، عند المعارضين.

في المسلسل الذي يكتظ، بالشخصيات الذكورية المؤمنة بقيم البطولة و”الكرامة”، وتلك النسوية الخاضعة لسلطة الأزواج، تسقط سهواً شخصيتا أبو بدر وزوجته فوزية، الأول، والذي أراده صناع العمل شخصية كاريكاتورية مدعاة للسخرية، يخاف المعارك التي تحصل ضد الحارات الأخرى والمستعمر، ويختار الاختباء والتخفي على المشاركة في العنف، فضلاً عن كونه على نقيض بقية ذكور الحارة، خاضعاً لزوجته ويأتمر بأوامرها. والزوجة بدورها (فوزية) تقلب موازين القوى المتحكمة بالمسلسل، ولو في بيتها فقط، فتفرض سلطة، حصرها باب الحارة بالرجال.

هاتان الشخصيان اللتان شكلتا منفذاً ضيقاً لإنقاذ المسلسل من ممانعته، قد يكونان حاجة، للمؤيدين والمعارضين، بحيث يساهم أبو بدر بإبعاد المؤيدين، عن الممانعة، وتحرير الحيّز الاجتماعي من إهمال البعد السياسي، فيما تساهم فوزية، بتقريب المعارضين إلى أهمية الاجتماعي وربطه بالتغيير السياسي.  

إقرأوا أيضاً: