fbpx

سعد الحريري والعزوف السياسي المتأخر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان في سعد الحريري كل ما يشي بأنه أضعف من تبعات السلطة مذ آل إليه إرث أبيه السياسي، وأيضاً كان فيه ما وشى بعد ذلك بأنه مثابر على طلبها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أعلن تعليق عملي في الحياة السياسية، وأدعو عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها”.

لحظة تعليق سعد الحريري عمله في السياسة، تُسقِط ذاتياً من حياة اللبنانيين، ودون الحاجة لصناديق الاقتراع، مساراً سلطوياً لركن من أركان السلطة لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن. وحدها اللحظة الوجدانية في  خاتمة إعلان العزوف كانت اللحظة الأكثر صدقاً في الخطاب، وهي مدينة لاستحضار موت رفيق الحريري اغتيالاً، كسعفة لدموع لا يفك استعصاءها إلا اغتيال الحريرية السياسية بشخص مؤسسها، وهذه اغلب الظن تضع المشاهد مكرهاً خارج السياسة.

لكن سعد الحريري في عزوفه الراهن  لم يعلن قطعاً مع السياسة، لنكون والحال أمام عزوف موقت وفق خطابه، وهو ما يجعل من محاكمة سيرته السياسية وانعكاسها على المستقبل، أمراً أكثر من ضروري.

كان في سعد الحريري كل ما يشي بأنه أضعف من تبعات السلطة مذ آل إليه إرث أبيه السياسي، وأيضاً كان فيه ما وشى بعد ذلك بأنه مثابر على طلبها. والركون إلى الأسباب التي ساقها في تبرير عزوفه الراهن، تستقيم مع النزعتين المذكورتين وقد كان حاضراً في تكريسها كمسلمات رديئة طبعت الحياة السياسية في لبنان خلال فترة زعامته الطائفة السنية.

من النفوذ الإيراني، إلى التخبط الدولي، فالانقسام الوطني والطائفي، ثم اهتراء الدولة، أسباب سردها الحريري كتبرير لعزوفه السياسي. والنظر إلى هذه المآلات سيفضي إلى مكابرة يتنكبها سعد الحريري وهو يمارس نوعاً من التعمية على دور كبير له فيها، وهو عموماً اجترار لخطاب متهافت يشترك به مع من هم على شاكلته في السلطة، ومن دون استثناء. وهؤلاء ما أكثر خروجهم علينا يومياً بسرديات عن  ملائكة السياسة، وعن شياطينها.

 قد تتفاوت مساهمة سعد الحريري في تلك المآلات، نعم، لكنها في المحصلة نتيجة لتسويات كان الرجل حاضراً دائماً في متنها.

قد لا يكون سعد الحريري طائفياً جامحاً كجبران باسيل مثلاً، لكن الجموح الطائفي للأخير ارتكز بالضرورة على التسوية الرئاسية التي كان الحريري ركنها الأضعف، ولم يكن يقيم وداً لنفوذ “حزب الله” ومن ورائه النفوذ الإيراني، لكنه كطالب سلطة وجد نفسه مكرهاً على الأرجح في أسر هذا النفوذ المتعاظم، وإن بصمت فرضته غالباً شروط السياسة.

 نحن أمام عزوف سياسي متأخر كثيراً، ولن يكون سعد الحريري وهو يخاطب اللبنانيين بمنأى عن محاكمتهم إياه يومياً بما تيسر من أساليب إدانته كأحد أركان الدولة المهترئة. وإذا كانت الهزيمة النفسية المعلنة، والمقنعة في حالة الحريري، تدفع المرء غالباً إلى الزهد، فإنها عنده لم تكن كذلك، وأقله أن “العازف” رهن عودته إلى الحياة السياسية بتلاشي الأسباب التي أنتجت تعليقها.

  “مشروع رفيق الحريري هو منع الحرب الأهلية، وحياة أفضل للبنانيين”.

كان على سعد الحريري وهو يعلن هزيمة نفسية مقنعة أن يتكئ من جديد على إرث  رفيق الحريري ليخفف من وقعها، وقد فعلها. وفي اعتقاده أيضاً أن الحريرية السياسية لا تزال قادرة على تعويمه مستقبلاً، وربما تغريه مشاهد مناصريه الذين خرجوا إلى شوارع الطريق الجديدة، أو احتشدوا أمام “بيت الوسط” في لحظة بدت على الأرجح محاكاة مصغرة للحظة عاشها المصريون بعد “نكسة” حزيران/ يونيو 1967، وهؤلاء”الحريريون” كانوا أغلب الظن تعبيراً عن هزيمة نفسية جمعية صنعها الرجل الذي خرجوا من أجله.

  والحال، فقد كانت الحريرية السياسية في شطرها الأبوي مساراً سلطوياً اختلف فيه اللبنانيون بين حسناته ومساوئه، وانتهت على شكل “تراجيديا” أعقبت ذلك الوداع الشهير للبنان وشعبه الطيب من رجل تلك المأساة الدموية، والتي خففت بالمناسبة عن صاحبها مشقة النقد. لكنها في شطرها الراهن، وفي لحظة عزوف سعد الحريري، وتياره، عن الانتخابات النيابية المقبلة، تتشكل كملهاة يصنعها رجل لم يعد قادراً على أن يعد مناصريه بـ900 ألف وظيفة.

إقرأوا أيضاً: