fbpx

الخلل حتماً ليس في الثوب الداخلي:
“أصحاب ولا أعز” الذي خدش حياء الرجولة العربية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حالة الهستيريا العامة التي رافقت الفيلم تقول إن رجولة الرجل العربي اهتزت: فالمرأة في الفيلم ندٌ للرجل، تشرب النبيذ مثله، تتفوه بألفاظ نابية (للأسف!) مثله، تخون مثله، ذات وجهين، مثله أيضاً، ويمكنها أن تقرر رميه وراء ظهرها وتذهب. المرأة هنا موجودة. المرأة هنا تواجه. المرأة التي في ذهن الذكوري لا تفعل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

محمد طاهر، شاب مصري، يتابعه حوالى مليوني شخص على “فايسبوك” وحده. يقدّم نقداً ساخراً للأفلام والمسلسلات. في يومين، حصد الفيديو الذي عرضه عن فيلم “أصحاب ولا أعز” عشرة ملايين مشاهدة. في عشر دقائق، وبينما يسرد الأحداث على طريقته، أعاد طاهر لقطة منى زكي وثوبها الداخلي أربع مرات. علّق ساخراً على ثياب المراهقة “العريانة”. توقف ملياً عند تبادل القبل بين الرجال والنساء. كرر مشهد وضع جورج خباز ذراعه حول عنق منى زكي مرتين. ولم يفته بالطبع أن يهزأ بالأب الذي يحاور ابنته التي تستشيره في قرارها ممارسة الحب مع صديقها. الابنة التي بحسب طاهر “تشرّف والدها في لبنان كله”. ولم يذكر دور الرجل المثلي في الفيلم مرة، إلا وسماه “سيد الرجالة”، أو الدرّاجة، وحين قالت دياموند أبو عبود لفؤاد يومين أنه أكثر الموجودين رجولة، علّق طاهر: “من عاشر القوم… وهو عاشر (الرجال) بالكوم”.

شاهد الشاب الفيلم لا بعين ناقد فني، أو رقيب أخلاقي حتى، بل بعين المتلصص على نساء الآخرين، ورجالهم الذين بلا أدنى رجولة تذكر. شاهده بشبق من لا يستطيع تفويت لمسة، أو قبلة، بين رجل وامرأة. كأنه يشاهد فيلماً إباحياً، لكنه، مع ذلك يريد أن ينفي استمتاعه بمشاهدته. سخر الشاب من الفيلم برمته كي يبعد شرّه، كي يعلن براءته من التشبه بهؤلاء، مع أن أحداً لم يتهمه بأنه سيكون يوماً والد المراهقة في الفيلم، أو شقيقها ربما، أو زوج امرأة ترتكب ما ارتكبته منى زكي. والتبرؤ قد يكون بالسخرية، كما في حالة طاهر، العصري، أو بالنواح الدرامي دفاعاً عن “قيم الأسرة” و”قيم المجتمع”، وما إلى هنالك من تعابير جوفاء، كما في حالة مصطفى بكري، التقليدي. وكلاهما نفاق، لم يقتصر على الأول والثاني بطبيعة الحال.

في الحالين، فإن حالة الهستيريا العامة التي رافقت الفيلم تقول إن رجولة الرجل العربي اهتزت: فالمرأة في الفيلم ندٌ للرجل، تشرب النبيذ مثله، تتفوه بألفاظ نابية (للأسف!) مثله، تخون مثله، ذات وجهين، مثله أيضاً، ويمكنها أن تقرر رميه وراء ظهرها وتذهب. المرأة هنا موجودة. المرأة هنا تواجه. المرأة التي في ذهن الذكوري لا تفعل. 

الابنة المراهقة هنا تناقش والدها في ممارسة الجنس مع صديقها لأول مرة، الابنة في ذهن الرجل الرجل لا تجرؤ حتى على تخيل الجنس. لا تعرف ماهيته بحضور الأب أو الأخ. ولذهول الذكر المكبوت الذي يعيش في رأسه وخيبته، فالأصدقاء، رجالاً ونساءً، يتبادلون هنا العناق والقبل حين يلتقون من دون أن تكون هذه العادة مقدمة لحفل جنس جماعي.

والصديق، أو الشقيق أو الابن، أو الرجل الرجل نفسه، من المستحيل أن يكون مثلياً، وإن وقعت مثل هذه الواقعة، فسيُحمّل بالألقاب المتنمرة التي يلجأ إليها غريزياً المصابون بالهوموفوبيا، والشاب في أول النص كان الأكثر تهذيباً على الأرجح بين جيوش المتنمرين على وسائل التواصل، يحميهم أنهم مجهولون. لكنه اختزلهم جميعاً.

فقدت الرجولة براءتها إذاً. خدش حياءها وذكورتها فيلم “فرانشايز”. شطيرة الهامبرغر التي تُصنّع بدقة متناهية في مقر “ماكدونالدز” الرئيسي في أميركا، هي نفسها تقريباً التي يلتهمها مئات ملايين البشر كل يوم. المكونات والشكل وحتى الرائحة والورقة التي تلف بها. تعديلات بسيطة قد تطاولها لتتلاءم مع ثقافات ومعتقدات شعوب بعينها. لكنك، في كل مرة ستدخل مطعم “ماكدونالدز” فأنت تعرف ما الذي ينتظرك. 

إقرأوا أيضاً:

الدراما يمكنها أن تكون كذلك أيضاً، إذا سُحبت منها عناصرها الأساسية. إذا كانت متخيلة تماماً ومفصولة عن أي سياق. تصير مسلسلاً آخر من تلك المسلسلات التي يدمنها العرب، مصرية أو لبنانية أو سورية. “أصحاب ولا أعز” يمكنه أن يقع في هذه الخانة، مجرد خيال أوروبي مدبلج إلى العاميتين المصرية واللبنانية، لا صلة له بالواقع. ليس لأن البلدين خاليان من المثلية أو الخيانة، أو لأن المراهقين عندنا لا يمارسون الجنس، وليس لأن الواقع “أسوأ بكثير” من الفيلم، كما ردد المدافعون عنه، عارضين أمثالاً حول ذلك، مثل الرجل الذي ابتز شقيقته بصور عارية أو جرائم الاغتصاب الجماعي والبيدوفيليا وغيرها. الفيلم مفصول عن نوع ثانٍ من الواقع العربي غير الموجود في بلاد المنشأ. المثليون ما زالوا بعرف قوانين عربية كثيرة مجرمين. وبعرف القوانين نفسها، ما زالت لجرائم قتل النساء أسبابها التخفيفية المنصوصة في كتب. لائحة الحقوق القانونية البدهية التي ما زالت المرأة العربية تطالب بها تكاد لا تنتهي، ناهيك بالأعراف الاجتماعية المتوارثة التي تجثم كالصخور على صدرها. الطريق أمامها طويلة جداً قبل أن تصير نداً حقيقياً ليس لعجزها، بل بسبب ظلم القوانين والمجتمع. بدهيات، مثل مقارنة يوم عادي لامرأة، لبنانية أو مصرية، بيوم رجل. بدهيات، مثل مقارنة حياة امرأة عربية بحياة رجل عربي، أو مقارنة تاريخ بتاريخ، وحاضر بحاضر.

 بدهيات لم يكن مطلوباً من الفيلم أن يجيب عنها، ولم يتطرق إلى طبقة رقيقة منها، ساوى فيها على مائدة طعام بين رجال ونساء، واخترع نهاية شبه سعيدة حين قال إن شيئاً لم يحدث، ولو أن النهاية تركت للرجولة “الحقيقية” لتكتبها، لانتهى الفيلم بمجزرة. 

لكن مجزرة افتراضية وقعت مع ذلك، وزلزلت الأرض تحت أقدام الذكورة المطمئنة لأن امرأة خلعت ثوبها الداخلي. 

الخلل حتماً ليس في الثوب الداخلي. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!