fbpx

سوريا: مستقبل سلاح وحدات حماية الشعب الكرديّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الصعب التنبؤ بمستقبل سلاح وحدات حماية الشعب، وإمكان بقاء هذا السلاح محمولاً على الأكتاف إلى أجل غير مسمّى، ذلك أن ظاهرة الكردي السوري المسلّح في بلاد يفتقد أكرادها إلى تقاليد عسكرية أصيلة ومتوارثة من جيلٍ مقاتل إلى آخر

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قد يكون من الصعب التنبّؤ بمستقبل سلاح وحدات حماية الشعب، وإمكان بقاء هذا السلاح محمولاً على الأكتاف إلى أجل غير مسمّى، ذلك أن ظاهرة الكردي السوري المسلّح في بلاد يفتقد أكرادها إلى تقاليد عسكرية أصيلة ومتوارثة من جيلٍ مقاتل إلى آخر، تثير الكثير من الأسئلة، ليس أوّلها مستقبل هذا السلاح ومصيره.

مع استحضار المقارنات من خلال القياس بين المجتمع الكردي السوري ونظرائه في كردستان العراق وأكراد إيران، وإلى درجة بعيدة ما بات شبه حالة دائمة في تركيا مع “حزب العمّال الكردستاني”، سيتّضح أن السلاح الكردي طارئ ودخيل وأنه وجد في لحظات تفكّك الدولة وانتشار العسكرة التي ولّدت الاستقطاب الطائفي والإثني، اللذين كان لهما الدور الأبرز في إيجاد وتوطين السلاح الكردي المتمثّل بوحدات حماية الشعب وتوسعته الأميركية، قوّات سوريا الديموقراطية (قسد).

عام 2004 ومع أحداث آذار/ مارس الدامية (الانتفاضة الكردية)، قرّر النظام توجيه رسالة عبر وسيلته الأثيرة، أي استعمال العنف المفرط مع الأعداء المحتملين (الأكراد) الذين كان من المحتمل أن يتحوّلوا إلى ظهير حيويّ لواشنطن التي تحدّث رئيسها جورج دبليو بوش عن أن الإطاحة بنظام صدام حسين هو سقوط أوّل أحجار “الدومينو”، في إشارة إلى إمكان التوسّع في إسقاط الأنظمة المشابهة في المنطقة، الأمر الذي حفّز النظام إلى شنّ حملة تأديب استباقيّة طاولت الأكراد بانتماءاتهم السياسية المختلفة. بُعيد تلك الأحداث، فكّر “حزب العمال الكردستاني” في إنشاء ذراع عسكريّة كردية سورية خالصة تكون مهمّتها الرد على عنف النظام وفق ما قاله أحد أعمدة العمّال الكردستاني وقادته، مراد قره يلان، في حديث مطوّل أُجري معه في وقت لاحق من عام 2005، والذي وضع بين دفتي كتاب حمل عنوان “آفاق كونفدراليّة”.

قد تكون المعلومات شحيحة عن الفترة التي قرّر فيها “العمّال الكردستاني” نثر بذور وحدات حماية الشعب في سوريا، إلّا أن الواضح كان أن الكردستاني تلقّى مقداراً كبيراً من العنف والأذى على يد نظام دمشق الحليف الاستراتيجي لأنقرة حتى مطلع الثورة السورية 2011، ما دفع العمّال إلى تصنيف دمشق ضمن خانة الأعداء بعد أعوام طويلة من التنسيق والوئام، لذا كان التفكير جدّياً في تشكيل وحدات كردية حمائية تكون مهمّتها الرد على عنف النظام بعنف مماثل على أقل تقدير، ولعل كلام قره يلان حينها لم يكن خبط عشواء بقدر ما كان يضمر إستراتيجية بعيدة المدى للتعامل مع دمشق. وإذا كانت أنقرة حينها مثّلت الشيطان الأكبر وفق صيغة العداء التاريخي بين أنقرة وقنديل (مقر قيادة حزب العمّال في كردستان العراق)، فإن دمشق باتت والحال هذه شيطان قنديل الأصغر.

لم تكن الوحدات الكردية مقطوعة النسب في المجتمع الكردي السوري عند ظهورها على سفح الأحداث، فالوحدات بقيت متّصلة بمؤسّسات “حزب الاتحاد الديموقراطي” الذي تأسّس عام 2003 وفق رؤية كونفدرالية للعمّال الكردستاني، منحت توكيلات للممثلين المحليين في سوريا والعراق وإيران لبدء أنشطتهم السياسية وحتى العسكرية، بعيداً من التدخّل المركزي الصارم الذي ميّز عمل الكردستاني، كما اتّكأت الوحدات في خط سيرها وصعودها على المؤسّسات القديمة للكردستاني في سورية، كمؤسّسة أسر الشهداء التي شكّلت أبرز الروافد التنظيمية والتعبوية للوحدات، فالمؤسّسة كانت تجمّعاً كبيراً لأسر مئات الشهداء الأكراد السوريين الذي قضوا في المواجهات مع الحكومات التركية، يضاف إلى ذلك أن “الاتحاد الديموقراطي” كان يحمل تحت ذراعه مشروعه المتفرّد لإدارة المنطقة (الإدارة الذاتية الديمقراطية) المستوحى من كتابات أوجلان، وكذا وجود إعلام مركزي قادر على الترويج والتعبئة والتحشيد الشعبي، لذا كان من السهل بدء مشروع الإدارة التي استفادت من وجود فراغ طوعي أقدمت عليه دمشق في المناطق الكردية ومناطق وجود الأكراد، والعنصر الأهم في مثل هكذا مشروع كان سلاح الوحدات والمنظّمات والمؤسّسات الرديفة من قبيل، الأساييش (الشرطة المدنيّة) والفصائل الجوهرية (مدنيون مهمّتهم حماية الأحياء)، وجوانن شورش كر (الشبيبة الثورية).

“سيبقى مستقبل السلاح الكردي أسير التفاهمات الدولية، والإقليمية، أما قصّة نزعه فستكون متأرجحة بين حرب منتظرة، أو صفقة تجيز للأكراد حمل السلاح”

شكّلت معارك رأس العين/ سرى كانيه 2012، الممرّ الواسع للوحدات لتصبح القوّة الكردية الوحيدة التي تمثّل الأكراد، فقد كان لسوء تعامل الكتائب المسلّحة التي اجتاحت المدينة مع المدنيين وتحديداً المواطنين الأكراد، دوره الحاسم، فضلاً عن إعلان الكتائب رغبتها في بسط السيطرة على معظم مناطق الجزيرة السورية، الأمر الذي دفع الأكراد إلى التحلّق حول وحداتهم التي شكّلت صورةً من صور الإنقاذ في ظل أعمال العنف والسرقات والتخريب التي قامت بها كتائب المعارضة. وبذا حظيت الوحدات بأشكال الدعم الكردي السوري وحتى الكردستاني كلها، إذ لم تدّخر إربيل والسليمانية جهداً لأجل نجاح حماية الوحدات في عملها المتمثّل بحماية المنطقة الكردية مع استشعار الخطر من إمكان وصول كتائب المعارضة إلى الحدود التي تفصل سوريا عن إقليم كردستان العراق، وما قد يشكّله من خطورة على أمن الإقليم وحدوده.

وإذا كانت معركة رأس العين/ سرى كانيه قد شكّلت مدخل الوحدات للولوج إلى عوالم الأكراد السوريين والكردستانيين، فقد منحت المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية صكوكاً كردية وكردستانية جديدة للوحدات، ولعل معركة كوباني ومقاومتها أفضت إلى تعميد الوحدات طرفاً رئيسياً إن لم يكن أوحد لدى واشنطن التي عثرت، في ظل لا جدوى التعامل مع الفصائل الإسلامية، على حليف يمتاز بالموثوقية وبمركزية القرار، ما دعا واشنطن إلى تنمية قدرات الوحدات التي أحيلت في وقت لاحق لتصبح عقل “قوات سوريا الديموقراطية” وعضلتها النامية.

تخفّفت الوحدات بموجب العقد المبرم مع واشنطن من الكثير من الأحمال الإيديولوجية، لتحلّ البراغماتية محل الأيديولوجيا، غير أن لضبابية الإستراتيجية الأميركية في سورية الدور المهم في تعزيز شكوك الوحدات المتمثّلة بإمكان تخلّي واشنطن عن دورها في سورية، على رغم من أن واشنطن قد أفصحت أن بقاء قواتها لن يكون مرتبطاً بمسألة الإجهاز على تنظيم الدولة فحسب، بل سيستمر إلى أن تتم التسوية النهائية مع دمشق، إلّا أن خطوة التفاوض مع دمشق التي خطتها وحدات الحماية باسم الإدارة الذاتية، تشي بما يراد قوله لجهة الخشية من تهرّب أميركي محتمل من التزامات الشراكة في ظل الاضطراب غير المحمود لسياسات أميركا في سوريا.

تبدو مسألة مستقبل سلاح الوحدات عصيّة على التقدير والتنبّؤ، فإذا كانت البيشمرغه بكردستان العراق قد تحوّلت بموجب الدستور والقانون العراقيين إلى جزء من منظومة العراق الدفاعية، فإن الوضع مختلف في سوريا في حال بقي نظام الأسد على حاله، ذلك أن هذا النظام المجرّب لن يقبل بأي سلاح فرعي حتى وإن لم يشكّل أدنى خطر على سلامة حكمه، في إزاء ذلك تعرف الوحدات معنى التخلّي عن السلاح لمصلحة نظام قد يضمر الكثير من النيّات السيئة للأكراد، وقد يعيد الكرّة ليجعل من الأكراد المادة اللاصقة لعلاقته مع الحكومة التركية التي بدأت رحلة التخلّي عن كل شيء في سوريا عدا سلاح الأكراد.

في مجمل الأحوال، سيبقى مستقبل السلاح الكردي أسير التفاهمات الدولية، والإقليمية، أما قصّة نزعه فستكون متأرجحة بين حرب منتظرة، أو صفقة تجيز للأكراد حمل السلاح، بعدما اقتنعوا أن لا سحر يضاهي حمل السلاح في بلاد تعجّ بالعنف والقسوة، وأن لا أسباب موجبة تدعو إلى التخلّي عن السلاح مهما دار الحديث عن تفاهم بين الوحدات والنظام السوري.