fbpx

عن نجيب ساويرس وامبراطورية النفايات:
دعم عاملي النظافة أم تشغيلهم بالسخرة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعلم نجيب ساويرس ومؤسسة عائلته في منشأة ناصر أنهم ما كانوا ليضعوا أيديهم داخل القمامة إلا ليستخرجوا منها ذهباً بلا رقابة ولا ضرائب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يجد الملياردير المصري نجيب ساويرس حرجاً في ضرب المثل بأعماله الخيرية وإحساسه بالفقراء، بخاصة حين يكون الواقع عكس ذلك تماماً، فقد صرح في حفل توزيع جوائزه على عدد من المثقفين المصريين أنه يشعر بالفقراء بعدما اعتادت والدته اصطحابه وشقيقيه إلى “حي الزبالين”، ويقصد هنا العاملين في جمع النفايات وفرزها في منطقة منشأة ناصر في القاهرة، حيث تقع جمعية “حماية البيئة من التلوث”.

هذا التصريح أثار غضب الروائي يوسف زيدان الذي انزعج من الخلفية الطبقية لتصريح ساويرس بحيث ورد ذكر عمال النظافة في سياق يحضر فيه كتّاب مصر ومثقفوها، وكأنهم يشملهم الدعم المادي من مؤسسة ساويرس مثلما يشمل عاملي النظافة.

لم ينتظر أعضاء “كتائب” ساويرس كي يهاجم البعض داعمهم، بل سارعوا خلال دقائق إلى نشر بوستات الدعم والتغني بأمجاد الملياردير المصري، حتى إن أحد أهم مثقفي مصر وهو الكاتب عادل أسعد ميري، قال إنه لا يقوى على الاستيعاب أو التصديق، وكأنه فقد عقله، لأنه حصد أخيراً جائزة ساويرس!

ما يثير  فضولي في كل ما قيل في دعم نجيب ساويرس هو الدور البطولي الذي يؤديه، ولا يجد من يشكك فيه، مهما خرجت وثائق مسربة تشير لتورط رجل الأعمال في صفقات تهرب ضريبي من أموال المصريين “الفقراء” وهي الوثائق التي حققت فيها الزميلة هلا نهاد نصر الدين بموقع درج.

ينسى الكثيرون أو يتناسوا التاريخ الأسود لعائلة ساويرس مع التهرب الضريبي  بالمليارات منذ عام 2013 واستغلال النفوذ السياسي والمالي للحصول على أراضٍ ومناطق سكنية وإجبار أهلها على الرحيل، لتشييد أبراجه العالية، ما رأيته بعيني في جمعية “حماية البيئة من التلوث” في “حي الزبالين” بمنشأة ناصر لا يُنسى، ويشير إلى أن هذه العائلة التي تتغنى بدعم الفقراء وعمال النظافة لا ترعى سوى مصالحها وثروتها على حساب الأكثر فقراً.

قبل عيد العمال العام الماضي كان صيت جمعية “حماية البيئة من التلوث” ذائعاً، و قررت زيارة الجمعية لتصوير تقرير حول نماذج نسائية ناجحة، بخاصة إذا كن يصنعن من القمامة والمخلفات أعمالاً يدوية وفنية تبهر الأعين.

أثناء التنسيق مع المسؤولين في الجمعية اتفقنا على أن تأتي سيارة لاصطحابي إلى المقر، فدخول المكان بمفردي مناسبة للتيه، ووقت ضائع وسط تلال من القمامة، أتت سيارة حمراء فخمة من ماركة “كيا سبورتاج” ثمنها لا يقل عن نصف مليون جنيه مصري، كنت أظن في البداية أنها تابعة لشركات تأجير السيارات، وسألت السائق “ليه عربية زي دي تشتغل بالأجرة، مش خايف عليها؟” فرد بانزعاج أن هذه السيارة تابعة لمؤسسة ساويرس.

كان مشهد السيارة الفخمة وهي تمضي وسط تلال القمامة تكثيفاً للتناقض الصارخ بين عالمين، عالم باذخ الثراء وعالم غارق في فقر صادم، وكانت أعين الأهالي معلقة على السيارة وعلى من يركب داخلها، والأطفال يفسحون الطريق للسيارة بانبهار وهم حفاة بملابس متسخة.

 تعجبت من عدم تهيئة الشوارع لا لسير البشر ولا السيارات، والمنازل غائرة تحت الأرض تطوقها تلال القمامة والخنازير، لا يظهر على الأهالي تبدل الحال بخاصة أن مهنة جمع النفايات مربحة نسبياً، ما بال أنهم يعملون مع الملياردير الذي يتحول التراب في يده إلى ذهب.

بدأت رحلة استكشاف المكان ورؤية النساء المنهمكات في العمل منذ الثامنة صباحاً حتى الثالثة والنصف عصراً، رأيت نساء يعملن في ظروف صعبة منحنيات على النول يصنعن من الخيوط والحبال المستخرجة من القمامة قطعاً فنية عظيمة تغطي نصف حائط في فيلل الأثرياء، تباع منتجات الأنوال بالدولار وأقل منتج سعره يعادل بالمصري 7000 جنيه، تنتج الواحدة منهن على الأقل 3 قطع على النول، ويتخطى سعر منتجات كل سيدة 2000 دولار في الشهر، غرفة صناعة الحليّ والانتيكات المصنعة من علب البيبسي ومخلفات المطاعم والكافيهات تعمل فيها نساء مسنات بنظارات سميكة مقعرة.

إقرأوا أيضاً:

  كانت النساء العاملات ينظرن إلي “بقرف”، وهن يتخيلن أنني مصورة تابعة لمؤسسة ساويرس، جئت لتلميع صورة الجمعية، أوضحت لهن أنني مصورة مستقلة فارتاحت ملامحهن جزئياً، إحداهن بكت من التعب لأنها تعمل في اليوم الأول من دورتها الشهرية.

 كنت أظن أن هناك عائداً مادياً مغرياً يسمح للسيدات بتحمل ظروف عمل غير إنسانية، بخاصة أن المشرفة تتفاخر بعرض المنتجات في معارض خارج مصر وتباع بالدولار والأجانب مهووسون بهذه المنتجات، سألت المشرفة عن رواتب النساء في ظل كل هذه الأرباح، تغيرت ملامحها كأن السؤال باغتها، وردت بثقة مفتعلة:

“إحنا ملتزمين بإعطاء العاملات الحد الأدنى للأجور الذي تفرضه الدولة”.

 كانت صدمتي مضاعفة ولم استطع تخيل ما يحدث حولي سوى أنه عمل بالسخرة، نساء مجبرات على تحمل هذه الظروف الصعبة مقابل ما يعادل 100 دولار شهرياً، لأن أزواجهن لا يسمحون لهن بالعمل خارج “حي الزبالين”.

 تضم جمعية “حماية البيئة من التراث” مصنعاً لتحويل فرز القمامة إلى سماد يتم بيعه، كما تضم ورشاً لتعليم الرسم للأطفال، لكن حتى هذه اللوحات تذهب إلى معارض خاصة في الزمالك والمعادي، يروج بها السيد ساويرس لمشروعاته الخيرية كما يزعم.

على الموقع الرسمي للجمعية يتم تصنيفها على أنها “غير هادفة للربح تعمل على دعم ومساندة جامعي القمامة في مدينة القاهرة. وتسعى الجمعية إلى مساعدة تلك الفئة المهمشة في الأخذ بطرق مبتكرة لتحسين بيئتها ورفع مستوى معيشتها في الوقت نفسه”. لكن تصنيف الجمعية على أنها غير هادفة للربح مغالطة واضحة وحيلة أخرى للتهرب الضريبي الذي تحترفه عائلة الملياردير المصري.

تأسست جمعية حماية البيئة من التلوث عام 1984، كانت في البداية تؤدي أدواراً توعيوية لمناهضة الختان والزواج المبكر، حتى تولتها يسرية لوزا ساويرس والدة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس وزوجة الملياردير أنسي ساويرس، وأسست برفقة زوجها “جمعية ساويرس للتنمية الاجتماعية” وتولت رئاسة مجلس أمناء المؤسسة ورئاسة جمعية “حماية البيئة من التلوث”، ويبدو أنها اكتسبت من زوجها مهارة الاستثمار لكن برداء خدمي مزعوم، فمساندة الفقراء أفضل حيلة لبناء شخصية مؤثرة إعلامياً، ولا نعلم حتى الآن أين الدعم الذي قدمته هي وعائلتها لأهالي منشأة ناصر.

كنت أظن أن هناك عائداً مادياً مغرياً يسمح للسيدات بتحمل ظروف عمل غير إنسانية، بخاصة أن المشرفة تتفاخر بعرض المنتجات في معارض خارج مصر وتباع بالدولار والأجانب مهووسون بهذه المنتجات.

وفقاً لتصنيف “فوربس” لعام 2001، يبلغ صافي ثروة نجيب ساويرس 3.2 مليار دولار أميركي. إنه واحد من أغنى 8 أفراد في أفريقيا وفقاً لقائمة “فوربس” لعام 2021، وثاني أغنى رجل في مصر بعد شقيقه ناصف ساويرس، وهو ثاني أغنى شخص في أفريقيا بثروة صافية تبلغ 8.5 مليار دولار أميركي (2021).

القاهرة مدينة ضخمة يقدر عدد سكانها بنحو 21 مليون نسمة. وعلى رغم هذا العدد الهائل من السكان، يقوم القطاع غير الرسمي من المجتمع وهو قطاع جامعي القمامة بالتعامل مع ما لا يقل عن 40 في المئة من مخلفات المدينة. ومن ثم، صار دور عاملي النظافة لا يقتصر على جمع القمامة بل يمتد إلى إعادة تدوير نحو 85 في المئة منها بحسب بيان رسمي لمحافظة القاهرة.

من الساذج النظر إلى قمامة القاهرة باعتبارها مهملات بلا فائدة استثمارية، فهذه القمامة تدر ملايين الدولارات إذا تم تدويرها إلى أسمدة عضوية وأعمال يدوية. 

يعلم نجيب ساويرس ومؤسسة عائلته في منشأة ناصر أنهم ما كانوا ليضعوا أيديهم داخل القمامة إلا ليستخرجوا منها ذهباً بلا رقابة ولا ضرائب، وبجانب ذلك هناك وجاهة التباهي بمساعدة الفقراء التي تكسبهم صورة متواضعة ورحيمة، هي في واقع الأمر صورة مضللة وغير حقيقية.

إقرأوا أيضاً: