fbpx

ذبحوا طفلتهم لإنها اُغُتصِبت:
تسونامي عنف يفتك بالنسيج السوري 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا إحصائيات رسمية لأعداد ضحايا الجرائم الاجتماعية التي تفتك في النسيج السوري إلّا أن القصص التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس حجم العنف الممارس، والذي لم يعد مجرد حالةً فردية غريبة عن المجتمع بل بات جزءً من الحياة اليومية في سوريا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أقدمت عائلة في مدينة منبج في ريف حلب الشرقي على  قتل طفلتها (5 سنوات) ذبحاً بأداة حادة، بعد تعرضها للاغتصاب، ثم رموها في حاوية للقمامة، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

 قتلت العائلة طفلتها بدم بارد. 

هذه ليست الجريمة الأولى خلال أقل من شهر في سوريا، إلا أنها واحدة من أبشعها وأكثرها وحشية إذ أنها تمثّل جريمتين في الوقت ذاته، الاغتصاب والقتل، وتعكس العقلية السائدة في التعامل مع الفتيات سواء كن طفلات صغيرات أو بالغات.

لا يبدو أن الأمومة والطفولة في أفضل أحوالهما اليوم في المجتمع السوري إذ يزداد العنف عليهما بوصفها أكثر الدوائر ضعفاً ومتنفساً لتفريغ الغضب والظلم الواقع على الأفراد، بينما يبدو الوصول إلى الحماية والأمان أكثر صعوبة ويحتاج إلى دعم الدوائر الاجتماعية الكبيرة وضغطها على الجهات الأمنية.

عيّنة من العنف السوريّ خلال أقل من شهر

بدأت سنة 2022 بطريقة دموية بالنسبة للسوريين، لا إحصائيات رسمية لأعداد ضحايا الجرائم الفردية التي تفتك في النسيج السوري إلّا أن القصص التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس حجم العنف الممارس، والذي لم يعد مجرد حالةً فردية غريبة عن المجتمع بل بات جزءً من الحياة اليومية في سوريا.

افتُتِح العام بجريمة قتل مروعة بحق الشابة آيات الرفاعي والتي أثارت قضيتها الرأي العام السوري، ليتبعها عدد من الجرائم، أغلب ضحاياها من النساء، ومن الملفت أن يكون للأطفال الرضّع نصيبهم الكبير من هذه الجرائم، فخلال 24 ساعة فقط حدثت جريمتي قتل في حماة وريف دمشق، أحدهما رضيع لم يتجاوز عمره الستة شهور، رُمي في خزان للمياه، وحسب ما تمّ تداوله فإن لصاً رماه بعد ضرب والدته، كما عُثر على طفل رضيع يقدّر عمره بحوالي 40 يوماً أمام أحد الأبنية في حي الخضر بمدينة حمص، سبقته طفلة متروكة عمرها 10 أشهر في اللاذقية، وطفل ترك فجراً في حماة والبالغ من العمر 40 يوماً  وطفلة أخرى في مدينة السويداء بالإضافة إلى الرضيعة التي نهشت الجرذان وجهها في مدينة حلب.

يضاف إلى هذه الجرائم استمرار تعرض الفتيات والنساء للاغتصاب بخاصة من قبل أفراد العائلة. حاول مراهق اغتصاب أخته (11 سنة) في دمشق، وحين منعته قام بقتلها وحرق جثتها. 

تكشف بعض الجرائم الرغبة بالعنف لأجل العنف فقط ولفرض السلطة دون وجود أسباب حتى من تلك التي تتعلق بالفكر الذكوري السائد، إذ أطلق أب من السويداء النار على ابنتيه المتزوجتين، لم تبين التحقيقات للآن دوافع الجريمة، إلّا أن عمر الفتاتين الصغير (16 و18 سنة) يعكس جريمة أخرى وهي تزويج قاصرتين. كما أفادت طفلة تبلغ من العمر 13 سنة بأنها ضائعة حتى وصلت إلى مركز الشرطة في ريف دمشق، وهناك قالت إنها هربت من منزل جدتها نتيجة المعاملة السيئة من قبل زوجة والدها المسجون.

لا يبدو أن الأمومة والطفولة في أفضل أحوالهما اليوم في المجتمع السوري إذ يزداد العنف عليهما بوصفها أكثر الدوائر ضعفاً ومتنفساً لتفريغ الغضب والظلم الواقع على الأفراد، بينما يبدو الوصول إلى الحماية والأمان أكثر صعوبة ويحتاج إلى دعم الدوائر الاجتماعية الكبيرة وضغطها على الجهات الأمنية.

 النجاة في سوريا تميل لتكون فردية والعدالة كذلك، فقضية آيات الرفاعي ما كانت لتأخذ هذه الأبعاد لولا انتشارها ومرافقة ضغط الرأي العام لها. 

إقرأوا أيضاً:

وعن أسباب ودوافع هذه الأنواع الصادمة من الجرائم تقول خولة حسن الحديد وهي باحثة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، “السلوك العدواني لدى الإنسان، هو سلوك غريزي قد تم تهذيبه وضبطه عبر تاريخ طويل للبشرية، من خلال التربية الأسرية، والقيم الاجتماعية والأخلاقية، ولا يظهر هذا السلوك إلّا لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وفي المجتمعات التي تمرّ بضغوطات وأحداث صادمة”.

“في مجتمعنا السوري، وناهيك عن البنية الذهنية القائمة على ثقافة العيب والحرام والحلال، والتي تستند إلى أديان وأعراف وعادات وتقاليد، فهي أساساً بنية تُشجع على العنف وتبرره، إذا ما اعتبرنا إقصاء الآخر، والتمييز ضد المرأة، والتمايز بين الانتماءات المختلفة دينياً وعرقياً، كل تلك الأمور أنماط من العنف الذي يُمارسه الناس على بعضهم بعض، دون أي شعور بالذنب”، تقول الحديد.

في مجتمعٍ يحمل هذه البنية الذهنية، وتعرَّضَ لأزمات إنسانية، تعج بالكوارث على مستوى الأفراد والجماعات، ومع غياب آفاق التغيير القريب نحو الأفضل، وانسداد أفق الحياة، وغياب القانون الرادع المحمي بسلطة تستمد قوتها من إجماع الناس، فإن ظهور ردود فعل عنفية تجاه أبسط القضايا سيكون أمراً شائعاً، بخاصة عندما تغيب الرقابة الاجتماعية والقانونية، وبسبب فقدان الناس ثقتهم بالقانون والدولة القائمة أو أي سلطة تحكمهم كأمر واقع. هذا يدفع الناس إما لممارسة عنف على الفئات الأضعف والأكثر هشاشة أو اللجوء إلى أخذ حقوقهم بيدهم.

 للأسف ما يحدث في سوريا، أن العنف يُمارس على الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، وهم الأطفال والنساء، إذ لا يجد غالبية من يمارسون العنف من يفرّغون به عدوانيتهم إلّا النساء والأطفال، لأنهم يضمنون أن عقابهم سيكون أقل في مجتمع تقليدي غير معني ولا يمتلك ثقافة حقوقية تحول دون هذه الارتكابات.

ترى الحديد أن ظروف الحرب، والتهجير، والأوضاع المعيشية البائسة لغالبية الناس، ليست السبب الأساسي وراء انتشار الجريمة وازدياد منسوب العنف، بل أن “هذه الظروف هيأت البيئة المناسبة لانفجار الدوافع العدوانية وتمثلّها بسلوك عنفي، كان نتيجة حتمية لبنية ذهنية موجودة وموروثة منذ قرون، ولكنه سلوك كان مقموعاً ومكبوتاً ولا يجد له تصريفاً خوفاً من العقاب، وانفلت بهذا الشكل عندما أستأمن على نفسه، فأينما حضرت الحروب والكوارث، تسبقها للظهور كل الأمراض الاجتماعية والنفسية التي تتبدى في سلوك الناس”.  

العنف الاقتصادي يطال كلَّ السوريين

يضاف إلى هذه الجرائم مئات عمليات السرقة والخطف والاختفاء، وتبقى هذه الأمثلة جزء صغيراً مما يظهر على السطح، إذ يغصُّ الواقع بحكايات مماثلة لم تمتلك فرصة الظهور حتى.

 وإلى جانب العنف الجسدي يعاني جميع الأفراد من العنف الاقتصادي وتبعاته، ويتمثل العنف الاقتصادي في حرمان المرأة بشكل خاص من الميراث وفرص التوظيف والتعليم والتحصيل الأكاديمي والسيطرة على مرتبها، وزيادة أعباء العمل المجاني عليها كربة منزل، وتواجه المزيد من التحديات التي تتعلق بنقص المواد الغذائية ومواد التنظيف والكهرباء لغسل الثياب أو متابعة مهام التنظيف اليومية، كما يفرض الواقع اليوم على السوريين نوعاً من العنف الاقتصادي المتمثل في صعوبة الحصول على المال وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، والاضطرار إلى التخلي عن كثير من الحاجيات الضرورية أو الذهاب في إجازات، وحرمان الأطفال من الألعاب والثياب اللائقة. 

لا يمكن تجاهل ما يشعر به آلاف السوريين خلال ساعات الانتظار الطويلة على الطوابير، واقفين على أقدامهم بانتظار الغاز أو الأرز أو السكر، إذ ينتابهم الغضب والألم والظلم وهو كذلك نوع من العنف الاقتصادي، يضطرون إلى احتماله خوفاً من فقدان فرصة الحصول على مخصصاتهم، يعاني خلال هذا الانتظار كبار السن بشكل خاص نتيجة الأزمات الصحية التي يعانون منها.

بات العنف الاقتصادي جزء من الحياة الروتينية، كانقطاع الكهرباء لساعات طويلة وحرمان الأفراد من متابعة أعمالهم على أجهزتهم المحمولة أو متابعة برنامج أو مسلسل على أحد القنوات الفضائية إلّا أنه ومع طول العنف الممارس يبدو أن السوريين ما عادوا يدركون حجم العنف الكبير الذي يعيشونه كل يوم، وأجبروا على اعتياده واعتباره جزء طبيعياً من حياتهم وتنفيسه عبر محيطهم الأصغر في العائلة خصوصاً على الشرائح الأضعف وهي غالباً النساء والأطفال.

يغدو الوضع الاقتصادي المتدهور أحد انواع العنف ومسبباً له في الوقت ذاته، وحسب الأمين العام للأمم المتحدة فإن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وحوالي 12.4 مليون شخص أي ما يقرب 60 بالمئة من سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 57 بالمائة منذ عام 2019، كل هذه الظروف القاسية تساهم بشكل أساسي في ارتكاب المزيد من الجرائم والعنف والسرقات.

إقرأوا أيضاً:

ما هي حلول تسونامي العنف في سوريا؟

تبدو الحلول القانونية غير كافية أمام تسونامي العنف الذي تشهده سوريا، إذ يحتاج الواقع إلى حلول جذرية من خلال سنوات طويلة من إعادة بناء اقتصاد البلد وتأهيل الأفراد في المدارس، وعبر ورشات ومنصات مختصة بنشر ثقافة اللاعنف ودعم النساء، في ظل تطوير قانون قادر على حماية الأفراد بشكل فعلي قبل وقوع هذه الجرائم حتى، من خلال قوانين الحماية الأسرية من العنف.

في الجانب القانوني يعتبر المحامي والحقوقي رامي هاني الخير أن القانون السوري من جهة، ساهم في هضم حقوق المرأة عن طريق تجاهل العديد من الجرائم، على سبيل المثال: تجاهل القانون السوري لجريمة الاغتصاب الزوجي وعدم تجريمها، كما ساهمت السلطة التشريعية من جهة أخرى في تعزيز العنف الواقع على المرأة وعدم اقرار القوانين اللازمة مثل قانون حماية القاصرات، كما يجد الخيّر أن نضال المرأة في سورية غير منظم وهناك قلّة من الناشطات المختصّات في مجال حقوق المرأة كالحقوقيات والاختصاصيات ما يجعل الحراك النسوي ضعيفاً وغير فاعل.

العيش تحت ظروف مرعبة من العنف سواء كانت واقعة على الأفراد بشكل مباشر أو سمعوا عنها تؤثر بشكل سلبي على نموهم النفسي وإنتاجيتهم، ما يعني المزيد من الأزمات، لذلك يبدو البحث عن بيئة آمنة اليوم هو إحدى الأولويات الملحّة في سوريا.

إقرأوا أيضاً: