fbpx

قصص الهروب اللبناني إلى “داعش” العراق:
عنف وابتزاز  وتراخٍ أمني!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في السنوات الأخيرة تكررت ظاهرة خروج شبان من طرابلس والشمال والتحاقهم بتنظيمات متطرفة في سوريا والعراق. وطرابلس، أفقر مناطق لبنان، تواجه في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي أزمات مضاعفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ضجت مدينة طرابلس شمال لبنان بخبر مقتل مجموعة شبان في العراق في غارة شنها الجيش العراقي على مواقع لتنظيم “داعش”. وبعد ساعات من البحث والتحري، تأكد الأهالي من مقتل أبنائهم، وهم عمر سيف وبكر سيف ومحمود السيد من وادي النحلة- البداوي، وأنس الجزار من مدينة البداوي.

وكالة الأنباء العراقية، كانت نشرت خبراً مفاده أن خلية الاستهداف المشترك في قيادة العمليات المشتركة، وقيادة القوة الجوية، وجهت ثلاث ضربات دقيقة بطائرات إف- 16 العراقية، في العظيم ضمن قطاع عمليات ديالى، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 9 عناصر من “داعش”.

قصة عمر سيف… الظروف القاهرة وآثار السجن

في أحد الأحياء المهمشة في منطقة وادي النحلة شمال مدينة طرابلس اللبنانية تقطن عائلة سيف والتي تعتبر من أكبر العائلات في هذه الأحياء الفقيرة، والتي تشهد على غياب الدولة إلا في وجهها المظلم، أي وجه الإهمال والعشوائيات والوجه الأعنف أي “القبضة الأمنية”. في هذه المنطقة، كان يعيش عمر سيف (29 سنة) والذي أُعلن عن مقتله مع مجموعة من الشبان الذين انضموا إلى تنظيم “داعش” في العراق.

بأسى وحسرة تستقبلنا أم علاء والدة عمر المعزين، ثم تجلسنا لنستمع منها إلى قصة ولدها الذي راح ضحية “العصابة الحاكمة”، وفق تعبيرها، وتقول إن ابنها اختفى من طرابلس في آخر ليلة من عام 2021 بظروف مجهولة وغير واضحة، “بحثنا عنه عند أصدقائه ورفاقه لكن من دون جدوى”.

رحلة علاء مع التشدد، تشبه سير كثيرين ممن انجرفوا من شبان طرابلس والشمال حيث تتقاطع عوامل الفقر والتهميش والاستثمار السياسي والأمني.

تشير أم علاء الى أن ابنها لم يكمل تعليمه وعمل في مهن بسيطة وسبق أن سجن في رومية. وتقول إنه اعتقل سابقاً بتهمة الإرهاب نحو 5 سنوات وأخلي سبيله عام 2019، وكذلك شقيقه الأصغر. وعاش عاطلاً من العمل، “كان يعمل بشكل متقطع حمالاً مع مجموعة من الأصدقاء، كان ينقل الأثاث وأكياس الرمل ويجر عربات للنسوة في سوق الخضار”.

وتضيف الأم أن ولدها “اعتقل سابقاً بسبب انجراره خلف الثورة السورية وتأثره بما يتعرض له الشعب السوري وقد يكون ما فعله خطأ، لكن لماذا الأجهزة والقضاء الذي اعتقلت مئات الشبان في طرابلس وعكار على هذه الخلفية، لم تقم بالأمر نفسه مع الفريق الآخر والذي حشد عشرات آلاف المقاتلين للدفاع عن حلفائه؟”.

تتذكر الأم ابنها عقب خروجه من السجن كيف، عاش فترة اضطراب نفسي بسبب ما تعرض له في السجن من ظروف صعبة وتعذيب على يد المحققين من أجهزة أمنية مختلفة، “الأجهزة الأمنية لم تتركه، إذ كانت تستدعيه عند أي مشكلة صغيرة تحدث. ابني لا يحق له العمل بسبب الحكم عليه، وكان مجرداً من حقوقه المدنية، ولم يستطع إصدار جواز للسفر بسبب ما يسمى (الإخضاع الأمني) الذي يمنعه من الاستحصال على هكذا أوراق”.

إقرأوا أيضاً:

لا تقف مأساة الأم هنا بل تزداد بكاءً حين تتذكر أن ابنها كان يتحضر للزواج قبيل اختفائه بأيام من فتاة كان يحبها، لكن وفقاً للأم أنه قبل أسابيع، أخبر والدته أن خائف وقلق كثيراً، بعدما تواصل معه أحد أفراد الأجهزة الأمنية وأبلغه أنه مطلوب للتحقيق وسيلقى القبض عليه. 

تؤكد السيدة باكية أنها حاولت تهدئة ولدها وسعت لطمأنته، بخاصة أنه “لم يرتكب أي جرم ولا يفعل شيئاً ولا يتجول خارج منطقة سكننا”.  

وعن الساعات الأخيرة لها مع ابنها والعائلة تقول، إنها كانت ساعات حميمية وعائلية على ضوء الشموع وإضاءات الهواتف ولم تلحظ أي شيء على ابنها، وعند اختفائه بقيت الام مع عائلتها لساعات طويلة تفتش عنه وتنتظره، لكن بلا جدوى. 

وحين أبلغت العائلة الأجهزة الأمنية باختفائه، جاء الجواب أنه هرب مع مجموعة شبان إلى العراق للالتحاق بـ”داعش”، ومن حينها، لم يتواصل معه أمه سوى لمرة واحدة من رقم اجنبي، “سألني عن صحتي وقال إنه بصحة جيدة وإنه في العراق في ظروف خاصة لا يمكنه الإفصاح عنها”.

لكن قبل أيام، تلقت والدته رسالة على هاتفها من الرقم نفسه، فأجابت عليها: “كيفك حبيبي طمني عنك”، فرد عليها مجهول “حبيبك مات ووجدت الهاتف في جيب داعشي مقتول”.  

وبالعودة إلى قصة هروبه تقول أم علاء، “لم يوضح لنا أحد كيف بإمكان ابني وغيره أن يهربوا إلى العراق، وعبر من، فيما هو يعيش رعباً دائماً على حياته ويخاف من رمي نفسه بالخطر”، وتقول أن المعلومة الوحيدة التي حصلت عليها من الأجهزة الأمنية حول مصير ولدها هي أنه هرب عبر الحدود اللبنانية- السورية ومن ثم السورية- العراقية وتم تجنيده في هذا التنظيم الإرهابي، ومنذ ذلك الحين تعيش الأم مآسي متكررة، ولا تصدّق ما حصل. 

قصص أخرى في المأساة الطرابلسية

تروي أم إبراهيم، وهي من سكان مدينة طرابلس وتحديداً منطقة “القبة” المكتظة والتي عايشت حروباً وجولات عنف، أن ابنها ابراهيم والذي لا يتجاوز الـ20 سنة والذي اختفى ثم ظهر في العراق، كان يدرس في أحد المعاهد المهنية في المدينة، وغادر منزله فجر يوم الخميس 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وقبيل مغادرته بليلة كان إبراهيم هادئاً ومتفاعلاً مع الأسرة، شاركهم ليلتهم في الظلام الدامس، نتيجة انقطاع الكهرباء وعدم قدرتهم على تأمين بدائل، تقول الأم: “كان ودوداً جداً وكان يعانقني بشكل متكرر وسألته إن كان يريد شيئاً أو يحتاج إلى شيء لكنه كان ينفي ذلك”.

في الصباح، لم يكن ابراهيم في سريره. حاولت العائلة البحث عنه وسؤال أصدقائه وزملائه عنه، لكنه اختفى تماماً.

“حاولنا الاتصال به، لكن هاتفه كان مغلقاً. اتصلنا بصديقه أسامة عوض والذي كان لا يفارقه، لكنه لم يكن يجيب مع أن هاتفه لم يكن مغلقاً”. لاحقاً، تواصلوا مع ذوي أسامة، وهم جيرانهم في الحي ذاته، وصدموا بخبر اختفائه أيضاً في الوقت نفسه.

ووفقاً للوالدة فإن عائلته وأقاربه تواصلوا مع الأجهزة الأمنية، لكنهم لم يشعروا بأن هناك جدية أو تفاعلاً مع القصة، على رغم أن شكاوى مماثلة وصلت من عائلات أخرى، اختفى أبناؤها، لكن لم تتم متابعة شكاويهم في المرحلة الأولى.

وتروي السيدة الخمسينية أنه وبعد 3 أسابيع تلقت اتصالاً من رقم غريب ليس لبنانياً، تبين أن المتصل هو ابنها، وقال لها وهو يبكي أيضاً، بحسب ما تروي: “أنا في العراق يا أمي، ما زلت حياً، وأحاول العودة إلى لبنان بأي طريقة، أرجوكم ساعدوني، أنا في أحد معسكرات داعش في العراق ولا أعرف أين أنا بالتحديد”.  

حاولت السيدة أن تسأل ابنها عن الأسباب التي قادته للهروب، ليؤكد لها التالي: “اتصل بي أحد الأشخاص على الهاتف وقال أنه من أحد الأجهزة الأمنية، وأخبرني أن اسمي مع صديقي مذكور في التحقيقات في ملفات إرهاب، ونصحني بالفرار بشكل سريع”، حاولت الأم مراراً  سؤاله عما  بعدها ومن سهل له الهروب، لكن الاتصال انقطع ولم تستطع منذ تلك اللحظة التواصل معه.

تؤكد الأم أن ابنها ليس متطرفاً، بل كان شاباً هادئاً، حتى إنه كان لا يتلو كل الصلوات، وفي الفترة الأخيرة كان التزامه الديني عادياً، ولم تكن له علاقة بفكر الجماعات الإسلامية المتطرفة.

إقرأوا أيضاً:

استثمار في الفراغ والقهر

في السنوات الأخيرة تكررت ظاهرة خروج شبان من طرابلس والشمال والتحاقهم بتنظيمات متطرفة في سوريا والعراق. وطرابلس، أفقر مناطق لبنان، تواجه في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي أزمات مضاعفة.

وهذا الواقع يشكل بيئة خصبة للاستثمار السياسي والأمني عبر نافذة الدين.

يرى الشيخ نبيل رحيم، وهو أحد أبرز مشايخ طرابلس المطلعين على ملفات الجماعات الجهادية أن حوالى 40 شاباً (من 15 إلى 25 سنة) اختفوا بشكل تدريجي من المدينة، وبعضهم من المؤكد أنهم وصلوا إلى العراق وتواصلوا مع ذويهم، وهناك مجموعة قتلت وآخرون مقطوعة أخبارهم ولا يعرف أهاليهم عنهم أي شيء، وبرأي رحيم أن هؤلاء الشبان يتلقون الأفكار المتطرفة عبر الإنترنت، ويتم تجنيدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتواصل بينهم يتم عبر بعض الألعاب الشهيرة على الإنترنت وتحديداً PUBGY”.

يعود اعتناق بعض الشبان هذه الأفكار المتطرفة، بحسب رحيم إلى الفهم غير الصحيح للدين، إضافة إلى الفراغ وغياب المرجعيات الدينية عن القيام بدورها في تثقيف الناس حول خطورة هذه الأفكار، ويعتبر رحيم أن الاستبداد السياسي يستفيد من هذه الأفكار لتثبيت سطوته على المجتمع والدول.

يشير الشيخ نبيل رحيم إلى ضرورة التنبه من أن الأزمة الاقتصادية والفقر والبطالة، التي يعاني منها الكثير من شباب طرابلس، هي من أبرز العوامل التي دفعت بعضهم للالتحاق بهذه الجماعات المتطرفة، إضافة إلى الممارسات الأمنية المتكررة وتحقير العدالة عبر سجن المئات، من دون محاكمات وإظهار وجه الدولة القاسي لا وجهها العطوف.

وعن المتابعات الجارية حول الملف، يؤكد رحيم أنه تم عقد اجتماعات بين دار الفتوى ورجال الدين والأجهزة الأمنية للتنسيق حول خلق حلول جذرية لهذا الأمر، لكن رحيم يرى أن هذه الجماعات المتطرفة يتم استغلالها من أطراف سياسية وأمنية إقليمية وداخلية، و”من خلال تجربتنا في لبنان هناك طرف سياسي موجود في المنطقة يسهل مرور هؤلاء إلى العراق لخدمة مشروع محدد”، يقول رحيم، ويستغرب أنه بعد إعلان هزيمة “داعش”، بقي التنظيم يمتلك خلايا نائمة في مناطق عدة من العراق، ويشن هجمات دموية من حين إلى آخر.

أسئلة مشروعة

المحامي والمتخصص بقضايا حقوق الإنسان محمد صبلوح والذي يتابع منذ سنوات ملف “الموقوفين الإسلاميين”، يشير إلى وجود مساع واضحة لاستغلال هؤلاء الفتية وتخويفهم،  تديرها غرف سوداء محلية وإقليمية، عبر تركيب ملفات أمنية وما شابه، واذا لم تكشف القوى الأمنية تفاصيل هذه القضية فإنها وفقاً للحقوقي ستعتبر متواطئة، وبحسب الصبلوح أن لا ميول متطرفة عند هؤلاء الشبان ولا تبدو عليهم علامات التطرف، ولكنهم استدرجوا، والدليل أن من ذهبوا عاودوا الاتصال بذويهم لتأمين عودتهم.

يلفت صبلوح إلى أن الأزمة بين الدولة وطرابلس هي أزمة جوهرية، فالمدينة الحريصة على بقائها عاصمة ثانية للدولة الوطنية وجزء من تركيبة التنوع الثقافي والسياسي، تتعاطى الحكومات المتعاقبة معها بعنف وعسكرة ووثائق اتصال وصلت إلى حد 11 ألف وثيقة.

ويقول صبلوح إن وثائق الاتصال ترتكز على تقرير يقدمه عنصر أمن أو متعاون مع الأجهزة الأمنية أو أي مواطن، الى فرع من فروع الأمن، وفي معظم الأحيان لا تستند إلى دليل، وقد تشتمل على معلومات لغايات شخصية أو ثأرية، وهكذا وثيقة كانت كافية عند الأجهزة الأمنية لاستدعاء الشخص إلى التحقيق وتوقيفه وإحالته إلى المحكمة العسكرية وإنهاء حياته وحياة عائلته وتدمير مستقبله.

يسأل الحقوقي محمد صبلوح عن كيفية هروب هذا العدد من الشباب إلى العراق ودخولهم سوريا عبر معابر شرعية وغير شرعية ومنها إلى مدن سورية، تقع تحت سيطرة النظام السوري وميليشيات إيرانية ومن ثم إلى العراق، من دون أن تنتبه الأجهزة الأمنية التي كانت تلاحق عشرات الشبان في المدينة على  أساس شبهات.

 ويرى صبلوح أن الجزء الآخر من الشبان تم تجريده من حقوقه المدنية والوطنية عقب خروجه من المعتقل، فوجد نفسه منبوذاً مجتمعياً، حيث لا مؤسسات تستطيع تشغيل هؤلاء بسبب السجلات العدلية، أضف إلى أن أحد الأجهزة الأمنية يبتزهم بحقوقهم المشروعة كاستصدار جواز سفر أو إزالة أسمائهم عن الملاحقات، وحين زيارتهم مؤسسة أمنية لطلب أوراق، يتم التحقيق معهم بطرائق غير شرعية تصل إلى التعذيب والقسوة. وهذا كله موثق لدى منظمات دولية ومحلية، لكن المسؤولين يتهربون من حل هذه الأزمة ربما خشية فريق سياسي حريص على خلق نزاع ثقافي واجتماعي بين طرابلس والدولة اللبنانية للقول إن العنف والراديكالية والمشاركة في حروب الآخرين، ليست حكراً علينا… إنها موجودة أيضاً في بيئات أخرى.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.