fbpx

هجوم “داعش” على سجن “الصناعة”:
اختراق “قسد” ليس نصراً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

برغم دلالات هجوم التنظيم، إلا أنه حمل فشلاً ذريعاً وخيبة أمل لأنصاره وإن تغنوا بالانتصار لأيام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتهت حادثة سجن الصناعة في القسم الجنوبي من مدينة الحسكة، بعد أيام من العمليات العسكرية داخل السجن وفي محيطه الجغرافي القريب، قتل من قتل من كلا الطرفين واستسلم من كان في حالة استعصاء داخل أقبية السجن من مقاتلي التنظيم المتمردين، ولم يبقَ من هذه الحادثة إلا صور لجثث غص بها المكان، ودمار خلفته الاشتباكات وعمليات القصف الجوي الداعمة للقوى المعادية للتنظيم.

هجوم “داعش” على السجن لم يحمل أي تغيير في الاستراتيجية العسكرية، بل جاء بالشكل التقليدي الذي يعتمده التنظيم في عمليات من هذا النوع، سيارات مفخخة تضرب محيط المكان المستهدف، مجموعات انغماسية خاصة بالاقتحام، وحدات قتالية صغيرة متفرغة لقطع طرق الإمداد المؤدية إلى الهدف وإلهاء المستهدفين لمحاولة تشتيت قواتهم، والأهم من ذلك اختيار التوقيت الجيد لساعة الصفر، مع تنسيق عالٍ بين المهاجمين وعناصر التنظيم المحتجزين داخل السجن.

برغم من الأسلوب التقليدي العسكري، إلا أن الهجوم حمل معطيات جديدة في جانبه الزماني والمكاني والأمني، تتركز في نقاط عدة، أولها، المكان والهدف، فلم يسبق للتنظيم أن شَّن مثل هكذا عملية في عمق مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” ومناطق وجود حلفائها من قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعتبر أكثر المناطق تحصيناً عسكرياً وفيها القسم الأكبر من القوة العسكرية لـــ “قسد” ، حتى إن الإحصاءات التي تنشرها شبكات الإعلام المحلي بشكل مستمر حول نشاط خلايا تنظيم “داعش”، دائماً ما تكون متدنية في تلك المناطق، على حساب عمليات شبه يومية تنفذها خلايا التنظيم في أرياف محافظة دير الزور وبعض مناطق محافظة الرقة وريف الحسكة.

اختيار التنظيم هدفه غير المتوقع وفي منطقة تعتبر الأكثر تحصيناً عسكرياً وأمنياً، أعطاه ميزة المباغتة، التي أدخلت “قوات سوريا الديموقراطية” في حالة صدمة وارتباك، وهذا الأمر كان جلياً خلال اليومين الأول والثاني من الهجوم، إذ عجزت “قسد” عن تحقيق عملية تطويق لبؤرة القتال داخل السجن وعزلها عن المحيط الجغرافي المجاور لها، ما ساعد على هروب عدد من السجناء من داخل السجن وأعطى التنظيم القدرة على إطالة أمد المعركة، التي امتدت نحو 9 أيام متواصلة.

النقطة الثانية التي حملها هجوم التنظيم، كانت كمية الاختراق الأمني التي يملكها التنظيم داخل صفوف “قوات سوريا الديموقراطية”، ما ساعد التنظيم في نقل مقاتليه وأسلحته من مناطق متفرغة إلى محيط السجن برغم عشرات الحواجز في المنطقة، التي تعتبر المربع الأمني الأهم لقوات “قسد” في عموم محافظة الحسكة، إضافة إلى نسف عمل جهازها الأمني الذي يعتبر من أهم أدواتها الاستباقية لحماية أمنها وأمن مناطق سيطرتها، وهذه ما أكده لــ”درج” مصدر رفيع داخل “قوات سوريا الديموقراطية” رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. يقول: “العملية جاءت بمساعدة عناصر من قسد، يعملون بشكل سري مع داعش، كان لهم دور كبير في تسهيل نقل المقاتلين والسلاح الخاص بهم إلى محيط السجن، مع تقديم معلومات مهمة عن حامية السجن والقوى الموجودة في منطقة الهجوم”.

الاختراق الأمني لصفوف “قوات سوريا الديموقراطية” ليس وليد عملية السجن، لكن الأخيرة كشفت أشكالاً جديدة له غير تقليدية، فالتنظيم بعد عودته إلى العمل الأمني ما بعد سقوط مخيم الباغوز عام 2019، سعى إلى الاستفادة من عناصره السابقين الذين انضموا إلى “قسد”، بهدف تجنب عمليات الملاحقة الأمنية ومحاولة حماية أنفسهم من المجتمعات المحلية الناقمة على التنظيم، عبر الإبقاء عليهم داخل تلك القوات ليكونوا أداة خرق تنقل المعلومات والتحركات العسكرية لقادة التنظيم وخلاياه المنتشرة في مناطق شرق الفرات، وهذا ما جنب التنظيم الكثير من عمليات الملاحقة وساهم في استمرار هجماته إلى يومنا هذا.

عملية السجن، كشفت تغير أساليب التنظيم في عمليات تجنيد المتعاونين معه داخل “قسد”، إذ بات التنظيم يعتمد على عناصر جدد لم يرتبطوا معه خلال فترة وجوده بين عامي 2014 و2019. هؤلاء  العناصر يمثلون الجيل الثاني من المقاتلين الذين جندهم التنظيم بعد الهزيمة الجغرافية في سوريا، وقام بتدريبهم أمنياً ثم تركهم يدخلون صفوف “قسد” ومجالسها العسكرية، ما ساهم في إبعاد الشبهات منهم وسهل تدرجهم داخل تلك القوات والوصول للخدمة في أماكن حساسة عجز المتعاونون من عناصره السابقين والمنضوين الآن في “قسد” من الوصول لها، وهذا إن دل على شيء، فيدل على التطور الأمني للتنظيم مقابل تراجع استخباراتي لـ”قسد” والتحالف الدولي. 

إقرأوا أيضاً:

أما النقطة الرابعة التي أبرزها الهجوم، فهي حاجة التنظيم للعناصر البشرية، وهي معضلة حاول حلها عبر الهجوم على السجن وتحرير الآلاف من مقاتليه المحتجزين، ما سيرفده بعدد كبير من المقاتلين من ذوي الخبرة والباع في مختلف الاختصاصات، بخاصة أن التنظيم يعاني الآن من تراجع عمليات تجنيد مقاتلين جدد في مناطق وجوده في سوريا والعراق.

مسعى التنظيم لتحرير سجنائه، يعطي مؤشرات إلى أن قادته وزعماءه لديهم مخططات لمستقبل عمل التنظيم وتصور جديد لهذا المستقبل، لكن كل هذا يحتاج لقوى بشرية لن يكون من السهل الحصول عليها إلا بمثل هذه العمليات التي تستهدف أماكن اعتقال عناصره ومقاتليه، بعد عجزه عن تحقيق عمليات استقطاب كافية من خلال أساليبه التقليدية، التي تعتمد على الدين والإعلام والظروف السياسية والاقتصادية في المنطقة.

برغم دلالات هجوم التنظيم، إلا أنه حمل فشلاً ذريعاً وخيبة أمل لأنصاره وإن تغنوا بالانتصار لأيام، ويعود الفشل لأسباب كثيرة، منها، أولاً افتقار التنظيم للواقعية والاستراتيجية، إذ لم يتعامل بشكل جيد مع حجم العملية التي استهدفت العمق الاستراتيجي لأهم خصومه في المنطقة، أما السبب الثاني فهو افتقار المجموعات المهاجمة للسلاح النوعي والكميات الكافية لخوض مثل هذه المعركة، فالتنظيم حتى لو فرضنا أنه نجح في إطلاق سراح معتقليه، إلا أنه لا يملك السلاح الكافي لتزويدهم والاستفادة منهم في المعركة، بينما فرصة هربهم بهذه الأعداد سوف تكون ضرباً من المستحيل وهم في حيز جغرافي شاسع تُسيطر عليه “قوات سوريا الديموقراطية”. ثالثاً، زج “قسد” لأعداد كبيرة من مقاتليها و تدخل فرق من القوات الخاصة الأميركية مع سلاح الجو كان عاملاً مهماً في إفشال الهجوم.

“قسد”، بعيداً من خسائرها البشرية، فقد خرجت من المعركة بمكاسب كبيرة أولها، كسبها جولة أخرى على حساب التنظيم، ثانياً استعادة تعاونها مع التحالف الدولي ودعمه لها، ثالثاً لفت الأنظار لها إعلامياً كـقوة محلية تحارب الإرهاب.   

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.