fbpx

عباس النوري:  لا تعتذر فهم المخطئون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تعتذر يا عباس، لست مخطئاً هم القتلى لا أنت، هم الكاذبون والسارقون وأنت لم تقل سوى حقيقتهم، نعرف ما تعرضت له، نستطيع تخيل كم التهديدات التي وصلتك وعائلتك، نعلم ثمن أن تقول كلمة حقّ تحت نظام الديكتاتور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد 11 سنة من الأخذ والرد والثورات والحروب والمناوشات والمؤتمرات، ما زال من الصعب على الموالين لنظام بشار الأسد فهم معنى “حرية التعبير”، ويمكن أن يصبحوا متوحشين إذا جرّب أحدهم التعبير عن رأيه، وكأنَّ كلّ رأي معارض لاعتقاداتهم يمثل تهديداً جدياً لحياتهم، ولنكون منصفين، يجب أن ندرك أنهم بالفعل لا يدركون معنى حريّة الرأي ولا أقصد المفهوم العام للكلمة إنما الشعور بها، كممارسة يومية، تجربتها، عيشها بطلاقة وبلا رعب. لكن ليست الحرية وحدها ما ينقص الموالين، إذ ينقصهم أيضاً أن يصدقوا أنهم ليسوا أحراراً!

أثار الفنان السوري عباس النوري موجة من الغضب بين الموالين لنظام الأسد، بعد تصريحاته في لقاء في برنامج “المختار” على قناة “المدينة أف أم”، إذ قال إن سوريا كانت بلداً ديموقراطياً إلى أن جاء حكم العسكر وأطاح الديموقراطية والدستور والثقافة، وبالطبع إشارة النوري هذه إلى “حزب البعث” بشكل خاص وحكم عائلة الأسد، كما تكلم عن فروق شاسعة في الحريات بين دول عربية أخرى، متهماً القائمين على الدولة بأنهم قادرون على حذف اسم شاعر فقط لأنهم اختلفوا معه بالرأي، وفي هذا إشارة لإقصاء الكثير من الكتاب والفنانين والممثلين والمثقفين بسبب آرائهم السياسية.

إنها المرة الأولى منذ زمن طويل التي يحكي فيها سوريٌّ من الداخل كلاماً صريحاً، ينتقد فيه الدولة على إذاعة موالية وبشكل مباشر، وهو بحد ذاته بمثابة هزّة كبيرة ليقين الموالين، ولغرورهم وثقتهم الهشّة، لذلك خرج الإعلامي الموالي شادي حلوة، غاضباً ومطالباً بالقصاص العادل لمن حاول انتقاد هيبة الدولة والجيش قائلاً، “الدولة مو ناقصها يا أخي”، ففي مفهوم شادي الشعب هو في خدمة الدولة وهو من يجب أن يخاف على مشاعر قياداتها ونظامها، لا العكس، على السوريين أن يتفهموا ديكتاتورية نظامهم ولا يرموا تصريحاتهم وآرائهم المحقة شمالاً ويميناً، حتى لا يزعجوا النظام. 

وعلى رغم أن النوري لم يذكر الجيش إنما تحدث عن حُكم العسكر وهي عبارة أكثر شمولية ودقة، لكن الموالين لا يقدرون على فهم التاريخ ويكتفون بما لقنهم إياه النظام، فحكم العسكر يعني ارتباط السلطة الحاكمة بالمؤسسة العسكرية، وفي سوريا سخّر الأسد الأب هذه السلطة لتقوية سلطته وإزاحة خصومه وتهيئة الحكم لبشار، وهو ما فعله بشار، إذ استخدم المؤسسة العسكرية بكل ما فيها لإرضاخ الشعب من خلال العنف والقتل والتنكيل، إلّا أن المؤيدين اعتبروا الهجوم مباشراً على جيشهم المقدس، هل خطر لهم أن انتقاد النوري لهو أكبر من المؤسسة العسكرية ويرتبط بشكل مباشر برأس نظامهم؟ أم أنهم تجاهلوا الأمر خوفاً من فكرة أن يكون النظام أهين في عقر داره! نوري الذي تساءل، ما الذي يحدد الفكر؟ مجيباً أن العقائد تحدده تاريخياً أما في الحاضر فهي السلطات السياسية التي تتوالد من نفسها وصارت مقدسة وصار الوطن هو هذا الشخص أو هذه السلطة. جرأة عباس في الطرح هي انتصار لسوريِّي الداخل المحاصرين بصعوبات المعيشة، والانهيار الاقتصادي وتضييقات النظام عليهم.

شادي حلوة الذي استغرب تصريحات النوري عن عدم وجود حريات في سوريا، هو ذاته قام بقمع النوري وطالب بمعاقبته لأنه تحدث بصراحة، فكان شادي يسأل عن دلائل غياب الحرية، وهو أداة من أدوات الديكتاتور، وفي بلد تدعي سلطتها الحرية، يخرج “حزب البعث” مولولاً ومهدداً من تجرأ وقال الحقيقة. الحقيقة مؤلمة وعباس النوري قال ما يتمنى السوريون قوله كل يوم وما يرددونه بين الجدران. الجميع يعلم أن السلطة المشوهة تحاول الحفاظ على هيبة مصطنعة، لكن وكما قال النوري في مقابلته الأولى: “التكوين السياسيّ للشخصية السورية جعلت من السوري شخصية رخوة، يدعي فهم كل شيء لكن وما أن تمر دورية مخابرات في الشارع حتى يهرب”، وشادي حلوة هو خير مثال على الشخصية السورية الرخوة، شادي الذي يتمسك اليوم بهذا النظام أكثر من أي وقت مضى، خوفاً من سقوطه والمستقبل المخيف الذي سيواجهه هو الذي شجع النظام القاتل وغطى مجازره على أنها انتصارات.

عباس باح بما نقوله داخل منازلنا، إنه المنطق المتزن البعيد من عنتريات شادي حلوة وديكتاتورية النظام، الذي يتحدث ما نعرفه جميعاً عن سرقة أموال السوريين من قبل رفعت الأسد عودته كابن بار! وحتى لو لم يقل الأسماء فالسوريون يحفظونها عن ظهر قلب، يحفظون أسماء سارقيهم وقتلتهم، تحدث النوري عمّا نعرفه جميعاً، لكنه لا يخرج منا لأن الرقيب ينتظر هفواتنا ولحظات صدقنا وحريتنا، ليفعل ما فعله مع عباس النوري الذي خرج في اليوم التالي على المحطة ذاتها ليعتذر، وكأنه يُجَرّ إلى فرعٍ أمنيّ ولا يتحدث على قناة إذاعية، ليقدم فروض الطاعة للأسياد.

 في المقابلة الأولى، كان عباس النوري حرّاً وفي الثانية معتقلاً، في المقابلة الأولى كان ثائراً ومعارضاً ومفكراً لا يعتمد على الجمل المكررة أمّا في المقابلة الثانية فغدا أسير النظام مرة أخرى، أسير تهديداته وعنجهيته، وبين شخصية مؤثرة ومثقفة كالنوري وأخرى انتهازية ومدعية كشادي حلوة، تضيع الحقيقة السورية.

لا تعتذر يا عباس، لست مخطئاً هم القتلى لا أنت، هم الكاذبون والسارقون وأنت لم تقل سوى حقيقتهم، نعرف ما تعرضت له، نستطيع تخيل كم التهديدات التي وصلتك وعائلتك، نعلم ثمن أن تقول كلمة حقّ تحت نظام الديكتاتور، لا تعتذر، بل يجب أن نشكرك جميعاً نحن المحاصرين بالخوف من نظام الأسد، أوصلت لنا رسالة صغيرة بأن الأفكار لا تموت وأننا نستطيع بناء مشاريع سوريين حقيقيين وأحرار داخل كل واحد منا، سوريين سيغيرون يوماً ما كلّ هذا الواقع المخزي.

إقرأوا أيضاً: