fbpx

بهائيو مصر… أن تعيش مضطهداً وتموت بلا مدفن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

معاناة الطوائف، وخطاب الكراهية في مصر بشكل عام ليسا وليدي الشارع المصري، ولا يتوقفان عند أفراد المجتمع، إنما تساهم في خلقهما وتعزيزهما منظومة علاقات دينية وسياسية تتورط فيها مؤسسات الدولة والأزهر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شَرطة صغيرة على بطاقة بلاستيكية بحجم تذكرة قطار، تجعل من المستحيل على المواطنين الذين توفوا أن يخلدوا إلى مثواهم دون اضطهاد وتغريب، في رحلة معاناة طائفية لا تنتهي بالموت ولا تتوقف عند حد أو نهاية.

يحمل المواطنون البهائيون موتاهم من أي مدينة في مصر إلى قطعة أرض صغيرة بجوار جبانات اليهود في البساتين، هي آخر أرض ناجية من مصادرة الدولة الجبانات التاريخية لأحرار العقيدة، أو ما يعرف بالجبانات المدنية، التي استولت عليها السلطات.

من قضى من البهائيين في أسوان يجب أن يقطع جثمانه ما يزيد على 870 كلم ليُدفن في هذه الأرض الصغيرة. 

في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية برفض إلزام المحافظة بتخصيص أرض لاستخدامها مقابرَ لغير أتباع الأديان الثلاثة المعترف بها في الدولة.

هذا الاعتراف الحكومي بالأديان الثلاثة فقط، أنشأ في المجتمع المصري فصيلاً رابعاً، يعد البهائيون جزءاً منه، ولم تجد تشريعات الدولة حتى الآن وسيلة للتعامل معه.

محامو “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والحريات”، رفعوا في كانون الثاني/ يناير 2021، دعوى أمام المحكمة الإدارية في الإسكندرية، يطالبون فيها بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تخصيص أرض يستخدمها هؤلاء المواطنون كجبانة.

جاء قرار المحكمة مستنداً إلى رأي مفوضي الدولة، الذين استندوا بدورهم إلى تصريح الأزهر في هذه القضية، بعدما كان اللواء محمد الشريف محافظ الإسكندرية قد استفتى رأي الأزهر في هذا الموضوع. 

جاء رد الأزهر، أنه لا يجوز للمحافظة أن تخصص أرضاً لدفن المواطنين المصريين الذين لديهم شرطة في خانة الديانة، لأن ذلك يؤدي إلى مزيد من التمييز والتفرقة والانقسام وتمزق نسيج المجتمع الواحد. إضافة إلى أنه لا يجوز أن يكون حق الإنسان في الدفن مستخدماً للترويج والدعاية لمذاهب وأفكار معينة. 

وجاءت المذكرة التي أعدها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر- بتعبير التقرير الذي كتبته المبادرة رداً على قرار الرفض- مرتبكة ومتناقضة، تفتقر إلى مساق محكم أو أي أدلة شرعية تحرم مثل هذا التخصيص. 

الأمر الذي يعد تقييماً سياساً من قبل سلطة دينية، وخضوعاً سياسياً أيضاً من جانب الدولة إلى مشيخة الأزهر، ويظهر أن هذا الخضوع يتم بالتبادل، تتداخل سلطة المؤسستين، فتتشكل سلطة سياسية/ دينية تتحكم في مصائر الجماعات والأفراد وفصائل المجتمع المختلفة. 

في إحالته لتلك الشرطة، أشار الأزهر إلى أجهزة الدولة وحاسوباتها المبرمجة على أساس عنصري وطائفي، ووضعت بفضله تلك “الشرطات” في بطاقات هوية هؤلاء الأفراد، وتستند الدولة إلى الأزهر في قرارها الإداري للقضاء في شأن تخصيص أراض لدفنهم.

 تشكل الطائفية والبيروقراطية هنا دائرة مغلقة، ترفض الدعوى المقدمة من “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وتمنع البهائيين وغيرهم من أحرار العقيدة من ممارسة حقوقهم في دفن موتاهم.

عام 1923، صرحت دار الإفتاء المصرية برأيها لوزارة العدل في شأن تخصيص قطعة أرض لدفن موتاهم في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية، وجاء فيه الاكتفاء بإبداء رأيها الشرعي مع جواز حصول هذه الطائفة على قطعة الأرض. 

لكن الأزهر الذي يشترك في تشكيل التوجه السياسي العام للدولة من طريق تجاوزه حدود الرأي الشرعي وتدخله في الواقع السياسي، قام منذ ظهور البهائية إلى الآن، بإصدار فتاوي مختلفة ومتناقضة أحياناً لتوضيح رأيه الشرعي فيها وانتهى إلى تكفير كل من يعتنق فكرها. وأقتبس هنا مثالاً من موقع “الدرر السنية” الذي جمع كل تصريحات الأزهر ودار الإفتاء في شأن الطائفة البهائية.

“وأخيراً أجابت أمانة مجمع البحوث الإسلامية على نيابة أمن الدولة العليا عن حكم البهائية بأنها نحلة باطلة لخروجها عن الإسلام بدعوتها للإلحاد والكفر وأن من يعتنقها مرتد عن الإسلام”.

إقرأوا أيضاً:

يشكل خطاب الأزهر جزءاً مهماً من توجه الدولة. وإن السؤال عن مدى تدخل الأزهر في السياسة الحالية للدولة ومدى تقاطع السياسي مع الديني ومطواعية كل منهما لملاءمة الآخر بحسب التغيرات التاريخية في توجهات الدولة، يجعل من الصعب الاعتقاد بوجود قواعد معينة سواء سياسية أو دينية تنظم التقاطعات بين المؤسستين، فضلاً عن الافتقار لمثل هذه القواعد في تنظيم كل مؤسسة على حدة.

في 5 آذار/ مارس 1928، نشرت مجلة الأزهر الأسبوعية مقالاً في العدد الخامس، تتناول فيه البهائية وتعرض ما دعا إليه مؤسسها ميرزا حسين علي قائلة إنه مذهب من المذاهب التي وجدت بدافع من شعور بعض الناس للحاجة إلى السلام والوئام ليعيش في إخاء وسكينة بعيداً من الحرب ومنازعات السياسة والدين، تلك الأمور التي ولدتها في النفوس الأطماع والتعصب.

عام 1925 كان القضاء المصري قد حكم باستقلالية الدين البهائي، في سياق قضية طلاق لسيدة تدعى حميدة فرغلي كانت متزوجة من فلاح مصري ويعيشان معاً في قرية تابعة لمركز ببا مديرية بني سويف. 

اعتنق زوجها البهائية بعد سنوات من ارتباطهما بعقد زواج إسلامي. فقام عمدة القرية برفع دعوى إلى المحكمة الشرعية بعاصمة الإقليم تحثها على التفريق بينه وبين زوجته باعتباره مرتداً ولم يعد يحق له الاقتران بزوجة مسلمة، بحسب رواية روحية حسن حفيدة السيدة حميدة.

الأمر الذي نتج عنه أن خلصت هيئة المحكمة إلى قرارات تاريخية، وهي أولاً الفصل بين الزوجين وفسخ عقدهما. و”ثانياً، إعلان البهائية كديانة مستقلة لها عقائد وأصول وأحكام خاصة تغاير وتناقض عقائد وأصول وأحكام الدين الإسلامي تناقضاً تاماً”، وصادقت على هذا القرار الدوائر الدينية العليا وأعدته حكماً نهائياً كما طبعته الدوائر الإسلامية ونشرته آنذاك.

تروي روحية على مجموعة مغلقة للبهائيين الناطقين بالعربية على “فيسبوك”، أن جدتها عادت لاحقاً إلي بيت زوجها بعدما كان أهلها أخذوها منه عنوة معلنة اعتناقها البهائية هي الأخرى. 

وبقرار رجوعها إلى بيت زوجها، تقول روحية أن جدتها تحدت الأسرة والعمدة والمجتمع والأزهر كما تحدت حكم أعلى محكمة شرعية في مصر. 

في ذلك الوقت، كان البهائيون قادرين على إقامة مراكز ومحافل للبهائية وأصبح لديهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، ودفن موتاهم في أراض مخصصة لهم، إلى أن صدر قرار عام 1960 يقضي بإغلاق المحافل والمراكز البهائية عقب دعوة جنائية اتهم فيها بعض الأفراد بنشر الدعوة البهائية في المجتمع المصري.

 بعد هذا الإعلان مر البهائيون بمراحل صعبة تمثلت في مواجهة المعتقلات وفي معوقات لا تنتهي في الحصول على الأوراق الرسمية.

في كتابها “رحلتي من الإيمان إلى الإيقان”، تروي سوسن حسن، تجربتها مع البهائية، وتبدأ الكتاب بموقعها من زنزانتها الصغيرة التي وضعت فيها بسبب عقيدتها. تقول دق الباب في الساعة الواحدة مساء ودخل الزوار بدون أن يوضحوا السبب، واكتشفنا بعد ذلك أننا 49 شخصاً من أسوان للإسكندرية”.

تقول إن النيابة استجوبتهم، بتهمة اتباع تنظيم يحاول قلب نظام الحكم، ثم راحت تستجوبهم عن كيفية صلاتهم وصومهم، وذكرت في كتابها أن الأحراز التي وضعت كجسم للجريمة، كانت الكتب التي صادروها من منازلنا.

 وقالت إن الفنان المعروف حسين بيكار كان معهم في هذه القضية، الأمر الذي جعل كثراً من الفنانين والكتاب مثل مصطفى أمين يتناولون القضية في الجرائد والصحف.

معاناة حياتية

في تصريح له على قناة البي بي سي، قال هادي الأدهم المنسق الإعلامي للطائفة البهائية في مصر، “نحاول أن نشرح لناظر المدرسة ما هي البهائية وما هي مبادئها، ونخبره أننا مستعدون أن يشارك أطفالنا في حصص التربية الإسلامية أو المسيحية”، وذلك بعد منع هؤلاء الأطفال من الانضمام إلى المدرسة بسبب الشرطة في خانة ديانة أولياء الأمور. 

وكانت هذه الشرطة قد تقررت بعد قرار وزير الداخلية لعام 2009 بتسجيل فراغ أو علامة في خانة الديانة. الأمر الذي اعتبره البهائيون حينها مكتسباً إدارياً وتطوراً مبدئياً في رحلتهم التاريخية مع الدولة والمطالبة بالاعتراف الرسمي بهما، بعدما كانوا سابقاً يضطرون إلى كتابة مسلم أو مسيحي أو يهودي في خانة الديانة. 

لأن الإصرار على كتابة غير ذلك كان يمنع بحسب،  موقع أخبار العالم البهائي، إصدار بطاقات الهوية، ما يمنع الأشخاص من ممارسة أبسط حقوقهم، كالتعاملات النقدية في البنوك، أو الانخراط في صفقة عقارية أو الحصول على رخصة قيادة أو شيك معاش أو شغل أي منصب أو وظيفة. كما أن وزارة الصحة المصرية بحسب تقرير مشترك أعدته “المبادرة المصرية للحقوق” و”هيومن رايتس ووتش” عام 2007، رفضت تقديم التطعيمات لبعض الأطفال البهائيين، لأن وزارة الداخلية لم تصدر لهم شهادات ميلاد تحدد ديانتهم البهائية.

يعاني البهائيون حتى الآن للحصول على الأوراق الثبوتية أو المستندات الرسمية في ما يتعلق بزواجهم وشؤون حياتهم. 

وفي حين يهتم البهائيون المصريون بالمطالبة بحقوق المواطنة وينشغلون بالقضايا العامة للمجتمع المصري كقضايا المرأة والتنوع وغيرها، تحاول الدولة دفعهم إلى الانشغال في معركة بطاقات الهوية والأوراق الرسمية والشرطة في خانة الديانة.

إقرأوا أيضاً:

كتب الناشط البهائي وسيم السيسي عن السيدة سوسن حسن مقالاً عنوانه “آنسة وجدة لعشرة أحفاد” يقول:

“بعد تقرير قرين الشرطة كان عقد زواجها إسلامياً، وعندما وضعت الشرطة تم كتابة آنسة في البطاقة، وحين ذهبت لتجديد الباسبور اتهمتها مصلحة الجوازات بالتزوير في أوراقها الرسمية لأن الباسبور يذكر أنها متزوجة وبطاقة الرقم القومي تذكر أنها آنسة، بالرغم من كونها أم لأربعة أبناء وجدة لعشرة أحفاد. كما ذكرت أنها لا تستطيع أن تذهب إلى فندق بصحبة زوجها لأنها آنسة على البطاقة”.

وفي سياق آخر، عام 2009، قام أفراد خمسة أسر من البهائيين في قرية الشورانية في سوهاج بالهروب الجماعي من منازلهم بعد قذفها بالحجارة واقتحامها وسرقة محتوياتها من قبل أهالي القرية الذين قاموا بعد ذلك بإحراق تلك المنازل وهم يرددون هتافات دينية. وبرغم وصول قوات الشرطة أثناء الاعتداء إلا أنها لم تلقِ القبض على المعتدين، واكتفت بتفريقهم. 

إن معاناة الطوائف، وخطاب الكراهية في مصر بشكل عام ليسا وليدي الشارع المصري، ولا يتوقفان عند أفراد المجتمع، إنما تساهم في خلقهما وتعزيزهما منظومة علاقات دينية وسياسية تتورط فيها مؤسسات الدولة والأزهر. 

وخلال تاريخ مراحل الطائفة البهائية في مصر، بل وربما في العالم العربي والإسلامي، يعد الأزهر مسؤولاً أساسياً عن معاناة معتنقيها كما أنه مسؤول عن سلب آخرين من أحرار العقيدة، حقهم في الحرية. 

البهائيون يعيشون حياتهم داعين إلى الوحدة والسلم والعدل والمساواة والعمل الدؤوب في خدمة المجتمع الذي يدفعهم إليه إيمانهم بتحقيق النجاح الدنيوي من أجل مجتمعات وعوالم أكثر استنارة وأقل معاناة وقتامة وتفكيكاً.

لكن الطائفية الدينية في مصر تظل تلاحق هذه الفئة وتطاردها حتى بعد انتهاء حياتهم، فلا تمر وفاة أحد أفرادها دون المرور بطقوس الشتات والغربة، التي تتكبدها أجساد المتوفين وقلوب ذويهم الممزقة لفراقهم، حين يقطعون المسافات والبلدان، بحثاً لهم عن مدفن.

وكأن العدم الذي هو عكس الحياة والوجود، يبحث له في مصر عن وجود فلا يلقى غير الطائفية التي تضطهد الأشخاص في الحياة ولا تراعي أيضاً حرمة الموت.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.