fbpx

لقمان سليم ينقذ اسكندر الرياشي من “العفو العام”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا كان شغف لقمان. إحياء الزمن عبر إعلاء شأن شخصياته، مهما بدت هامشية أو عابرة. فكيف إذا وقع لقمان على شخصية كاسكندر الرياشي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عثَرَ لقمان سليم مرّة، كما يعثر طفل صغير على لعبة في قبو مملوء بالخردة، على لوحة لطالبة في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، رسمتها في فترة الحرب الأهلية اللبنانية. الطالبة رسمت شارعاً في منطقتها، يبدو أنها تنظر إليه من نافذة بيتها، وفي الشارع صورة كبيرة للسيد موسى الصدر، الإمام المغيّب، مؤسس حركة “المحرومين”. شغلت اللوحة لقمان لفترة طويلة، وكان كلما التقى بأصدقاء أو زملاء أو عابري سبيل، يسألهم عن اللوحة وعمّا إذا كانوا يعرفون صاحبة اللوحة، أو المكان الذي تصوّره. كان يريد أن يبحث من خلال اللوحة عن حكايات تخفيها الألوان أو ضربات الريشة. كان يحاول أن يبحث عن نافذة الطالبة الرسامة، لينظر من خلالها، إلى زمنها، ليعيد إحياءه، من رميم عظام الوقت، ويبعثها مادة مطواعة قابلة لأن تُحكى. 

هذا كان شغف لقمان. إحياء الزمن عبر إعلاء شأن شخصياته، مهما بدت هامشية أو عابرة. فكيف إذا وقع لقمان على شخصية كاسكندر الرياشي؟ تذكّرتُ حكاية طالبة كلية الفنون ولوحتها وأنا أقرأ المقدّمة التي وضعها لقمان لكتاب اسكندر رياشي “نسوان من لبنان”، الذي تصدره دار “الجديد” في الذكرى السنوية الأولى لاغتياله. المقدمة حملت عنوان “عن لبنان وشفعائه الشياطين/ اسكندر رياشي: الباطل يحرركم”، وفيها يظهر هذا الشغف “الملعون” لدى لقمان في إحياء “جثث” مدفونة في الأرشيف. ينفخ فيها من شغفه ويعيدها ليستنطقها ويشرّحها ليخرج منها سيراً ذاتية وحكايات. بهذا المعنى، كان لقمان سليم يعرف قيمة الأرشيف، لا بوصفه مقبرة العدم، بل كما وصفها الشاعر جورج سعادة: “ماذا تكون المقبرة؟ إلا بستان صغير وحكايات؟”. 

كان لقمان، في بحثه عن “الصحافي التائه” اسكندر الرياشي، يخرج من مقابر الأرشيف بساتين مثمرة وحكايات. والحكاية التي يرويها لقمان عن الرياشي لا تتعامل معه، كما يتعامل مع الموتى “هواة الرثاء”، بل يتعامل معه كشخص حي، لا كأيقونة، و”ينجّيه” من الصوابية السياسية أثناء تشريحه، فيقدّمه كما هو بلا تنميق أو تجميل، فيقرأ في أدبه وفي “قلة أدبه”، ويخرج ما له وما عليه، ويرى من خلال عينيه لبنان الذي عاشه، لبنان المؤسس لما انتهى إليه هذه الأيام، لبنان نفسه الذي قتل لقمان، وهو في خضمّ غرقه في تاريخ مقابره الجماعية. 

ينتشل لقمان، أثناء غرقه، الرياشي من الغرق. يمدّ له من موته يداً ليسحبه إلى الحياة، من المراثي التي دفن تحتها. وينقذه من النسيان الذي أجمع عليه اللبنانيون، الذي هو كما يقول لقمان “بعض من العفو العام الذي لا يني هذا البلد يعفوه، بلا كلالة، عن نفسه وعن سيرته وعن ارتكاباته…”.

في كانون الثاني/ يناير 2021، قبل أيام من مقتله، أنهى لقمان هذه المقدّمة، التي “لا تدّعي التمام والإحاطة”، ليتركها بمثابة مشروع مفتوح، كما هي جميع مشاريعه التي يزيح عنها بلاطات الأضرحة لتتنفس وتخرج إلى فضاء أرحب، تكون قادرة من خلاله على تحرير التفكير كمصدر للحياة، وكمنصّة صلبة مضادة للرصاص. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.