fbpx

قُتلوا لأسباب منها “النسكافيه”… طبيب لبناني ينضم إلى قافلة الموت المجاني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في هذه البلاد سرعان ما يتحوّل الغضب إلى جريمة، والشجار إلى جثة، والاختلاف إلى جرحى… إنها معادلات الانهيار والانفلات الأمني وذاك الالتصاق الشديد بين الفساد والموت الهش الذي يهددنا بلا رأفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جورج الريف (قتل على خلفية أفضلية مرور)، طلال حميد العوض وخليل القطان (قتلهما مارك يمين لأن النسكافيه لم تعجبه)، روي الحاموش (قتل على خلفية شجار)، زكريا طه (قتل بسبب نسكافيه)، محمد عطوي (رصاصة طائشة)، 9 قتلى في بعقلين (كان القاتل غاضباً)، مها السيد (رصاصة طائشة في قلبها)، فاطمة قبيسي وأطفالها الـ4 (قتلوا في طوابير البنزين)…

والآن إيلي جسار، طبيب الأسنان الثلاثيني، قُتل تنفيساً عن غضب أحدهم، قُتل لأننا نعيش في غابة لا قوانين لها، قُتل لأننا دولة فاسدة وقاتلة ولا أمان فيها!

بتلك السذاجة التي تنهار بها أحلامنا وتسقط بها مراكبنا الهشّة، هكذا تماماً قُتل كثيرون، آخرهم جسار في عيادته في أبلح (البقاع- لبنان). يروي أصدقاء له أنه كان تلقى عرضاً للعمل في الخارج، نظراً لبراعته واجتهاده، لكنه فضّل أن يبقى في بلاده إلى جانب زوجته وطفله… لكنّ أحدهم أطفأ الضوء في عينيه إلى الأبد، في مشهد يدلل بشكل فاقع على فائض القوة وشريعة الفوضى.

ففي هذه البلاد سرعان ما يتحوّل الغضب إلى جريمة، والشجار إلى جثة، والاختلاف إلى جرحى… إنها معادلات الانهيار والانفلات الأمني وذاك الالتصاق الشديد بين الفساد والموت الهش الذي يهددنا بلا رأفة.

وفق الرواية الرسمية، سبب الجريمة كان أن الفاعل (س.ف)، وهو رقيب في الجيش اللبناني، لم يكن راضياً عن نتيجة أسنان خطيبته… 

يبدو أن أسنان الفتاة بقيت تؤلمها، وهو سبب كافٍ لينقض خطيبها على الطبيب وينهي حياته طعناً بالسكاكين! وبذلك أصبح طفل إيلي يتيماً وزوجته أرملة وأمه “أمّ شهيد”، كما يقول أصدقاؤه وزملاؤه معتبرين أنه “شهيد” قيامه بواجبه المهنيّ. 

لكنّ صفة “شهيد”، لا تمحو الدم الذي ملأ العيادة وملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تنديداً بالجريمة. كلمة “شهيد” باتت واحدة من أدوات أجهزة السياسة والإعلام والمجتمع، التي تستخدم في أحيانٍ كثيرة حقناً للدماء، ترفع الضحية إلى مرتبة القدسية، فتبدو الجريمة كفعل إيجابيّ، إذ إنها أفضت إلى جعل المجنى عليه شهيداً، وأهله أهل الشهيد! إنها واحدة من تكتيكات سياسة الإفلات من العقاب وتجميل المقتلة ومحاولة تأجيل المحاكمة ومسامحة الجاني. وقد شهدنا ذلك في جرائم كثيرة، ارتفع ضحاياها إلى مرتبة شهداء، وأفلت فاعلوها من العقاب، من الاغتيالات السياسية إلى ضحايا حرية الرأي والفوضى!

 إيلي جسار، طبيب الأسنان الثلاثيني، قُتل تنفيساً عن غضب أحدهم، قُتل لأننا نعيش في غابة لا قوانين لها، قُتل لأننا دولة فاسدة وقاتلة ولا أمان فيها!

كثيرون هم ضحايا هذا الموت المجاني الذي يعكس كم صارت أرواحنا بلا قيمة، فإلى الأسماء المذكورة سابقاً، تمكن إضافة ضحايا جريمة انفجار مرفأ بيروت، وانفجار عكار، والنساء اللواتي يقتلن لأسباب “أخلاقية” أو “شرفية” أو “تأديباً لهنّ”، إلى آخرين ماتوا برصاص مرافقي أحدهم يوم طالبوا بحقهم في الحياة في انتفاضة 2019… وغيرهم ممن يموتون بسبب السيول أو انعدام معايير السلامة والإنارة على الطرقات أو برصاص عرس أو دفن أو عيد…

وفق دراسة أعدتها شركة “الدولية للمعلومات”، تبين ارتفاع جرائم السرقة بنسبة 265 في المئة، والقتل 101 في المئة، عام 2021، إثر الأزمة التي نشهدها.

وإذ يواجه لبنان واحدة من أسوأ 3 أزمات في العالم، أدت إلى انهيار مالي، وتراجع كبير في القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، “في الأشهر العشرة الأولى من عام 2019، سُجلت 89 جريمة قتل، بينما في الفترة نفسها من عام 2021 سُجلت 179 جريمة.

أما عمليات السرقة، فقد ارتفعت من 1314 في الأشهر العشرة الأولى من 2019، إلى 4804 في الفترة نفسها من 2021″، وفق الدراسة.

هذا الارتفاع الحاد في مستوى الجريمة دليل واضح على ارتفاع منسوب الانفلات الأمني والتشتت السياسي والتردي الاقتصادي والاجتماعي، حتى باتت العلاقات بين الناس تُحكم بأن يأخذ كلٌّ حقه بيده وقد يصل الأمر إلى ارتكاب جريمة بدم بارد.

“التحقيق جار بإشراف القضاء المختص، وسيصار إلى إحالته إلى المحكمة العسكرية”، هكذا روت الأخبار الرسمية. وهي جملة تبدو أكثر جملة متكررة في تاريخ لبنان، والذي وإن انتهت بعض جرائمه إلى محاكمة الجاني، إلا أن غياب السياسات الرادعة والحلول الأمنية الواضحة، ينتهي إلى تكرار جرائم الموت المجاني، التي تنهي حياة إنسان بسبب فنجان  نسكافيه أو رصاص احتفائي أو لمعة أسنان لم ترق لأحدهم!

إقرأوا أيضاً: