fbpx

شيخ الأزهر والشعرواي والقانون: متحدون ضد المرأة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خطورة تصريحات شيخ الأزهر وبعض المشايخ وكل الجدل والتبرير لتعنيف النساء وإباحة ضرب المرأة ولو ضرباً خففاً، تتجلى عبر الأرقام المفزعة حول العنف ضد المرأة، وهذه التصريحات قد تزيد الأمر سوءاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ضرب المرأة مباح، لكنه ليس فرضاً أو سنةً، إنه مباح لمواجهة الزوجة الناشز وكسر كبريائها، وللحفاظ على الأسرة من الضياع والتشرد”. 

 تصريح  قاله شيخ الأزهر صيف 2019. وأضاف حينها أن الرجل “يلجأ إلى ضرب المرأة بعد تأكده من أنه العلاج الوحيد وأنه من حقك تأخذ دواء مر، فيه مرارة فعلاً… لكنه سيزيل هذا الألم”.

 تصريحات تعطي دفعاً لاستمرار العنف ضد المرأة بوصفه وسيلة “تهذيب” وضبط للأسرة التي لا يكتمل صونها من الضياع إلا بتهذيب الزوجة “الناشز”. 

ليس شيخ الأزهر وحده، بل هناك عشرات ومئات رجال الدين من طوائف مختلفة يرون في العنف ضد النساء أمراً غير إشكالي. والعنف ضد النساء في سياق المنظومة الحقوقية العالمية الآخذة بالتوسع حتى في مجتمعاتنا العربية باتت تصطدم بهذه المقاربة لكن في مجتمعات ما زال لرجال الدين سطوة عليها.

ليس شيخ الأزهر وحده، بل هناك عشرات ومئات رجال الدين من طوائف مختلفة يرون في العنف ضد النساء أمراً غير إشكالي.

كلام شيخ الأزهر عاد الى التداول الآن مع طرح اقتراح قانون جديد في البرلمان المصري يغلظ العقوبة ضد مرتكبي العنف ضد النساء، لكن الاقتراح أخذ جدلاً ونقاشاًَ واسعاً وهو ما عكسه الإعلام المصري في تغطيته، التي استعادت موقف الأزهر من العنف ضد النساء. 

استعادة كلام شيخ الازهر أحمد الطيب ذكرت بموقفه الذي قاله قبل أكثر من عامين حين اسهب في شرح موقفه بـ”يُستحب ألا تُضرب الزوجة على وجهها”، أو أنه “لا يحق للرجل الخاطب أن يضرب خطيبته إلا بعد الزواج”.  وأضاف “كلمة ضرب يجب أن نفهمها على أنها الضرب المُباح في حالة معينة باعتباره دواء لعلة طارئة”. وشيخ الأزهر قال نصاً أن الضرب يكون لـ”كسر كبريائها” (المرأة).

معركة كلامية: الدين والدستور

ظهرت تصريحات شيخ الأزهر على الساحة مجدداً بعدما انتقد الباحث إسلام البحيري شيخ الأزهر بشأن رأيه في قضية ضرب المرأة، واعتبر أن رأي الدستور المصري أهم من أي رأي آخر، وفي تصريحات متلفزة، قال إن الزوجة ليست تلميذة في المدرسة والزوج ليس ناظراً. وعلق على ما قاله شيخ الأزهر بأنه كلام “لا يخصنا تماماً وفي النهاية رأي استشاري، كلامه خاطئ ويخلق دولة الغابة التي لا علاقة لها بالشريعة، وضد الدستور الذي هو أقوى من أي شخص في مصر”.

أثار كلام البحيري  غضب الأستاذ الجامعي مبروك عطية، الذي ظهر في فيديو مباشر ليتفق مع شيخ الأزهر في قضية ضرب المرأة ويقول “إن ضرب الزوجة ثابت في القرآن والسنة بضوابط محددة، منتقداً من وصفهم بأصحاب الضرب الحضاري الذين يفسرون الضرب الذي ورد في القرآن بأن يترك الرجل البلد لزوجته”. وأن الضرب المقصود هو ضرب التأديب الذي لا يترك أثراً. ووجه عطية رسالة لبحيري قال فيها “أنه الذي يجب أن يضرب وليس المرأة لأنه تطاول على شيخ الأزهر”. 

هكذا تحول العنف ضد المرأة إلى مادة يدافع عنها رجال دين واساتذة جامعيون وكأن جسد النساء ملكية خاصة لهؤلاء يحق لهم التصرف به وقمعه وتأديبها كما يرون.

هذه التصريحات أثارت غضباً واسعاً، فخرجت رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي، قالت “إن الرأي الخاص بتأديب الزوج زوجته إهانة وتحريض واستهانة بالضرب وقبول العنف”، معتبرة أن “تلك الأمور تتعارض تعارضاً كاملاً مع الدستور والقانون المصري”. وأكدت أن “الاعتداء على المرأة جريمة يعاقب عليها القانون، وأنه لا نية سليمة في ضرب زوج لزوجته، هذا عنف وكلمة التأديب التي تكررت أكثر من مرة أمس واليوم غير موجودة في القانون أو الشريعة”.

وردت أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر آمنة نصير قائلة “الرجل عندما يقدم على فعل ضرب زوجته يهدم بيده كل معاني الإنسانية بينهما، وهو إهانة لها، وقتل لكل معاني المودة بينهما”. 


ضرب الزوجة بـ”فرشاة الأسنان”

واقعياً لم تكن تصريحات شيخ الأزهر فريدة أو جديدة، بل تندرج في سياق تاريخ من تراث وثقافة وفتاوى سابقة صرحت بها  دار الإفتاء، ولعل أشهر هؤلاء المشايخ الذي كان له أثره في أجيال كاملة في مصر وخارجها هو الراحل الشيخ محمد متولي الشعرواي، فقد أدلى بدلوه في هذه المسألة أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، وفي إحدى هذه المرات سُئل عن جواز ضرب المرأة  دينياً أو تحريمه؛ فسارع بتوجيه سؤاله للمتحدث “أمر الله بالضرب أم لا؟!”، فرد السائل: “نعم، آمر الله به”، فجاء رد الشعراوي حينها “هل أنا أحن عليها ممن خلقها؟”، وأضاف حينها كلاماً مشابهاً لكلام شيخ الأزهر إذ قال “لا بد أن نعلم أن هناك أشياء لا تحدث إلا بالضرب، لكن لا يجوز الضرب بالكسر والبطح. وحدود الضرب ألا يحدث في المرأة تشويه”. 

بمثل هذه التصريحات تكرس مسار تاريخي من عنف ممنهج ضد الفتيات والنساء بوصفه حلالاً لا يوقفه قانون أو ثقافة أو دين.

من هنا، لا يوجد نص قانوني واضح ينص على المعاقبة في  جرائم العنف الأسري ضد النساء. فالمادة 60 من قانون العقوبات المصري تقول: “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”. وهو ما يترك مجالاً واسعاً لعدم المعاقبة في جرائم العنف الأسري. أما المادة 17 من قانون العقوبات فتتيح للقاضي الرأفة بالجاني وتخفيف العقوبة في القضايا التي تسمى “قضايا الشرف”.
يرى مايكل رؤوف، المحامي المتخصص في قضايا العنف ضد المرأة، في حديث سابق لـ”بي بي سي”، أن العقوبات المطبقة على جرائم الاعتداءات البدنية داخل الأسرة، في مجملها، غير رادعة. وأنها غالباً ما تنتهي بغرامة مالية زهيدة، أو حكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ. ويضيف أن “الكثير من الرجال يتمادون في ضرب زوجاتهم لأنهم واثقون من أنهم لن يتعرضوا لعقوبة تذكر”. 

من هنا، برز المقترح البرلماني  بتغليظ عقوبة ضرب الزوجة في القانون المصري، فأعلنت  النائبة أمل سلامة عن هذا المقترح مرات عدة خلال العام الماضي، كما أعلنت قبل أيام تمكنها من الحصول على موافقة النصاب القانوني الذي يبلغ  60 نائباً، وأنها تقدمت بالمقترح للأمانة العامة لمجلس النواب تمهيداً لعرضه على اللجنة التشريعية.  

وباء العنف

خطورة تصريحات شيخ الأزهر وبعض المشايخ وكل الجدل والتبرير لتعنيف النساء وإباحة ضرب المرأة ولو ضرباً خففاً، تتجلى عبر الأرقام المفزعة حول العنف ضد المرأة، وهذه التصريحات قد تزيد الأمر سوءاً. حوالى ثلث النساء في مصر يتعرضن لأحد أشكال العنف الأسري. بحسب تصريحات لوزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج منذ فترة قصيرة، إن أكثر من 40 في المئة من النساء المتزوجات، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاماً، يتعرضن للعنف النفسي من الأزواج. أما النائبة أمل سلامة عضوة لجنة حقوق الإنسان فقالت في تصريحات متلفزة أن حوالى 86 في المئة من المصريات يتعرضن للضرب والاعتداء من أزواجهن.  

تحول العنف ضد المرأة إلى مادة يدافع عنها رجال دين واساتذة جامعيون وكأن جسد النساء ملكية خاصة لهؤلاء يحق لهم التصرف به وقمعه وتأديبها كما يرون.

تصريحات النائبة استندت إلى تقرير حقوقي أصدرته وحدة الدراسات والبحوث في ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، بعنوان: “وباء كورونا والعنف الأسري: هل من ارتباط؟”. التقرير كان ذكر أرقاماً خطيرة عن العنف الأسري ضد المرأة، منها أنه في فترة “كوفيد- 19” في مصر، تتعرض حوالى 8 ملايين امرأة مصرية لخطر العنف الأسري كل عام، وقد تتعرض نسبة تصل إلى 86 في المئة من الزوجات للإيذاء الزوجي.  وذهب التقرير إلى أن أربعة من كل خمسة رجال متزوجين ارتكبوا أفعالاً تعد شكلاً من أشكال العنف النفسي ضد زوجاتهم.  وأضاف التقرير أن ما يقرب من نصف الشابات تعرضن للعنف الجسدي من قبل إخوتهم أو آبائهن. بحسب البيانات الصادرة في هذا التقرير، حدثت زيادة بنسبة 13 في المئة في عدد المرضى في مراكز علاج العنف الأسري، وحصلت 2704 امرأة على رعاية فردية، و9278 رعاية أسرية. وقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن هناك 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من عنف الزوج سنوياً، وهناك حوالى مليونين و400 ألف امرأة تعرضن لإصابات بسبب العنف الذي يمارسه الزوج أو الخطيب، وأن عدد النساء المعنفات اللواتي يتقدمن ببلاغات للشرطة لم يتعدَّ 75 ألف امرأة.

على رغم التاريخ النضالي الطويل في مصر في مسألة مواجهة العنف ضد المرأة، إلا أن رجال الدين وعدد من المنصات الإعلامية المصرية، ونصوص القانون المصري، في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة ضد المرأة بعدم اتخاذهم مواقف واضحة ورافضة للعنف ضد المرأة بكل درجاته، سواء كان عنفاً بفرشاة الأسنان والسواك أو بالضرب على الوجه أو القتل. ويبدو أن المعركة من أجل حقوق المرأة في مصر ستحتاج إلى وقت لن يكون قصيراً ولا سهلاً…

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.