fbpx

عن رهاب المثلية القاتل في العراق: ممنوع “العبور” جنسياً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قالت لي الممرضة، “هل أنت فتى أم فتاة؟ ألم نتخلص منكم بعد؟ اعتقدت أن رجال الدين والسلطات منعوا أمثالكم من الانتشار بيننا”!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هزت جريمة قتل دوسكي، وهي عابرة جنسياً تبلغ من العمر 23 سنة، المجتمع العراقي وأعادت النقاش إلى الواجهة في موضوع إشكالي يتعرض بسببه عراقيون وعراقيات من مجتمع الميم لانتهاكات خطيرة تصل إلى حدّ التصفية الجسدية. الجريمة وقعت في محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان، وقد عثرت الشرطة قبل أيام على جثة دوسكي بعدما أبلغت أسرة الضحية رجال الشرطة بأنها قتلتها، وزودتهم بمكان الجثة في قرية بابوخى، بحسب ما قاله مدير الشرطة.

وقالت إحدى صديقات دوسكي  إن الضحية “غادرت منزل عائلتها منذ أكثر من خمس سنوات، لكن عائلتها كانت ترسل لها تهديدات بالقتل، وإن والدها صادر ذات مرة جواز سفرها وجميع وثائقها الرسمية”.

الشرطة قالت إن الجاني، وهو شقيق الضحية، أبلغ شقيقاً آخر له بعد ثلاثة أيام من ارتكاب جريمة القتل بمكان الجثة، ثم اتصل شقيقه بالشرطة للإبلاغ عن الحادث وعند وصول الشرطة إلى مكان الجريمة عثرت على جثة دوسكي، وكانت قد أصيبت برصاصتين في الرأس و​​ الصدر.

تاريخ من الاضطهاد

الكراهية ضد العابرين والعابرات جنسياً منتشرة بشكل كبير في العراق. وقد كشف تفشي جائحة “كورونا”، من خلال ممارسات تقوم بها مستشفيات ومراكز صحية، كيف يمكن بسهولة جعل العابرين والعابرات جنسياً في العراق هدفاً للهجمات التي تقف خلفها معتقدات دينية وثقافة تقليدية راسخة.

خلال الوباء، عانى الأفراد من مجتمع الميم من التنمّر والتمييز والاستبعاد أثناء سعيهم للحصول على الخدمات الصحية. هذا الاستبعاد يضاف إلى قوانين المجتمع التي تجرم العلاقات المثلية كما توضح سما عادل (23 سنة)، في حديثها عن تجربتها عند محاولتها الحصول على خدمات صحية من أحد مراكز الرعاية.

 سما، طالبة عابرة جنسياً في كلية الحقوق في الناصرية جنوب العراق، تروي ما حدث معها: “قبل أشهر عندما أصبت بكورونا وذهبت إلى المستشفى، نظر إلي الجميع بازدراء وقال أحدهم  لا عجب أن الله يعاقبنا بسبب النساء اللواتي يحاولن التشبه بالرجال. لم أستطع فعل أي شيء لأنني كنت خائفة، ثم عندما ذهبت لتلقي العلاج، قالت لي الممرضة، “هل أنت فتى أم فتاة؟ ألم نتخلص منكم بعد؟ اعتقدت أن رجال الدين والسلطات منعوا أمثالكم من الانتشار بيننا”!

في سلسلة تغريدات في بداية الوباء، قبل أكثر من عام ألقى رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر باللوم على مجتمع المثليين العراقيين في “التسبب” بفايروس “كورونا”، وصرّح عبر صفحته الشخصية على تويتر “أحد أكثر الأشياء المروعة التي تسببت في هذا الوباء هو تقنين زواج المثليين ودعا جميع الحكومات إلى إلغاء هذا القانون على الفور”.

قال المتحدث باسم مقتدى الصدر ابراهيم الجابري “لقد حذرنا مراراً من انتشار الأفكار الغربية بين الشباب العراقي” ، و تذرع بمفهوم شائع بين الكثير من الشخصيات المناهضة للمثليين بأن المثلية الجنسية هي داء “غربي” و لن نسمح لمثليي الجنس والمتحولين جنسياً بالاستمرار بيننا كما أنه ضد تعاليمنا الدينية”.

بعد هذه التغريدات، ازداد خطاب الكراهية الموجه ضد المثليين في جميع أنحاء العراق، وفقاً لمنظمة “عراق كوير”، وهي منظمة غير حكومية لدعم حقوق مجتمع الميم في العراق.

 أعلنت المنظمة في بيان أن “هذا التصعيد في المشاعر والخطاب المعادي للمثليين يعرّض مجتمع المثليين في العراق لخطر كبير بالهجوم إما من افرد العائلة أو من رجال الميليشيات الذين يسعون إلى “تطهير” العراق من “الفجور”.

حماة الأخلاق والتقاليد

بعد الغزو الأميركي عام 2003، شهد العراق سلسلة من عمليات القتل والتعذيب كل عام على أيدي الميليشيات العراقية التي استهدفت الرجال المثليين المتهمين بـ”الافتقار إلى الرجولة”. وتقول الباحثة في هيومن “رايتس ووتش” رشا يونس، إن هذا يشكل نمطاً خطيراً للعنف ضد مجتمع الميم في العراق.

مريم محمود (22 سنة)، عابرة جنسياً من البصرة، جنوب العراق، تقول إن عائلتها أرغمتها على مراجعة طبيب نفسي أجبرها هو الآخر على تعاطي جرع من هرمون التستوستيرون لتكون ذات مظهر رجولي أكثر كما أرادت عائلتها. وتؤكد مريم أن الطبيب أهانها وعاملها بازدراء ليشعرها بالخوف من غضب الله وعقابه وطالبها بالدعاء إلى الله وقراءة القرآن باستمرار.

لقد برأت الحكومات السابقة نفسها من المسؤولية عن قضية العنف ضد المثليين في البلاد، واختارت بدلاً من ذلك تصوير نفسها على أنها “حامية” للأخلاق والتقاليد الدينية. بينما أشار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى استعداده للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة بشكل عام لكن ذلك لم يترجم سوى القيام بعمل ضئيل في ما يتعلق بحقوق المثليين وسلامتهم.

منذ عام 2020 ، قُتل أشخاص من مجتمع الميم وتلقى أكثر من 45 تهديداً بالقتل ، وفقاً لـ”عراق كوير”. فيما تقدّر منظمات المجتمع المدني أن العدد منذ أيار/ مايو 2020 تجاوز 100 جريمة قتل، على رغم عدم توفر الأرقام الرسمية، لكن الأكيد بحسب جميع المعطيات أن عشرات المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية قد تم استهدافهم منذ العام الماضي بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وعلى رغم أن الحكومة العراقية ملزمة بتعزيز حقوق مواطنيها من مجتمع الميم والدفاع عنهم وحمايتهم بموجب قانون حقوق الإنسان، لكن رجال الشرطة يعتقلون ويهاجمون العابرين والعابرات جنسيا في قضايا “الشرف”.

يقول أمير عاشور المؤسس والمدير السابق لمنظمة عراق كوير، “نركز على نشر الوعي من خلال مقاطع الفيديو والمنشورات والبرامج الإذاعية التي تُذاع داخل العراق، ومن ضمن الخدمات المباشرة تأمين السكن الآمن والخدمات الطبية والاحتياجات الأخرى للمثليين العراقيين”.

أعاد قرار البابا فرانسيس الأخير عام 2021 بإعلان أن الكنيسة الكاثوليكية لن تبارك الزيجات من الجنس ذاته لأن الله “لا يستطيع أن يبارك الخطيئة” تأكيد رفض المسيحيين في العراق مجتمع الميم، وعزز أيضاً المواقف المناهضة للمثليين بين الطوائف الدينية الأخرى في العراق.

علي (19 سنة) عابر جنسياً من بغداد يقول: “مجرد تصور أنك مثلي الجنس وتعيش علانية كعابر جنسي، هذا أمر خطير للغاية في العراق، لقد واجهت التنمر اللفظي وسوء المعاملة داخل المستشفيات العراقية في كل مرة أزور فيها طبيبي، بسبب مظهري وشعري ”.

 وتكشف لانا حسين، وهي عاملة اجتماعية في منظمة دولية، إن العابرين والعابرات جنسياً يواجهون العنف خصوصاً أولئك الذين يختارون الخضوع للعلاج الهرموني وإظهار تغييرات جسدية، والقانون العراقي يحرمهم من الرعاية الصحية.

وتضيف لانا بأن الأشخاص الذين تمكنوا من إجراء الجراحة خارج العراق يواجهون صعوبات في الحصول على وثائق قانونية تعكس هويتهم الجنسية الجديدة.  

صفاء البازي (اسم مستعار حفاظا على سلامتها)، طبيبة عابرة من بغداد ، قالت إنها تعرضت للتهديد مذ كانت طالبة في الجامعة من قبل أعضاء هيئة التدريس، إذ رفض أحد الأساتذة حضورها في القاعة الدراسية، لذلك اضطرت إلى ترك الدراسة لمدة عامين قبل العودة إلى الجامعة.

شهدت صفاء الكثير من حالات العنف ضد العابرين والعابرات جنسياً منذ عملها في المستشفيات العراقية، وتقول إن العاملين الصحيين يرتكبون التمييز والعنف ويستفيدون من الوضع الخطر للعابرين والعابرات جنسياً. 

في مستشفى شمال بغداد، رفض فريق أطباء، بحسب صفاء، تشخيص حالة مريضة عابرة عندما جاءت إلى المستشفى تعاني من آلام شديدة في الصدر، وبدأ الجميع في إهانتها والنظر إليها باشمئزاز. وقال أحد الأطباء إنه يجب فحص جسدها بالكامل قبل معالجتها للتأكد من هويتها الجنسية، “الأمر الذي أجبرها على الفرار بسرعة من ذلك المكان ولا أعرف ما حدث لها  لاحقاً، إذا تمكنت من تلقي العلاج أم لا”.

يخشى كثر من العابرين والعابرات مراجعة الطبيب بسبب مخاوفهم من  مواجهة رهاب المثلية الذي يشنه الأطباء ضدهم، لذلك أخذت صفاء على عاتقها تقديم الاستشارات الطبية عبر الإنترنت للعابرين والعابرات في العراق، في محاولة للحد من العنف الذي يتعرضون له في المؤسسات الصحية، لكنها تعتقد أن هذا لا يكفي، فالأشخاص المثليون معرضون لجميع أنواع العدوى والأمراض المنقولة جنسياً، لذا فهم بحاجة إلى رعاية طبية، فهناك حالات لا يمكن تشخيصها عبر الإنترنت فقط ولا يمكن التواصل معها شخصياً خوفاً من السلطات أو الميليشيات، ومع ذلك فهي فخورة بالمساعدة التي تقدمها.

في مواجهة النزاع المسلح وعنف الميليشيات وإضعاف المؤسسات الحكومية منذ عام 2003 ، شهد العراق حملات منظمة وقاتلة، استهدفت أشخاصاً على أساس ميولهم أو هويتهم الجنسية. وبسبب انتشار رهاب المثلية بين الطواقم الطبية في المستشفيات، نادراً ما تتم تلبية الاحتياجات الطبية للعابرين والعابرات جنسياً ويتجنب معظم المثليين زيارة الأطباء أو عندما يفعلون ذلك، يتجنبون إخبارهم عن حياتهم الجنسية لأن بعض الأطباء لا يكتفون برفض تقديم الخدمات الطبية لهم فقط، بل يضعون المرضى في مواجهة المزيد من المتاعب والتوتر من خلال إهانتهم أو تهديدهم.

ووفقًا لتقرير “هيومن رايتس ووتش” لعام 2021، فإن “المادة 394 من قانون العقوبات العراقي تجعل من غير القانوني ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وهو انتهاك للحق في الخصوصية الذي يضر بشكل غير متناسب بالمثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي ومتغيري/ات النوع الاجتماعي (الترانس) (مجتمع الميم)، وكذلك بالنساء بحيث يمكن اعتبار الحمل دليلاً على الانتهاك. ولا يحظر القانون الجنائي العراقي صراحة العلاقات الجنسية المثلية، لكن المادة 401 من قانون العقوبات تنص على حبس أي شخص يرتكب “عملاً مخلاً بالحياء” في الأماكن العامة لمدة تصل إلى ستة أشهر، وهي مادة غامضة يمكن استخدامها في استهداف الأقليات الجنسية والجندرية.

إقرأوا أيضاً: