fbpx

“القرشي”… هدية أردوغان إلى بايدن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجب أن نغبط أنفسنا على نجاح عملية قتل القرشي وسلفه البغدادي، لكن الحدثين لم يقعا في سياق حرب الأخيار على الأشرار. وربما هنا تصح أيضاً مقولة “اللهم اضرب الأشرار بالأشرار”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عبرت ذات يوم الحدود التركية متوجهاً إلى محافظة إدلب السورية عبر بلدة أطمة التي قتلت فيها قبل أيام قوة كوماندوس أميركي “خليفة” أبو بكر البغدادي، زعيم “داعش” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، واسمه الحقيقي عبدالله قرداش، وهو عراقي تركماني من مدينة تلعفر في شمال العراق، وهو على ما يبدو مهندس عملية الإبادة التي تعرض لها الأيزديون في جبل سنجار عام 2014.

كنا في حينها ثلاثة صحافيين، عليا إبراهيم وفادي زيدان وأنا، وكنا في طريقنا إلى بلدة سراقب، وفي المرحلة التي بدأ فيها السلاح يتسرب إلى بؤر الاحتجاجات في سوريا. الرحلة تمت عبر مهرب تركي دفعنا له مئة دولار أميركي، وليس بعيداً من أعين حرس الحدود الأتراك. عبرنا في وضح النهار كروم زيتون ترتفع فوقها أبراج مراقبة يجلس فيها جنود أتراك، إلى أن وصلنا إلى بلدة أطمة. الرحلة لم تكن مرهقة على رغم ما كنا نحمله على ظهورنا من معدات تصوير وثياب. أما المهرب، فكان من أهل بلدة الريحانية التركية المحاذية، ولم يكن يبدِ قلقاً حين كنا نقترب من نقطة مراقبة للجيش التركي. وفي إحدى اللحظات انتظرنا حتى يشيح الجندي بوجهه عن النقطة التي سنعبرها، فطال انتظارنا وما كان من المهرب إلا أن طلب منا متابعة سيرنا وقال إن الجندي سيتجاهلنا من تلقائه!

قتل “خليفة” البغدادي ليس بعيداً من منطقة عبورنا. الجنود الأتراك ما زالوا إلى اليوم في مواقعهم، لا بل إنهم توغلوا في الأراضي السورية في غيابنا. فعلى الجانب الآخر من هذه الطريق ثمة طرق مفضية إلى بلدة عفرين التي تسيطر عليها تركيا بالكامل. القرشي قُتل على بعد 800 متر من الحدود، أي أننا توغلنا من تركيا إلى سوريا أكثر مما توغل هو. إنه هدية صغيرة قدمها رجب طيب أردوغان إلى جو بايدن! لا يمكن أن تغير طائرة أميركية هي جزء من منظومة حلف شمال الأطلسي على حدود دولة هي عضو في هذا الحلف من دون تنسيق. لكننا هنا أمام مشهد يتعدى التنسيق. 

لكن أردوغان سبق أن أهدى صديقه، سلف بايدن، دونالد ترامب، هدية أثمن. فليس بعيداً من أطمة وفي محافظة إدلب نفسها أقدم دونالد ترامب على قتل أبو بكر البغدادي. والأرجح أن البغدادي كان اصطحب معه إلى إدلب مساعده وخليفته أبو إبراهيم الهاشمي القرشي الذي سماه أهله في غفلة من دولة الخلافة عبدالله قرداش! وأردوغان الذي خص الرئيس السابق بهدية أثمن بسبب ما يكن الرجلان لبعضهما بعضاً من ودٍ ومن تواطؤ على خلق الله، لم يخطئ حين بادر وأهدى الخلف ما أهداه، ذاك أن الأخير استقبل الهدية وزف البشرى للشعب الأميركي.

تردنا خطوات أردوغان، وديبلوماسية الهدايا إلى دور تركيا في ولادة “داعش” وفي تسميم الثورة السورية. فأمام أعيننا كان “المجاهدون” يتقاطرون من كل أصقاع العالم إلى المطارات التركية ومنها إلى تلك الحدود التي تحولت البلدات فيها إلى مضافات أين منها مضافات “القاعدة” في مدينة بيشاور الباكستانية على الحدود مع أفغانستان. وأردوغان اذ حول أمراء “داعش” إلى هدايا يوزعها تبعاً لمواقع الرؤساء الأميركيين ولرعايتهم مصالحه، لا يملك مفتاح “الخلافة” ولا يضبط حدودها. واللعب هنا أثمانه دماء دفعها السوريون بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية الأتراك. وها هو أردوغان يواصل رقصه الدموي ويتيح للبغدادي ولخلفه الوصول إلى إدلب، هناك حيث يقيم اليوم أكثر من  4 ملايين سوري معظمهم لاجئون هاربون من جور نظام دمشق، فيعزز صورة إدلب بوصفها “بؤرة إرهاب” لا بأس بأن تستهدفها الطائرات الروسية.

بلدة أطمة التي استضاف فيها أردوغان “الخليفة” تضم مخيماً كبيراً للاجئين، ومستشفى ميدانياً. هذه الحقائق ليست جزءاً من حسابات السلطان، تماماً كما أنها ليست جزءاً من حساباته عمليات جرف زيتون عفرين من قبل فصائل سلحها وأرسلها لغزو البلدة. وها هو اليوم يباشر جرفاً من نوع آخر، فحكومته بصدد إعادة 300 لاجئ سوري في تركيا إلى سوريا، حيث ستستقبلهم سجون النظام ومسالخه! 

جو بايدن بحاجة إلى هدية أردوغان في ظل تراجع مؤشراته الانتخابية الداخلية، والقول بأن العملية هي خطوة لاستيعاب استيقاظ التنظيم في سوريا والعراق ينطوي على مبالغة، ذاك أن بؤر الولادة الجديدة بعيدة من أطمة، وهي هناك في الصحراء التي تصل سوريا بالعراق.

 يجب أن نغبط أنفسنا على نجاح عملية قتل القرشي وسلفه البغدادي، لكن الحدثين لم يقعا في سياق حرب الأخيار على الأشرار. وربما هنا تصح أيضاً مقولة “اللهم اضرب الأشرار بالأشرار”.   

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.