fbpx

القضاء : آخر ضحايا سلطوية قيس سعيد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تونس مقبلة على أزمة جديدة، عنوانها تفريغ القضاء من وظيفته، عبر حملة ممنهجة استغل مطلقها انعكاس عملية الانتقال على القضاء، بكل سلبياتها وأزماتها، للانقضاض على آخر مؤسسة تعمل دون خضوع لتعليمات الرئاسة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عشية التظاهرات الداعية لإحياء ذكرى اغتيال المعارض اليساري، شكري بلعيد، فجّر الرئيس التونسي المشكوك بشرعيته، قيس سعيد، مفاجأة تتعلق بالقضاء، إذ أعلن عن حلّ المجلس الأعلى للقضاء، واعداً بمرسوم رئاسي بهذا الخصوص. 

توقيت الخطوة ليس عبثياً، لدى رئيس شعبوي مثل سعيّد، يترصد الأزمات والمشاكل، ليبني مبررات، “تشرعن” سلوكه السلطوي، أمام الرأي العام. فبلعيد الذي تسبب اغتياله من قبل إسلاميين عام 2013 بأزمة سياسية انتهت بانتخابات، بقيت قضيته بدون أحكام قضائية، وهو، ما يبدو، ذريعة ممتازة لسعيد، للانقضاض على القضاء، وشلّ قدرته على الرقابة.

هذا التكنيك الشعبوي ليس جديداً على الرئيس، الذي استغل في السابق، أزمات الاقتصاد وكورونا والفساد والمحاصصة، ليعطل عمل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، تمهيداً لبناء حكم الفرد الواحد واختراع بدعة الاستفتاء الالكتروني. البرلمان جرى حله، وشُكلت، حكومة جديدة على مقاس قصر قرطاج، وتأتمر بأوامره، ولم يبق سوى القضاء، كسلطة ثالثة، خارج سيطرة سعيد وطموحاته السلطوية. وهو ما دفعه إلى شنّ حملة ضد المؤسسة القضائية، فلم يفوت مناسبة إلا واستغلها لتوجيه انتقادات لاذعة للقضاء، ثم لاحقا توج حملته، التي تخللها توجيه تهديدات للقضاة في الفضاء الافتراضي، بمرسوم وضع فيه “حداً للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء”، والتي يتعلق بعضها ببدل وقود. 

مآخذ سعيّد على القضاء، هي “تأخره” في إصدار أحكام بقضايا الإرهاب والفساد، وأيضاً خدمته “أطرافا معينة بعيدا عن الصالح العام”، وبقدر ما إن هذه المآخذ تحتمل الجدل والأخذ والرد، بقدر ما إن الرئيس يفصلها عمداً، عن واقع الفترة الانتقالية، حيث ضم الانتقال التدريجي من الثورة إلى الديمقراطية، قوى تمثل النظام السابق، أعادت إنتاج نفسها، ورجال أعمال يسعون لتمرير مصالحهم عبر الأحزاب السياسية. ولأن، الانتقال يفترض استيعاب الجميع وتمثيلهم، ضمن تداول السلطة، فقد تشكلت شبكة مصالح جديدة ابتلعت القوى الحزبية بمختلف تلاوينها، وكذلك حركة النهضة، فبات الجميع يدورون في فلك واحد، ويشتركون في تراكم الأخطاء حيث تفشى الفساد وتردى الوضع المعيشي، وباتت عملية الانتقال تستهلك نفسها، انتقال لأجل الانتقال، وليس للعبور إلى مرحلة مختلفة كان يرجوها التونسيون عند قيام ثورتهم ضد زين العابدين بن علي. عملية الانتقال فُصلت عن خدمة المجتمع، وصارت، ملعباً لصراعات القوى السياسية ضمن شبكة المصالح الجديدة.

إذا، الخطأ في عدم تطوير عملية الانتقال، وصوغها بحيث لا تتكلس وتصبح هدفا لذاتها، فيما تنمو في ظلها شبكات مصالح برعاية معظم الأحزاب ومشاركتها. سعيد الذي كان جزءا من هذا الاستعصاء، بدون صلاحيات تمكنه من حصة وافرة من الكعكة، لا يريد أن يربط أزمة القضاء، بأزمة الانتقال. هو يسعى لتجريدها عن أي واقع سياسي، يتعلق بالفترة الماضية، وتحويل القضاة إلى “أشرار” من الضروري “تطهير” البلاد منهم. 

و”الأشرار” و”التطهير” ليستا المفردتين الوحيدتين، اللتين يستعيرهما سعيد، من قاموس الشعبويين. لدى الرئيس الذي يتحدث بفصاحة مضجرة، لغة كاملة، تؤبلس المعارضين وتشيطنهم، أمام الرأي العام، والقضاة هم آخر الضحايا، ليس لأنهم يتأخرون في إصدار الأحكام و”يشترون مناصبهم”، ويعملون لصالح جهات (لم يسمها)، بل لأنهم ليسوا مطواعين للرئيس وخاضعين لأجندته السلطوية. سعيد يريد القضاء أداة يستخدمها ضد خصومه المعارضين لإجراءاته الانقلابية، وعليه، لابد من حل المجلس الأعلى، وتعيين قضاة، يعملون ضمن تعليمات قصر قرطاج في مخالفة للدستور الذي لا يتورع الرئيس عن إيجاد مبررات عند اتهامه بنسف مواده.

وقد انتقد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، قرار سعيد بحل المجلس، نافيا وجود أي آلية قانونية أو دستورية مشروعة تسمح للرئيس بذلك. واتهم سعيد، بتحريض المواطنين على المجلس والقضاة بعد أن دعاهم إلى التظاهر لحل المجلس.

تونس مقبلة على أزمة جديدة، عنوانها تفريغ القضاء من وظيفته، عبر حملة ممنهجة استغل مطلقها انعكاس عملية الانتقال على القضاء، بكل سلبياتها وأزماتها، للانقضاض على آخر مؤسسة تعمل دون خضوع لتعليمات الرئاسة. واختيار الرئيس، ذكرى اغتيال شكري بلعيد، لتنفيذ ضربته ضد القضاء، تحتمل تأويلاً، يشير إلى أن المستهدف من تدجين القضاء تمهيداً لاستخدامه ضد الخصوم سيكون حركة “النهضة” بشكل رئيسي. ما يعني أن سعيد لن يطيح بالقضاء فقط وإنما، بالحق في الوصول للعدالة في قضية شكري بلعيد، فحتى لو كانت النهضة متورطة باغتيال اليساري المعارض، فإن إحكام قبضة الرئيس على القضاء، سيجعل أي حكم عرضة للشكوك وخاضع لتفسيرات تتعلق بتصفية الرئيس لحسابات مع معارضيه، وليس معرفة من قتل من؟

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.