fbpx

الـ ABC ورهاب الحجاب : إعادة تدوير التمييز

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمتد سياسات منع الحجاب من منع المحجبات من العمل في القطاع العام إلى السماح لشركات القطاع الخاص بمنعه أيضا كأن الدولة تضع المحجبات في خانة النساء غير الكفوءات اللواتي لا يستحققن الفرص المتاحة للنساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعاد طلب مجمع ABC التجاري من شركة مستأجرة لديه، اقالة إحدى موظفاتها لارتدائها الحجاب، إلى الواجهة إشكالية لبس الحجاب كـ”قرار شخصي”، وكرمز مربوط بالنساء المسلمات في عالم ينتشر فيه رهاب الإسلام.

بدا الإقصاء التعسفي للموظفة استهدافاً مضاعفاً بذريعة أن المجمع التجاري يحاذر المظاهر الدينية، وهي حجة لا تستقيم في بلد تنخره الاعتبارات الدينية والطائفية. والأهم أن نصرة النساء في امتلاك أجسادهن وقرارهن الحرّ لا تتجلى عبر منع موظفة من العمل بسبب ملبسها.

تنتقل سياسات الإقصاء والتنميط الممنهج من الجهة المنمطة، أي الدولة، إلى الجهة التي تعيد إنتاج هذه السياسات وتحولها إلى سلوكيات يومية.

فرنسا والحجاب

ربما تكون أكثر الدول شهرة بسياساتها المرتبطة بالحجاب هي فرنسا التي سعت منذ العام الماضي الى منع الحجاب بذريعة الأسس العلمانية التي تقوم عليها الدولة التي تقول إنها تصون الحريات العامة. على خطاها، أقدمت دول أوروبية اخرى على منع الحجاب جزئيا تارة، وكلياً طوراً، في بعض المؤسسات. تتصاعد هذه الآراء في الغرب بهدف “حماية المجتمعات المحلية” من خطر “المجتمع المضاد” الذي ينبثق عن الاقلية المسلمة التي “تسعى إلى السيطرة على أوروبا” كما تقول أدبيات المناهضين للهجرة الاسلامية. تمتد سياسات منع الحجاب من منع المحجبات من العمل في القطاع العام إلى السماح لشركات القطاع الخاص بمنعه أيضا كأن الدولة تضع المحجبات في خانة النساء غير الكفوءات اللواتي لا يستحققن الفرص المتاحة للنساء اللواتي لا يرتدين الحجاب. 

سرعان ما انتقلت هذه السياسات، ومقارباتها الدونية للنساء واجسادهن، من أوروبا إلى دول العالم تحت حجج جديدة تناسب كل مجتمع، بينها الcultivation theory أو نظرية الغرس الثقافي التي تقتضي رؤية شريحة من الناس من منظار نمطي، فتصبح الصورة تمثل الواقع بالنسبة للمتلقي فيمسي الحجاب “خطرا” في كثير من المجتمعات فقط لأنه يصور على أنه كذلك، وخلعه يعني التحضر والصفات المرفقة به. مثلا، يمنع الحجاب على أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات مصرية (كالجامعة الأميركية وجامعة القاهرة). كما في طاجكستان، اقرت الحكومة تشريعات تطلب عبرها من النساء “الالتزام بالملابس والثقافة الوطنية التقليدية” التي لا يشكل الحجاب جزءا منها. كما شكلت تشاد قدوة لدول افريقية تقع بجوارها بعد منعها ارتداء الحجاب والنقاب في الأماكن العامة اثر هجوم ارهابي تستر خلاله منفذوه بالبرقع لتنفيذ عمليتهم، ليأتي منع الحجاب وسيلة لمنع اي هجوم ارهابي. من حسن الحظ ان الارهابيين لم يستعملوا تفاحة لتنفيذ عمليتهم الانتحارية وإلا لكان نشأ جيل كامل من التشاديين لا يعرفون طعم التفاح! 

إقرأوا أيضاً:

من هنا بدا ربط مفهوم البرقع أو الحجاب بمفهومي التطرف الاسلامي والارهاب.  وجرى اعتباره ظاهرة منبثقة عن الجماعات الإرهابية المنادية بالاسلام والحاملة لرايته والتي تأخذ على عاتقها “حمايته”. والحكومات التي تدعي حماية مواطنيها من التطرف فتجزئهم الى فئتين: واحدة تكشف عن رأسها وعن وجهها فلا تشكل خطرا على المجتمع، وأخرى اختارت الحجاب أو النقاب فوقعت بين طيات سجلات المشتبه بهم الذين يشكلون خطرا على المجتمع.

ويقع ثقل هذا الأمر كله على النساء المسلمات، اذ لا وجود للباس موحد لدى الرجال في الإسلام، كما ان النساء في الديانات الأخرى، يمكنهن التخلص من الرموز الدينية التي لا تدخل في صلب اديانهم، بينما يعتبر خلع المسلمة لحجابها خروجاً عن التعاليم الدينية الاسلامية.

تتحول سياسات الدولة النمطية والمهمشة لشريحة من الشعب، عندما تطبق على المدى البعيد، من مجرد تشريعات وقوانين مكتوبة الى سلوكيات يمارسها المواطنون داخل حدود الدولة وخارجها. وتنتقل سياسات الإقصاء والتنميط الممنهج من الجهة المنمطة، أي الدولة، إلى الجهة التي تعيد إنتاج هذه السياسات وتحولها إلى سلوكيات يومية. هكذا يأخذ مواطنون دور الدولة لممارسة القمع ضد الفئات التي تصنفها الدولة “خطيرة على المجتمع”. 

تمسي سلوكيات التهميش تطبيقا للقوانين المقرة في المجلس البرلماني. أو للـ”أعراف السياسية” التي تكرس بالخطابات داخل الحزب أو خلال فترة الانتخابات أو عبر وسائل الاعلام التي تستعمل أرقاما، تستخدم في السياق الخاطئ، للتهويل وشن خطاب كراهية ضد الفئات المستهدفة. بينما تتجاهل وسائل الإعلام الدور الإيجابي الذي تلعبه هذه الفئات في بناء الاقتصاد وتلبية حاجته من اليد العاملة. والاسوأ، تجاهل استحالة تحقيق اندماج اجتماعي لهذه الفئات إذا ما نظر اليها كجزء مشكل من المجتمع وأحد المستفيدين من العقد الاجتماعي فلها حقوقها كما عليها واجباتها. والاندماج هدف مستحيل في المجتمعات المقسمة إلى “الجزء الخطر” والجزء الاخر التي يجب حمايته. بل إن هذا التقسيم يولد “الجزء الخطر” الذي يتوهم وجوده اذ ينتزع حقوقه اذا ما اعطيت له. 

إقرأوا أيضاً: