fbpx

 سأحدثكم عن “ريَّان”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حازت مشهدية “ريَّان”، ومن لحظة سقوطه في البئر تفوقاً عاطفياً وعينياً أكثر من اترابه ونظرائه من ضحايا الحروب . وهو تفوق يبحث عن شروطه الملتبسة بسؤال جوهري، لماذا استحوذ “ريَّان” على مشاعر أكثر مما يقتضي الأمر عينه مع قتل الأطفال في سوريا واليمن مثلاً؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ريَّان” طفل مغربي سقط في بئرعميق بالقرب من مدينة شفشاون في شمالي المغرب. و”ريَّان” هو تِرْبٌ للطفل “أيمن” الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية في ثمانينات القرن الماضي في جنوبي لبنان، وسرد وقائع طفولته المقتولة الشاعراللبناني  شوقي بزيع في قصيدة”أيمن”.

 و”ريَّان” أيضاً هو نظير لأطفال كثر قتلتهم الحروب التي ناءت وتنوء بها ساحات العرب، لا سيما في سوريا وفلسطين واليمن. لكن “ريَّان” ساد مشهداً عربياً جمعياً من باب التعاطف، رغم أن طفل البئر لم تصنع سيرته آلة الحرب.

 حازت مشهدية “ريَّان”إذن، ومن لحظة سقوطه في البئر تفوقاً عاطفياً وعينياً أكثر من اترابه ونظرائه من ضحايا الحروب . وهو تفوق يبحث عن شروطه الملتبسة بسؤال جوهري، لماذا استحوذ “ريَّان” على مشاعر أكثر مما يقتضي الأمر عينه مع قتل الأطفال في سوريا واليمن مثلاً؟ ، مع اعتبارأن أطفال فلسطين “ريَّانيون” يلامسون الوجدان العربي كضحايا لعدو (افتراضي ) للعرب، وهو إسرائيل؟

    من أطفال غوطة دمشق الشرقية المختنقين موتاً بغاز السارين الذي ألقته طائرات النظام السوري عليهم في 21 آب/أغسطس من العام 2013، إلى أطفال “صعدة” المقتولين مؤخراً بطائرات (التحالف) الذي يقوده النظام السعودي حرباً على اليمن، وما بين التاريخين من طقوس موت يتحِّد فيها أطفال البلدين، كان أغلب الإعلام  العربي المرئي يمارس انفصاماً أخلاقياً وإنسانياً مُداناً بدينونته للأنظمة التي تنكَّبت المقتلتين، وهو انفصام لم يكن بحاجة إلى مشاهد الطفل المغربي لكي يتقصاه المرء امام الطفولة المسحوقة بحروب الأنظمة والجماعات في كل من سوريا واليمن. لكن العصف الوجداني الكبير في قضية الطفل “ريَّان”، والآتي من سياق خارج عن السياقات الدموية لأطفال الحروب، منح هذا الإعلام مساحة للتكاذب الأخلاقي حيناً، وللتواطؤ الخبيث على الإنحياز المعلن لآلة القتل، هنا وهناك، حيناً آخراً.

  لكن تعاطفاً كالذي باشره هذا الأعلام المرئي المشطور، لم يلبث أن تماهى بخفر مع انفصامه الأخلاقي. “أين هم  المتعاطفون مع ريان من قتل أطفال اليمن”؟ ، يسأل الممانع، وهو سؤال يجد ردَّه عند المتلقي بسؤال مبستر عن الأول، “أينكم من قتل  أطفال سوريا؟”، وهذا دون تكلُّف الطرفان مراجعة أخلاقية ذاتية تخفف من انفصامهما ، فنصير والحال أمام سؤالين يبحثان عن إجابتهما في انسداد أخلاقي هو بالضرورة من شيم السائِلَين.

 “موت إنسان واحد هو مأساة، بينما موت الملايين مجرد إحصاء عدد”: يقول الزعيم السوفيتي الراحل جوزيف ستالين، والأخير بالمناسبة ، هو نموذج اقتبسه الكثير من حكام أنظمة الموت في بلاد العرب، وفي العالم، ومقولته على الأرجح هي رؤية جامحة للقتل لا تزال تجد ما يسندها في راهن هذا الشرق البائس من تلاشي للبعد الإنساني أمام موت جمعي غالباً ما استوى فوقه حكام الأنظمة “الستالينية”.

  مات “ريَّان”، وهذا مآل حزين، لكن موته يُضفي على مقولة “ستالين” مآلها الراهن عند اللبنانيين المتَّحدين في مأساته، والمشطورين أمام الموت الكبير الذي جثم فوق عاصمتهم في الرابع من آب من العام 2020. 

  في الخامس من ايلول من العام 2020، أعلن الفريق التشيلي الذي حضر إلى لبنان لمساعدة فرق الإنقاذ اللبنانية، وعند انتهاء البحث الميداني، عدم العثور  على “حي” اشتبهت كلبة مدربة بوجوده تحت أنقاض أحد الأبنية التي دمرها انفجار مرفأ بيروت. حينها كان حال الكثير من اللبنانيين كحال من ترقبوا نجاة “ريَّان”، لكن نجاة إنسان واحد حينها، تبدَّد بعد ثلاثة أيام(وليس أربعة)، ولتتكثف بتلاشي ذلك الأمل، مأساة كانت الكلبة التشيلية”فلاش” ضنينة  بالتخفيف من وقعها علينا أكثر من سلطة حاولت، ولا تزال، ترى تلك المقتلة الكبيرة بعين”ستالين”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.