fbpx

النساء والأقليات الجندرية في الإنتخابات
اللبنانية بين المعارضة والموالاة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتقال النساء من العمل وراء الكواليس الى اخذ أدوار “البطولة” يتضمن طريقا طويلا معبدا بتحديات لا يواجهها الرجال عادة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ساحة البرج، في مطلع الخمسينات، امرأتان تنتحبان في صلصال من نحت يوسف الحويك الذي نحت حاليهما تحت عنوان “الباكيتان”. قبل أن يستعاض عن التمثال بآخر من نحت الإيطالي “مذكوراتي” ليتخذ الأول مركزا جديدا في متحف سرسق بعد اتهامه بالخنوع. على بعد بضعة أمتار من “الباكيتان”، حشدت مظاهرة من غالبية نسائية أمام سينما روكسي للمطالبة بحقوق النساء السياسية. لتحقق مطالبهن بعد عام في ١٩٥٣ بتشريع حق المرأة بالترشح والاقتراع. بالرغم من حصول نساء سويسرا الشرق على حقوقهن السياسية قبل أولئك في سويسرا الغرب، إلا أن ثنائية المشهد في شوارع بيروت، بين التظاهرات الحاشدة والصراعات الملقاة جانبا، لازمت حال النساء في السياسة إلى يومنا، ملزمة النساء ببذل ضعف المجهود وسط تغييرات المشهد اللبناني بين تجاذبات الاحزاب التقليدية التي تعلب النساء بأدوار جندرية أو تستخدمها وسيلة تعبد طريق حيازتها على مقاعد أكثر، والمعارضة التي تطرح نفسها بديلا حاملا للأفكار التقدمية التي تتيح هامش حرية أوسع للمشاركة النسائية المتحررة من قيود الأدوار الثانوية، فكيف يحاول المعسكر الثاني تقديم بديل عن ركود المشاركة النسائية بالسياسية؟ 

 الأدوار التنميطية 

تحضر المرأة كعضوة في الأحزاب التقليدية بنسبة ضئيلة وتتخذ في الحيز العام أدوارا مشابهة لدورها في المنزل فتنقل الأحزاب صورة “المرأة الجميلة” كدعاية سياسية لجذب المقترعين. أو تحصرها بأدوار تتطابق مع الرؤية النمطية للنساء. أدوار “لطيفة” مثل توزيع المساعدات أو تكريم أعضاء الكشاف الحزبي. أما في احزاب المعارضة فتتخذ دور المرشحة التي، ان فازت، تواجه خطر سرقة مقعدها بينما يراقب حزبها عملية اللعب بالنتائج المعلنة وسط عجزه عن احداث أي تغيير كما حصل مع جمانة حداد إبان الانتخابات الماضية.  توضح زينة الحلو، عضو مؤسس في حزب “لنا”، أن “الأدوار النسائية في الأحزاب الحاكمة تتجلى بإدراج النساء في قطاع المرأة الذي يمثل مقاربة تقليدية لحقوق المرأة عبر فصل قضاياها عن قضايا باقي أعضاء الحزب وهي نظرة معاكسة لمبدأ المساواة الذي يقوم عليه حزب لنا. كما يعيد قطاع المرأة انتاج دور المرأة فتطبخ العشاء لأعضاء الحزب في عيده كما تطبخه يوميا في المنزل. مستعيدة الدور الممارس في العائلة البيولوجية الضيقة ومستبعدة الأدوار القيادية في العائلة الحزبية الواسعة. نحارب هذا الفصل في لنا بكوتا نسائية وكوتا شبابية تضمنان حضور النساء والشباب وأصحاب الهويات الجندرية المغايرة في الهيئات الادارية ومراكز صنع القرار”. 

إقرأوا أيضاً:

خلق مساحة آمنة

 انتقال النساء من العمل وراء الكواليس الى اخذ أدوار “البطولة” يتضمن طريقا طويلا معبدا بتحديات لا يواجهها الرجال عادة. خوض “معارك في ساحة حرب ذكورية” يعني استخدام الاختلاف الجندري ضد المرشح. يعني تهميشاً في البرلمان أو تهديداً بالاغتصاب أو المقارنة مع رجال آخرين تبوؤا المركز ذاته وأبلوا أحسن فتكون المرشحة أو الوزيرة صفعة للنسوية وبرهانا على وهن النساء في العمل السياسي. لكن، بينما تسعى أحزاب المعارضة الى ابراز الهويات الجندرية كافة، تفشل بحمايتها خارج أطر التنظيم اذ تستحيل الحماية بمعزل عن السلطة القضائية التي تنفذ القوانين التي وضعها مجلس النواب الذي بالطبع لم يأخذ قضايا الاقليات الجندرية بعين الاعتبار مما يشكل حاجزا امام عمل هذه الاقليات ويخلق مساحة تتعرض فيها للتنمر والاقصاء. 

تضيف زينة عن مسؤولية أحزاب المعارضة باستقطاب النساء، “نسن ضوابط ضمن نظامنا الداخلي لحماية أعضاء الحزب من التمييز والتحرش بهدف خلق مساحة آمنة للأعضاء كافة. مثلا، التشجيع على التبليغ عن هذه الحالات الذي يؤدي الى الكشف عنها فيفتح تحقيق بالحالة بغية المعاقبة بالفصل أو التبليغ للقوى الأمنية”. كما توافق إحدى مؤسسات والرئيسة السابقة للنادي العلماني في جامعة القديس يوسف فيرينا العميل، على أهمية خلق بيئة حاضنة للنساء في المجموعات التغييرية:” أحد أهم أسباب استقطاب التلميذات للنادي العلماني هي تبني النادي أفكاراً تقدمية تسمح للنساء بالتعبير عن رأيهن بحرية تامة وبتبوّؤ مناصب قيادية إذ أن المنتسبين يثقون بالنساء ويصوتون لهن”. 

كما ترجع فيرينا، بتقارب بين الانتخابات الجامعية والنيابية، سبب امتناع النساء عن الترشح أو الفوز الى سيطرة المفاهيم الرجعية على وجود النساء في الوسط السياسي:” برغم وجود هذه العقلية، يبقى شق طريق النساء بالسياسة أصعب من الرجال بسبب صراعهن مع الذكورية وتعرضهن لمحاولات التهميش والإقصاء أو إستعمالهن كواجهة للعمل السياسي ريثما يمنعن من التنعم بفرصة تغيير حقيقية. “الزعيم” دائما يختار المرشحات فنمنع من أن نشهد وجوها نسائية تتفهم صراع المرأة. حتى النائبة الأولى، ميرنا البستاني، اكتسبت منصبها “بالتزكية” بعد وفاة أبيها إميل تاركا خلفا واحدا. ليس الهدف أن نرى نساء في البرلمان بل أن يكنّ وجوه تغيير. هكذا، يتقاطع تهميش النساء في أحزاب السلطة مع تهميش سائر النساء فيتوجب على أعضاء المجموعات التغييرية تشكيل ضغط على النساء من المعسكر الأول ليضغطن على القيادات الذكورية لترشح نساء”.  

التمثيل اللامجدي 

تولي المرشحة مركز قيادي بمعزل عن الوساطة السياسية لا يكسبها بالضرورة مساواة صوتها مع صوت نظيرها الرجل. اذ ان المشهد غير المألوف يجعل النساء والاقليات الجنسية حبيسة نظرة دونية تراهم غير أكفاء بتوليهم هذه المناصب اذ يقعون في تعميم الحساسية المفرطة المرفقة لهذا الجندر فينظر اليهم كفئات تقودها العاطفة مما يجعلها لا تصلح لاتخاذ مواقف حاسمة. او تفرض عليها الاحزاب التقليدية أخذ مواقف تحل مشاكل بسيطة كنقل أصوات اعضاء الحزب الى القيادات الذكورية أو تولي الشق الثقافي والنشاطات المتعلقة بالتوعية حول مواضيع يختارها القادة داخل إطار الحزب. حتى إذا ما نجحت بتولي منصب، تكافأ عليه “جماهريا” لتأييد الجمهور الى الحزب الذي “أوصلها للمنصب” لا لتأييده مشروعها أو دورها. كما يستخدمها الحزب الذي رشحها كدعاية لنسويته ودعمه “المساواة الجندرية”. لذا، التمثيل يوجد عبر الغاء ماهية الاقتراع وتسلق معارك النساء السياسية وايصال صوت المنتظمين من النساء فقط دون غيرهن.

يرجع المنظم السياسي في تنظيم “لحقي”، ماهر أبو شقرا، غياب دور فاعل للنساء في العمل السياسي في لبنان إلى “أسباب بنيوية متجذرة في طبيعة وتاريخ المجتمع اللبناني الذكوري، يسعى لحقي لحلها عبر فرض ٥٠% كحد أقصى لعدد المرشحين الذين يعرفون عن أنفسهم كرجال”. مؤكدا أن الكوتا ليست حلا كافيا لإنهاء التفاوت الجنسي فيضيف،” الكوتا تدرب المقترعين على رؤية وجوه نسائية ووجوه من عدة هويات جندرية تكتسب الثقة بجدارتها ويدعمها التنظيم بتمكين المنتسبات إلى صفوفه إعلاميا لتذويب الفروقات بين الجنسين وتدريب المرشحات من أجل إحداث تغيير وليس فقط لإثبات الذات بالفوز ثم الانسحاب كما فعلت نايلة تويني. كذلك يهدف التدريب إلى تعليم النساء والأقليات الجنسية التفاوض والحديث بطلاقة كما يعرفهم/ن على المصطلحات المستخدمة بالسياسة كي لا يعتمدوا الأسلوب الذكوري بالنقاش، المتمثل بالصراخ والابتزاز والترهيب”. 

كما يؤكد أبو شقرا على “انتقال سلوكيات الأب الى المرشحات/ين في أحزاب المعارضة فيتخذن/يأخذون دور الممثل عن النساء والأقليات الجندرية والمدافع عن حقوقهم/ن بينما يتوجب علينا كبديل أن نحارب السلوكيات الذكورية المتبعة في الأحزاب التقليدية لا أن نتماهى معها”. هكذا، نعود الى الادوار التنميطية المتلقية في العائلة النواة أو العائلة الممتدة وتشكيلها لجندر نسائي وآخر رجولي ينعكس على شتى جوانب الحياة منها الحياة السياسية التي نتلقى ديناميات القوة فيها كما نتلقاها في أطر علاقاتنا الحميمة. ونرى أن المشكلة بنيوية فعلا لذا تحتاج الى حلول بنيوية تعيد تشكيل تعاريفنا للنساء والرجال والخصائص المرفقة لكل منهما. الخصائص التي تحدد الأدوار فتضع الرجل زعيما عظيما والمرأة وراءه كما يتداول المثل الشعبي. 

ترشح النساء ليس كافيا 

إعادة التشكيل هذه تتطلب وجود قدوات نسائية ناجحة في عالم السياسة، لا اللواتي يدخلن المجال من باب المحسوبيات والتزكية الضيق بل من ينتخبن لجدارتهن. بيد أن الأحزاب كافة تفتح الباب لترشح النساء بنسب متفاوتة، إلا أن المشكلة تقبع بالإدلاء بالأصوات. مثلا، سجلت نسبة المرشحات للانتخابات النيابية الماضية رقما يعتبر قياسيا، خاصة بعد مرور تسع سنوات على الانتخابات النيابية التي سبقتها، ويبلغ ١١١ . إلا أن عدد اللواتي فزن بمقاعد نيابية سنة ٢٠١٨ بلغ ست نساء منهن نائبة واحدة عن تحالف مستقل. وهو عدد قياسي أيضا اذا ما قيس بعدد النساء في المجلس النيابي المنتهي الصلاحية المنتخب سنة ٢٠٠٩ البالغ أربع نساء. كما يفوق عدد النساء في سائر مجالس النواب المشكلة منذ عشرينيات القرن الماضي. الجدير بالذكر أن عدد النائبات الإجمالي بلغ سبعة عشر سيدة منذ سنة ١٩٥٣ منهن من “ورثن” المنصب. ليحرز لبنان مرتبة ١٤٣ من أصل ١٤٤ بتمثيل النساء في الحياة السياسية.

ترزح اللبنانيات تحت رحمة نوعين من الأحزاب السياسية لضمان حقهن الذي فشل بضمانه القانون وسائر الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان وشرعة حقوق الإنسان التي شارك بكتابتها: النوع الأول من الأحزاب أثبت فشله بالتمثيل النسائي منذ الاستقلال حتى اليوم. أما الثاني فما زال تحت التجربة أو شبه التجربة المهددة بإلغاء الانتخابات أو، في أحسن الأحوال، تأجيلها أو المس بنزاهتها عبر فبركة النتائج أو “إضاعتها عبر الحدود” أو تجييش الإعلام التقليدي لمصلحتها. إذا تمكنت المعارضة اللبنانية من النجاة من سيطرة الأحزاب التقليدية على عملية الاقتراع، يبدأ دورها بإثبات البديل الذي تسعى لتقديمه، على الأقل في الشق الجندري، بمحاربة أخطبوط النظام المهمش للنساء والأقليات الجندرية. هل تبني المعارضة دولة تضمن المساواة الجندرية أم تكتفي بإظهار وجوه جديدة والتبليغ عن حالات التمييز الجندري للقوى الأمنية كي تأخذ العدالة مجراها؟ 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.