fbpx

السلاح المتفلّت في العراق يستهدف الجسم القضائي:
مصداقية الدولة على المحكّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خمسة عشر رصاصة كانت كفيلة بإيقاظ الحكومة العراقية والسلطة القضائية من سباتهما العميق، بعد ان استقرت في جسد قاضي مكافحة المخدرات في محكمة استئناف مدينة ميسان جنوب العراق، لتقرع جرس الإنذار حول توجه عصابات المخدرات، نحو التصفية والقتل في حال التعرض لهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الخامس من شباط/فبراير 2022 أقدمت مجموعة مسلحة تنتمي لعصابات المخدرات على إطلاق النار على القاضي احمد فيصل الساعدي بالقرب من احدى دوائر وزارة العدل في مدينة ميسان ليردوه قتيلا على الفور. والساعدي وفقا لزملائه واحد من ابرز القضاة الذي عملوا في مجال مكافحة المخدرات والقبض على متهمين وتفكيك شبكات التهريب. وان تعرضه للتصفية بهذه الطريقة  يكشف مستوى التنامي الذي تشهده تجارة المخدرات في البلاد وقوة الأشخاص الذين يقفون خلفها، وتعد السلطة القضائية واحدة من ابرز السلطات في البلاد التي يعول عليها الناس في حمايتهم وانقاذهم من خطر السلاح المنفلت.

محافظة ميسان التي تقع جنوب العراق، يتجاوز عدد سكانها مليون ومائة الف نسمة وتعد واحدة من اهم المحافظات النفطية بعد مدينة البصرة فضلا عن امتلاكها موقعاً جغرافياً مميزاً فهي حدودية مع الجارة ايران وتمتلك منفذا بريا ويسمى منفذ الشيب، نسيجها الاجتماعي والديني متنوع من المسلمين الشيعة والسنة والصابئة واليهود والمسيحيين على الرغم من ان المكونين الأخيرين لم يبق منهما الا القليل. وكانت هذه المحافظة مسرحا للعمليات العسكرية ابان الحرب العراقية الإيرانية لثمان سنوات من عام 1980 وحتى 1988 وتمتلك مسطحاً مائياً يسمى بالاهوار وتعرض للتجفيف مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد أن أصبح ملاذا آمناً للمجاميع المعارضة لحكم صدام حسين آنذاك، وبعد عام 2003، مع دخول القوات الامريكية للبلاد اصبحت ميسان تحت سلطة القوات الأمنية البريطانية المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية.

وتعد واحدة من اهم الأماكن لتهريب المخدرات وفقا لمختصين اذ تسيطر على المدينة المليشيات المسلحة، التي تتقاسم السلطة بين عصائب أهل الحق التابعة لقيس الخزعلي وسرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. ويغلب الطابع العشائري على المدينة، لذا دائما ما تشهد نزاعات مسلحة بين العشائر تصل الى استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة. كما تشهد تفصيات سياسية بين الجهتين السياسيتين المسيطرتين أمنياً على المدينة (عصائب أهل الحق والتيار الصدري) وينتمي محافظها علي دواي الى التيار الصدري وتسلم رئاسة المحافظة لدورتين.

سبق حادثة مقتل القاضي بأيام قليلة مقتل ضابط في الشرطة العراقية وسط المدينة ذي صلة بميليشا عصائب اهل الحق وهو اخ لشقيقين منتميين إلى العصائب تم قتلهما اثناء تظاهرات تشرين، وطالت الاتهامات مجموعة من سرايا السلام بالوقوف وراء هذه الجريمة.

على خلفية مقتل القاضي وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتشكيل لجنة امنية عالية المستوى للتحقيق في الحادث مكونة من وزير الداخلية عثمان الغانمي ورئيس أركان الجيش وعدد من كبار الضباط الذين حضروا بمواكبة أمنية كبيرة إلى المحافظة لمتابعة مجريات التحقيقات. وحمّل مجلس القضاء الأعلى في العراق الأجهزة الأمنية وقيادة العمليات العسكرية في ميسان مسؤولية حادثة الاغتيال وشكلت أيضا لجنة قضائية للتحقيق بالحادث الذي وصفته بـ”الإرهابي” ورصدت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى كشف مرتكبي جريمة الاغتيال.

عصابات المخدرات التي تمتلك القوة اما تكون مرتبطة ببعض الأحزاب السياسية او لديها ارتباطات بجهات نافذة في الحكومة، لهذا تكون محمية.

رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لمّح عبر تغريدة له على تويتر، إلى أن عمليات التصفية الجسدية لرجال الامن والقضاء والمواطنين تقوم بها جهة تعرفها الأطراف جميعا بحسب ما كتبه، وكأنه يبين ان من قام بهذه الحادثة ومثيلاتها لديهم ارتباط بجهات سياسية، والقوات الأمنية غير قادرة على مجاراتهم او تطويقهم والقبض عليهم.

مصادر امنية كشفت ان القوى الأمنية التابعة لمحافظة ميسان تمكنت خلال العام 2021 من القبض على 539 متهماً بتجارة المخدرات وتعاطيها، فيما أعلنت شرطة مكافحة المخدرات في العراق في وقت سابق عن تمكنها من القبض على اكثر من 17 الف متهم ومتعاط بالمخدرات منذ بداية عام 2020 وحتى نهاية تشرين الاول 2021 في عموم المحافظات العراقية وضبط أكثر من 900 كيلوغرام من المواد المخدرة التي تضم الكريستال والهيروين والكوكايين وغيرها وأكثر من 19 مليون قرص مخدر.

الإجراءات الامنية التي اتخذها الكاظمي تضمنت تعزيز المحافظة بقوة عسكرية جديدة وتشكيل قيادة عمليات عسكرية مستقلة بها تحت عنوان قيادة عمليات ميسان بعد ان كانت تحت امرة قيادة عمليات سومر التي تشرف على أربع محافظات جنوبية. كما جرى تكليف ضابط رفيع برتبة لواء ركن يتولى مهام الاشراف والمتابعة الأمنية ومكافحة الجريمة في المحافظة.

المتخصص في جغرافية الجريمة الباحث علي العتابي يجد ان ميسان هي واحدة من الممرات البرية الرئيسية لتجارة المخدرات في العراق اذ انها تضم طرق برية تسيطر عليها جماعات متمرسة في تهريب المخدرات من ايران الى العراق وهناك معلومات تقول بان عصابات المخدرات والمتاجرين بها يملكون نفوذا على مناطق واسعة متسلحين بقوة السلاح وضعف سلطة الدولة وترهيب منتسبي الاجهزة الأمنية.

ويرى العتابي ان جهوداً تبذل من قبل القوات الأمنية في مكافحة المخدرات وعصاباتها الا انها تصطدم بأكثر من عائق، فالأعراف وصلة القرابة وتسريب المعلومات وفضح اسماء الضباط والقضاة الذين يكافحون الجريمة بات هاجساً يؤرق الجميع. حتى ان الحكومة المحلية لا تستطيع مجاراة هذه المافيات التي قد يصل بها إجرامها الى تصفية القضاة.

الناشط المدني ياسر البراك يرى ان عصابات المخدرات التي تمتلك القوة اما تكون مرتبطة ببعض الأحزاب السياسية او لديها ارتباطات بجهات نافذة في الحكومة، لهذا تكون محمية. فضلا عن غياب المهنية والخبرة لدى الأجهزة الحكومية والأمنية في التعامل مع هذا النوع من العصابات. 

الباحث في الشأن السياسي علي البيدر يرى ان القضاء العراقي كان يعتقد انه في منأى عن خطر الجماعات المسلحة والإرهاب والسلاح المنفلت، ولم تكن في حسابات المنظومة القضائية ان هذا الخطر سيصل إليها ويهددها ويطال احد قضاتها، لذا عكست ردّة الفعل استنفاراً كبيراً لدى الجميع، لم يشهد العراق مثيلاً له طوال سنوات يتعرض فيها ناشطون ومتظاهرون واعلاميون وأصحاب رأي للاغتيال والتصفية على يد العصابات المسلّحة الخارجة عن القانون. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.