fbpx

قصة المجلس المركزي الفلسطيني
أو “شاهد ما شفش حاجة”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إضافة إلى عدم انتظام عقد الاجتماعات، والتحكم بالقرارات والخيارات، واختيار أشخاص على أساس الولاء، لا على أساس الأهلية، فإن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وحركة “فتح”، تحكمت، أيضاً، بتسمية أعضاء المجلسين الوطني والمركزي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تعد الاجتماعات الفلسطينية، وضمنها اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، تعني شيئاً مهماً لأغلبية الفلسطينيين، في الداخل والخارج، لاعتقادهم، بحكم التجربة، بأن لا جدوى من أي اجتماعات تدعو إليها القيادة أو الفصائل، فالقديم سيبقى على حاله، والأمر سيقتصر على إصدار بيانات أو قرارات، تكرر ما قبلها، وتظل حبيسة الأدراج، مع إعادة تدوير للشخصيات المحيطة بالرئيس الذي يسيطر على كل شيء، ويقرر في كل شيء، منذ 17 عاماً. 

ومعلوم أن الرئيس أطاح طوال السنوات الماضية بكل القرارات التي أصدرها المجلسان الوطني والمركزي، وضمنها قرارات وقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل. وكان قبل ثلاثة أعوام حل “المجلس التشريعي”، وقبل أقل من سنة ألغى العملية الانتخابية، وقوض كل الآمال التي عقدت على اجتماعات قادة الفصائل (في رام الله وغزة وإسطنبول وبيروت والقاهرة)؛ علماً أن شرعيته انتهت منذ 12 عاماً.

عموماً، فتلك مناسبة للحديث عن قصة “المجلس المركزي”، إذ تم اقتراحه أواسط الثمانينات، ليس لضرورة اقتضتها تطورات سياسية أو تنظيمية، وإنما بسبب رغبة القيادة الفلسطينية في تجاوز المجلس الوطني الفلسطيني الذي بات من الصعب، بحكم الانقسامات والاختلافات، ضبط أعضائه، أو توجهاته، بعد توسعته إلى مئات، ولاحقاً بات الغرض منه مجرد تكريس شرعية القيادة السائدة، أو تجديدها، أو تغطية توجهاتها وخياراتها، أو ترميم الشواغر فيها؛ وهو الغرض من عقده أخيراً.

لم تعد الاجتماعات الفلسطينية، وضمنها اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، تعني شيئاً مهماً لأغلبية الفلسطينيين، في الداخل والخارج، لاعتقادهم، بحكم التجربة، بأن لا جدوى من أي اجتماعات تدعو إليها القيادة أو الفصائل

هكذا، ربما يجدر التذكير بأن أخطر وظيفة أنيطت بهذا المجلس كانت تمرير اتفاق “أوسلو”، في اجتماع عقد في تونس (الدورة 12، تشرين الأول/ أكتوبر 1993)، بمعنى أن ذلك الاتفاق لم يقر في المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يفترض أنه الهيئة التشريعية الأساسية للحركة الوطنية الفلسطينية، علماً أن المجلس الوطني، المغيّب، عقد دورته الأولى بعد توقيع ذلك الاتفاق بثلاث سنوات (غزة 1996)؛ أي بعدما انتقل مركز الثقل في عمل القيادة الفلسطينية إلى السلطة، على حساب منظمة التحرير.

لتأكيد ما تقدم فإن اجتماعات المجلس المركزي لم تكن منتظمة، فبينما يفترض أنها مرة كل ثلاثة أشهر، بين دورتي اجتماعات المجلس الوطني، الذي يفترض أن يعقد دورة كل سنة، فإن القيادة الفلسطينية طيّرت كل تلك المواعيد، وباتت تتعامل مع الإطارين كفائضين عن الحاجة، أو لغايات استخدامية، لا سيما بعد تحولها إلى سلطة، ما تطلب تهميش منظمة التحرير. مثلاً، عقد الاجتماع الأول للمجلس المركزي في الداخل في مناطق السلطة (الدورة 13) عام 1999، أي بعد ستة أعوام على سابقه وعلى إنشاء السلطة، إذ دعي للاجتماع أربع مرات (من أيلول/ سبتمبر 1999ـ أيلول 2000)، للتصدي للاشتباكات السياسية الحاصلة بين السلطة وإسرائيل، التي كانت تملصت من استحقاقات المرحلة الانتقالية للتسوية. أيضاً، وفي حين عقد المجلس المركزي دورته الـ27 عام 2015، إذ به لا يدعى للاجتماع إلا عام 2018، حين عقد ثلاث دورات (28، و29، و30). 

وفي السياق ذاته، فقد انقطع المجلس عن الاجتماع منذ أواخر عام 2018، حتى تمت دعوته للاجتماع أخيراً في دورته الـ31، بعد ثلاثة أعوام من التوقف. ومعلوم أن ذلك هو حال المجلس الوطني الفلسطيني أيضاً، فهو لم ينعقد إلا بعد ثلاثة أعوام على إقامة كيان السلطة (الدورة 21، غزة، 1996)، برغم أن الدورة التي سبقت ذلك (الـ20) عقدت عام 1991، ثم عقدت الدورة العادية التالية (الـ23 لعام 2018) بعد انقطاع 22 سنة؛ أما الدورة الـ22 (لعام 1999) فقد كانت استثنائية والغرض منها فقط ترميم عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. 

إضافة إلى عدم انتظام عقد الاجتماعات، والتحكم بالقرارات والخيارات، واختيار أشخاص على أساس الولاء، لا على أساس الأهلية، فإن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وحركة “فتح”، فتحكمت، أيضاً، بتسمية أعضاء المجلسين الوطني والمركزي، كأن القيادة تنتخب ناخبيها، هذا ينطبق على أسماء ممثلي الفصائل الموالية، مع ملاحظة أن تلك الفصائل لم تعد لديها مكانة تمثيلية في مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج، وليس لها أي دور لا في تلك المجتمعات ولا في مواجهة إسرائيل، كما أن معظمها بات يفتقد لهوية سياسية أو فكرية. أما ممثلو المنظمات الشعبية فلم يعودوا منتخبين ومنظماتهم باتت جد متقادمة، ولم يعد لديها سوى المكاتب واللافتات التي يكتب عليها اسمها، كأن زمن اتحادات الطلبة والمرأة والعمال والكتاب والمهندسين والأطباء والصيادلة، قد مضى وانقضى.

في كل ذلك، وبنتيجة تحويل القيادة الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى سلطة، فقد شهد هذا الانزياح تهميش منظمة التحرير، التي يفترض أنها الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني، والمرجعية القيادية لكل الكيانات الأخرى، وهو ما قاد إلى انزياح آخر من الرواية التأسيسية للقضية الفلسطينية القائمة على النكبة (1948) إلى الرواية القائمة على إنهاء احتلال إسرائيل الضفة والقطاع (1967)، وهو ما أدى عملياً إلى اختزال الشعب الفلسطيني، كأنه بات يقتصر على فلسطينيي الضفة والقطاع، من دون أن يشمل ذلك اللاجئين وفلسطينيي 48، إلا في بعض البيانات ولزوم الإنشاءات السياسية. 

إقرأوا أيضاً:

بالمحصلة فإن كل تلك التحولات النوعية تضعنا أمام ثلاثة استنتاجات، الأول، إن قيادة منظمة التحرير، هي أكثر طرف أضعف، أو ضيّع، تلك المنظمة، أو سهّل ذلك. الثاني، أن الحركة الوطنية الفلسطينية، بعد تحولها إلى سلطة، لم تبق على حالها، فهي أضحت سلطة على شعبها بدل أن تكون قيادته في صراعه على حقوقه الوطنية، متخلية في ذلك عن منطلقاتها وأهدافها وعن سرديتها التاريخية التي تأسست عليها، كما تخلت عن خريطة فلسطين. الثالث، أن الفلسطينيين تحت الاحتلال كانوا أكثر وحدة وتحرراً وتصميماً في مواجهة إسرائيل قبل إقامة السلطة، مقارنة بما أضحوا عليه بعد إقامتها.  

وعودة إلى الاجتماع الأخير للمجلس المركزي، فهو عقد تحت شعار التطوير والتفعيل واتخاذ قرارات مصيرية، في حين أن الهدف هو سد الشواغر في اللجنة التنفيذية، وتصعيد بعض المحسوبين على الرئيس، وإعادة تجديد الشرعية، ما يفيد بالالتفاف على تنظيم انتخابات للمجلسين التشريعي والوطني، ولرئيس المنظمة ورئيس السلطة.

وربما يجب توضيح أنه حضور الاجتماع أو مقاطعته لا يقدم ولا يؤخر في الوضع الذي هندسته القيادة المهيمنة، وبخاصة الرئيس محمود عباس، لأنه سيمرر ما يريد من خيارات وقرارات بأي طريقة، بمعنى أنه من العبث المراهنة على إصلاح الكيانات السياسية الفلسطينية، أو ترقيعها، لأن الأزمة الوطنية أشمل وأعمق، وهي أزمة بنى متكلسة ومتآكلة ومتقادمة. 

المعنى أن الفلسطينيين باتوا إزاء حقبة من العمل الوطني أتت أكلها، واستهلكت، وبات يفترض طيها، أما ذريعة، أو وهم، الحفاظ على هذا الواقع لإصلاحه، أو لتفعيله، وبدعوى أنه لا يوجد بديل، فهو ادعاء ثبت في التجربة أن لا ترجمة عملية له، ولا آذان صاغية له في القيادة، وأنه يخدم بقاء الطبقة السياسية السائدة، ويسهّل تشبثها في مكانتها، ويساهم في ترويج ادعاءاتها، وتالياً فهو لا ينجم عنه إلا مزيد من التدهور والتصدع في الجسم الفلسطيني.

قصارى القول، لا بديل من القطع مع هذا الواقع، بعاداته وتقاليده وكياناته وأشكال عمله المتكلسة، لأن التحرر منه هو الذي يمكن من البحث عن طرائق بديلة، باستعادة الإجماع الوطني الفلسطيني القائم على وحدانية الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، مع الأخذ في الاعتبار حيثية بسيطة وواضحة مفادها أن الفصائل السائدة هي التي بادرت إلى القطع منذ زمن طويل مع تاريخها ومنطلقاتها وأهدافها.

إقرأوا أيضاً: