fbpx

سيد القمني… الباحث الذي ناور  المتشددين
حياً وميتاً وهزم الأزهر بـ”حكم قضائي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جاءت قيمة القمني التاريخية والفكرية، من أنه الوحيد الذي تكلّم وتصدّى للصحوة ومشايخها في مصر  بأسلوبهم واللغة التي يتحدّثون بها، وبالمنهج الذي يتّبعونه وابتعد من أسلوب المفكر الهادئ “المقعّر” الذي يهجره الناس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

توفي الكاتب والباحث المصري سيد القمني، ليضع حداً لما يلاحقه من دعاء متشددين بقطع الأنفاس وقدوم الأجل.

كان القمني مصدراً للجدل منذ التسعينات، وبلغ الجدل ذروته بحصوله على جائزة الدولة التقديرية عام 2009، عن مجمل كتبه، بينما كانت مسيرته حافلة بالتكفير والمنع والمصادرة والشماتة والهجوم الذي لم ينتهِ برحيله. 

تدهورت صحته حتى فقد بصره جزئياً، فشعر المتشددون بالنصر وملأوا الدنيا ضجيجاً بالعقاب الإلهي الذي أتى عاجلاً، عانى المرض الناتج عن شيخوخة ما بعد السبعين، فأمطروه بالدعاء عليه. 

وأخيراً… مات، فتوعّدوه بالعذاب الشديد وأحاطوا جميع محبيه وأقاربه بالشماتة والشتائم ليعبّروا بصيغٍ فاضحة عما يدور بصدور أبناء التيار المتشدد من كراهية لجميع المختلفين معهم ورغبة في “نفوقهم وهلاكهم” – وفق الألفاظ التي يستخدمونها إهانةً وتكديراً لوصف الموت – وأحالوا جميع المنشورات التي تتمنّى له الرحمة إلى ساحة للضحك في ما يعرف حديثاً بـ”جهاد الهاهاها“، أي إغراق المنشورات والتعليقات التي لا تعجب جحافل المتشددين بالضحك بغرض التشفي، مع العلم بأن معظم هؤلاء لم يقرأوا كتبه.

تجديد الخطاب الديني “الحقيقي”

امتدت معركة القمني والإسلاميين طويلاً، فبرغم أن اسمه ارتبط بالإلحاد منذ نهاية التسعينات بسبب مؤلفاته وتصريحاته، التي رأوا فيها تطاولاً على المقدّسات الإسلامية، إلا أنها لم تكن في الواقع سوى بحث في التراث والتاريخ والتأثير السياسي والاجتماعي للأوضاع في الدين، وفق الفكرة القائمة على أن الأديان رهينة لعصرها، وأن النصوص يجب ألا تظلَّ جامدة، بل تتطوَّر تفسيراتها لتلائم الأزمنة المختلفة حتى تحافظَ على حيويتها، وهو ما يعرف حالياً بـ”تجديد الخطاب الديني“.

 إلا أن ذلك التجديد، الذي دعا إليه القمني، ليس على هوى الدولة القائمة في مصر في الوقت الراهن، فلم تتخذ القمني أسطورة كما اتخذت آخرين، ولم تحتفِ به حياً أو ميتاً، لكونه يفنّد نصوصاً قرآنية وينتقدها ويدعو إلى نسخها ولا يكتفي بالأحاديث النبوية أو التراث العنيف الذي يستند إليه الإخوان المسلمون، والجماعات التكفيرية. 

شكّك الإسلاميون في كل شيء يخصّ القمني، حياً وميتاً، بدءاً من كونه باحثاً، مروراً بحصوله على الدكتوراه من كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية، وحتى إسلامه أو كونه مؤمناً بالله، وناقداً لظواهر دينية بغرض تنقية الدين من الشوائب التي تعلقُ به دائماً، وربما لم يكن ذلك بسبب أفكاره، إنما بسبب طبيعتها الحادّة، واللغة الساخرة – التي لم نعتدها من الباحثين – وحب المعركة الذي اتسم به ظهوره، فكانت دائماً ما تنقلب لقاءاته التلفزيونية إلى معركة مع خصم أو مناظرة مع آخر لينتهي الأمر بهجوم حاد وخلاف شديد. 

أدمن الإعلام تلك النوعية من المناظرات، وكان ضحيتُها القمني فلم يُمنح الظروف الملائمة والوقت الكافي لطرح أفكاره، وتحوّل إلى مصارع عنيد يتلقّى الصفعات ويسدّد طعنات لخصوم راديكاليين يعشقون ذبح خصومهم على مذبح مشايخهم. فكان أعداؤه هم الإسلام السياسي والسلفيون ومؤسسة الأزهر، التي دعا، عام 2016، إلى اعتبارها “منظمة إرهابية” دولياً، شأنها شأن “حزب الله” و”أنصار بيت المقدس”، و”داعش”، وقال إن “مشايخ الأزهر يعيشون على عفن التاريخ وتراث الموتى، ومناهج الأزهر وكتب الفقه في المعاهد الأزهرية هي الباب الخلفي للإرهاب والطائفية والعنصرية في مصر”.

الاعتزال… رحلة القمني خلف خطوط القتلة

كان خلاف “القمني” يصلُ إلى أشدِّه ليعصفَ بالمجتمع، برغم أنه يوصف بالباحث في التاريخ الإسلامي، ويصفُ نفسه بالمفكر “المعتزلي“، نسبة إلى جماعة المعتزلة، وكان ذلك رخصة للكثير من المتشدّدين دينياً لاتهامه بالإلحاد، فكل من لم يكن “سُنياً”، هو – بالنسبة إليهم – ملحد. 

شهدت مصر قبل ثورة 25 يناير وبعدها، موجة ظهور ملحدين شباب، كانوا يعتبرونه شيخهم، ويحضرون جلسات في منزله، وينشرونها فخراً به وإعجاباً بـ”نبي الملحدين”، الذي لا يعتبر نفسه ملحداً، وكانت تلك شهادة كافية لاعتباره “ملحداً” بالنسبة إلى خصومه، كل ذلك الهجوم المدفوع بالغضب والغيرة على الإسلام ومشايخه، لم يوقف القمني سوى مرة واحدة.

عام 2005، اعتزل الكتابة حين شعر بالخطر. كانت الأجواء متوتّرة للغاية في مصر، صعود هائل للإسلاميين سياسياً – ممثلاً في الإخوان – ودينياً وتلفزيونياً – ممثلاً في السلفيين – وارتخاء قبضة النظام المصري، بينما يتلقى الرجل تهديدات بالقتل والترويع واتهامات بالكُفر والإلحاد. 

اعتزل لسنوات ليؤمّن أبناءه، منسحباً من المعركة التي لم ينقطع عنه غبارها، ثم عاد مرة أخرى ليفجّر القنبلة في وجه الجميع بحصوله على جائزة الدولة التقديرية، الجائزة الفكرية الأرفع في مصر، والتي تعدُّ اعترافاً رسمياً من الدولة بما يكتبه ويقوله.. فأثارت غضب شرائح واسعة من المجتمع، واكتسب القمني شُهرة مضاعفة أسَّست لوجوده وصوته العالي في ما بعد كحبة في مسبحة ضمّت من قبله طه حسين وعباس العقاد وزكي نجيب محمود وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد وآخرين… وكي تحتوي الدولة الزلزال السلفي العارم، الذي بدا أنه سيعتبرها “دولة مارقة وكافرة” على إثر الجائزة التي منحتها للقمني، سحبتها منه بقرار من هيئة مفوضي الدولة. 

إقرأوا أيضاً:

 سيد القمني… لماذا كفره الإسلاميون وهددوه بالقتل؟

يدور المشروع الفكري لسيد القمني حول نقد التراث، فكان دائماً ما ينتقدُ ما يراه معادياً للعقل في التاريخ الإسلامي، ويبحث في أصوله وسياقه التاريخي وظروفه السياسية والاجتماعية ليجدَ في النهاية ما يمكن أن يفنّده به، استناداً إلى ظرف تاريخي اضطر الرسول أو خلفاؤه إلى فرضه، وهو ما يجعله “ضرورة تاريخية” وليس عقيدة دينية أو فرضاً فقهياً، وبناءً على ذلك، طالب القمني بنسخ آيات العبيد والإماء وملك اليمين. 

والنسخُ هو رفع حكمٍ شرعيٍّ سابق، بدليلٍ شرعيٍّ مُتأخرٍ عنه في زمن نزول الوحي، وبحسب الفقه الإسلامي، لا يصدرُ النسخ إلا بأمر من الله وحكمه، فله أن يأمر عباده بما شاء، ثم ينسخ ذلك الحكم، أي يرفعه ويزيله، بينما كان يرى القمني أن المسلمين تجمّدوا فكرياً عند وفاة الرسول وانقطاع الوحي، لاعتبارهم أن النص القرآني الذي ورثوه منذ آلاف السنين يواكب عصرهم الحالي ويلائمه، “بينما كان الله ينسخ بعض آياته لتساير التطوير المجتمعي قديماً”. 

من آراء القمني التي صنعت زلزالاً قوياً أن الرسول بشر يصيب ويخطئ ولا قداسة لشخص في الإسلام سواء كان الرسول أم صحابته من بعده، وذلك الرأي تحديداً لم يكن الهدف منه إزالة القداسة عن الرسول أو الخلفاء أو الصحابة، إنما عن المشايخ، فالمسلمون في مصر في تلك الأثناء كانوا يعتبرون أبو إسحق الحويني ومحمد حسان وحسين يعقوب وسائر مشايخ السلفيين، الذين كانوا يظهرون على الشاشات يومياً بجلابيبهم البيض، أنصاف آلهة لا يخطئون أبداً، ولا يجوز الاختلاف معهم أو ردّ ما يقولونه، فلم يكن نقدهم كافياً من جانب باحث أو مفكر أو صحافي أو غير ذلك حتى يتخلص من سطوتهم الدينية والاجتماعية وسيطرتهم الظلامية على العقول.

الحزب الهاشمي وحروب دولة الرسول… الإسلام كثورة دموية وثورة مضادة ودولة عميقة!

في البحوث الدينية، يحتفظُ كتابا “الحزب الهاشمي” و”حروب دولة الرسول” بمكانة خاصة، إذ إنهما أكثر كتب القمني اقتراباً من المنهج العلمي في البحث ورؤية التاريخ وتحليله اجتماعياً، وقد مثَّلا ذروة الهجوم عليه وتهديده، ففي “الحزب الهاشمي” تناول خطاً أحمر وهو “بشرية النبوة”، وجزء من ذلك أن النبي بشر يصيب ويخطئ، ثم يكتمل الكتاب بتحليل دولة الإسلام السياسية قبل وبعد الرسول، إذ كانت صراعاً سياسياً على المكانة بين حزبين من قبيلة قريش، هما بنو هاشم وبنو أمية، وبوفاة الرسول، انتهى المشروع المحمدي، الذي أراد عليّ بن أبي طالب وراثته وحصر حكم المسلمين في أقارب الرسول الهاشميين، لتبدأ فكرة “آل البيت” التي قسَّمت المسلمين، ونقلت الصراع من قبيلة قريش إلى كل العالم الإسلامي. بلغ الصراع ذروته في القرن السابع، ولا يزال مستمراً حتى اليوم بين طرفيه السني والشيعي. 

الكتاب الثاني، الذي أثار جدلاً كبيراً، لكونه بحثاً تاريخياً معمّقاً وموضوعياً، هو “حروب دولة الرسول“، وكما هو واضح من عنوانه، يتناول الطريقة التي قاد بها النبي محمد الحروب التي أقامت دولته منذ النبوة وحتى وفاته، وتكمنُ قيمة الكتاب وسر كراهيته من جانب الإسلاميين، في أنه نزع القداسة عن الغزوات وحوّلها إلى حروب بشرية ارتُكبت فيها أخطاء ومذابح لأجل توسيع رقعة السلطة والسيطرة على الأراضي، فيؤكد – استناداً إلى أدلة تاريخية – أن تلك الحروب لم تشهد حتى القيم الإسلامية التي يتم الدعاية لها في كتب التراث والأحاديث، إنما تخلّت عن القيم العرب القديمة في التعامل مع الأسرى والنساء والأطفال وأسَّست قواعد جديدة للحرب احتوت أقصى “تكتيكات” العنف وهو بتلك الرواية حوّل الإسلام، طبقاً لهذه الممارسات، إلى حركة ثورية تنتزع أرضاً بالقوة، وليس ديناً ينشر قيماً أخلاقية وروحية بين الناس. وضرب مثلاً من بين الأمثال بـ”غزوة بدر”، التي رأى أنها تستحق لقب مذبحة لأنها كانت حرباً من طرف واحد، وكذلك حروبه داخل المدينة وخارجها، التي يروي أنها كانت “هجومية وليست دفاعية واتبعت الصدمة والعنف تجاه جميع الفئات”. 

توفي الكاتب والباحث المصري سيد القمني، ليضع حداً لما يلاحقه من دعاء متشددين بقطع الأنفاس وقدوم الأجل.

مقاوم “الصحوة الإسلامية” الوحيد… لماذا اعتبروه “العدو الأول”؟ 

لم يحصد القمني غضب الإسلاميين فقط… 

كان مفكرو جيله يحاصرونه من جهة أخرى، ويعتبرونه محدود المهارات البحثية والثقافية واللغوية والانضباط المنهجي والقدرة المعرفية، ونظرة سريعة إلى الكثير من آرائه ومنتجه كمفكر وباحث، تحديداً في الفترة التي تَلَت انفجار شهرته، تكشف أنه بالفعل لم يكن منضبطاً إلى أبعد مدى كالباحثين المعتكفين في مكاتبهم وصوامعهم. كان هو الآخر يعرفُ ذلك فلم يضع رأسه برأس أحد، واكتسب أهميته التاريخية لأسباب أخرى، بخلاف البحث والفِكر والتوصل إلى ما لم يبلغه أحد. 

في الثمانينات والتسعينات، توهّج القمني بين أنياب مشايخ الصحوة الذين امتدّ أثرهم من صحراء شبه الجزيرة العربية إلى القاهرة، فكان يصارع- لا يناطح بالفكر فقط- دعاة ظلاميين يفتكون بالمجتمع ويعيدونه قروناً إلى الوراء بالمال السعودي الذي ملأ حسابات وجيوب وخزائن بأغلب العواصم العربية، ويهدّدون من يتصدّى لهم بالقتل. 

كان المشهد مرعباً، بينما يتقدّم القمني بشجاعة، ويتراجع العلماء والمفكرون “الأقوياء منهجياً وبحثياً”، ويتوارون خوفاً وقلقاً من الجموح الوهابي الذي يخترق القاهرة، ويضع قوائم اغتيالات ويهدّد مفكرين ورجال دولة، وهو ما خلّف حالة “انقطاع معرفي” فلم يكن هناك، في ذلك الوقت، مشروع مفكر “حقيقي” يتفق عليه الجميع وقادر على مواجهة التيار الإسلامي بعنفوانه الملحوظ في تلك اللحظة، انسحب عبد الرحمن بدوي، واكتفى زكي نجيب محمود بالترجمة، واتّجه آخرون إلى كتابات فلسفية عميقة لم تكن مجدية شعبياً كإمام عبد الفتاح وزكريا إبراهيم، ولجأ حسن حنفي للمناورات والمواءمات مع الإسلاميين بسبب خلفيته المحافظة والإسلامية. 

لم تقدم كليات الآداب والحقوق وجامعة الأزهر في مصر مفكراً قادراً على تقديم رؤية تفكيكية لطرح الصحوة الإسلامية وانعكاساتها في مصر في ذلك الوقت، إما لانسحاب “الباحثين الكبار” الذين رأوا فرج فودة يُغتال على يد الجماعة الإسلامية، فلاذوا بالصمت، أو لانشغال آخرين بدفع الاتهام بالإلحاد عن أنفسهم، ورغبتهم في الابتعاد من الصدام مع الدين، وهم يحاولون الانتصار للعلمانية.

كان الاسم الأبرز في تلك الأثناء فرج فودة… كان نصف شعبوي هادئاً لا يصطدم مع الإسلام كدين، بل يحاول إثبات شرعية العلمانية وعدم تعارضها مع الدين فقط، فتم اغتياله. 

براءة من “الكُفر والإلحاد والارتداد”… كيف هزم الأزهر بـ”حكم قضائي”؟

برغم أن القمني لم يكن يواجه الأزهر أو يستهدفه، كانت معركته ضد شيوخ الصحوة وغول الأسلمة الذي كان يرمح في شوارع مصر، دخل الأزهر على الخط ليجعل نفسه عدواً آخر، فصادر مجمع البحوث الإسلامية كتابه “رب هذا الزمان” عام 1997، وأحاله للتحقيق في نيابة أمن الدولة العليا، متهماً الكتاب بالتحريض على “الارتداد”.

بدأت معركة أخرى بـ”الوكالة”، دخلها الأزهر نيابةً عن مشايخ السلفية والوهابية لتأديب القمني وإرهابه. وكانت هجمات “الأزهريين” عبد الله رشدي وسالم عبد الجليل عليه بعد أكثر من 20 عاماً امتداداً لتلك المعركة التي ما كان يجب أن تبدأ، فكما أن الأزهر بمشايخه المتعاقبين كان جزءاً من الدولة في عهد مبارك، وذراعاً دينية لها، كان تلميعُ القمني واستضافته تلفزيونياً وصحافياً ومنحه جائزة الدولة التقديرية ودفعه للأمام وتأمينه وإعادته للمشهد بعد اعتزاله جزءاً من تبنّي باحثين وصحافيين لخلق معارك ضد التيار السلفي الذي كان يسيطر على العقول في مصر، ويهدد النظام.

والجهة التي حقّقت مع “القمني” على خلفية نشره كتاب “رب هذا الزمان”، هي ذاتها الجهة التي برّأته من التهم التي لاحقه بها الأزهر كالارتداد وازدراء أحد الأديان السماوية واتهامات أخرى، أدت إلى مصادرته، فكانت محكمة شمال القاهرة الابتدائية التي تولَّت التحقيق، ثم أصدرت حكماً يقضي بـ”الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شيء وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدي شيء آخر ويشترط للعقاب بمقتضى نص المادة 98 من قانون العقوبات أن يكون الجاني قد تعدى على الدين أي أنه امتهنه أو ارتكب ما من شأنه المساس بكرامته أو انتهاك حرمته والحط من قدره والازدراء به وأن يكون قد قصد ذلك وتعمده. ولما كان شيء من ذلك لم يتوافر في حق مؤلف الكتاب فلا جريمة ولا عقاب، وحيث إنه متى كان ما تقدم فإننا نرى أنه لا تثريب على الكتاب المعروض في ما تضمنه على النحو سالف البيان في جملته بما يضحي الأمر الصادر بضبطه في غير محله، فلهذه الأسباب: قررنا إلغاء الأمر الصادر بضبط كتاب رب الزمان ودراسات أخرى لمؤلفه الأستاذ سيد القمني والإفراج عن هذا الكتاب”. 

جاءت قيمة القمني التاريخية والفكرية، من أنه الوحيد الذي تكلّم وتصدّى للصحوة ومشايخها في مصر  بأسلوبهم واللغة التي يتحدّثون بها، وبالمنهج الذي يتّبعونه وابتعد من أسلوب المفكر الهادئ “المقعّر” الذي يهجره الناس، واستمر في تهديد سطوتهم الدينية وشعورهم بالانتصار على الجميع في وقت تراجع فيه الجميع خوفاً وقلقاً من مصير فرج فودة

لجأ للتحليل المادي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتفسير الدين الإسلامي وما سبقه، وعرض نتائج بحثه بلغة سهلة على الجمهور العام، وكان لا يتقدم إلى ساحة مناظرة، بل إلى ساحة معركة، يواجه فيها أعداءه من الإسلاميين على اختلاف خلفياتهم واتساع رقعتهم، ويتصدّى لهم بجرأة وتصميم واستهزاء شعبي آسر، ما أكسبه أعداءً، وأيضاً أنصاراً كشفت الصدمات التي تعرّض لها، ووفاته أيضاً، أن أعدادهم أكثر مما يتخيّل أحد.

إقرأوا أيضاً: