fbpx

يُسجنون مع موكليهم ويُنسَون هناك…
من يحمي المحامين الحقوقيين في مصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“استمرار حالة التخاذل النقابي وإهمال الدفاع عن المحامين حتى لو كانوا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين فرض أزمات اقتصادية واجتماعية على المحامين، وظهر هذا من عام 2015 حتى الآن”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وسيادة القانون، وكفالة حق الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلاً، وكذلك محامو الهيئات وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام. ويتمتع المحامون جميعاً أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم بالضمانات والحماية التي تقررت لهم في القانون مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والاستدلال. ويحظر في غير حالات التلبس القبض على المحامي أو احتجازه أثناء مباشرته حق الدفاع”.

 ما فات ليس كلمات محام حالم بوضع قانوني دستوري يرفع قامته أمام هيئة المحكمة ولا يخاف من بطشها، بل هي المادة  198 من الدستور المصري الصادر عام 2014.  لكن يبدو أن ما نص عليه الدستور  ليس سوى ديكور  ليكتمل الشكل الخارجي لدولة القانون وعدالتها. 

ما يعيشه المحامون في الواقع يتنافى تماماً مع هذه المادة، خصوصاً الذين يترافعون في قضايا متعلقة بالسياسة، فهؤلاء يواجهون اعتداءات شُرطية، واعتقالات من داخل أروقة المحاكم، وشطب من النقابة لأسباب سياسية، واختفاءات قسرية، ومنع من السفر، إلى مصادرة أموالهم. 

يقول محامي حقوقي فضل عدم ذكر اسمه أن “وضع المحامين بات مأساوياً وأن كثراً  من زملائه تعرضوا لاعتداءات بدنية على أيدي أفراد الأمن، كما أن القضاة لديهم القدرة على تخويف المحامين وحبسهم لأتفه الأسباب”. المحامي ذاته يؤكد أنه بات متهماً أمام النيابة العامة بعد مرافعة قال فيها إنه وجد قصوراً في تحقيقات النيابة، وسبب ذلك أن موكله مُتهم في قضية سياسية. 

في هذا الإطار، قالت “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” في تقرير لها إنه “بدلاً من أن تراعي الحكومة المصرية فى ممارساتها احترام المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين وتعزيز استقلالهم وتحقيق ضمانات كافية لحمايتهم حال تعرض أمنهم للخطر جراء تأدية أعمالهم المهنية، بات المحامون المدافعون عن حقوق اﻹنسان عرضة للتهديد والتخويف والملاحقة القضائية”. 

هذا فيما كان البرلمان المصري وافق على تعديل بعض أحكام قانون المحاماة، والذي حظر احتجاز محام أو القبض عليه أثناء مباشرته حق الدفاع، إلا في حالات التلبس، وهو ما يتنافى مع الأزمات التي يمر بها المحامون والصعوبات التي يواجهونها في بيئة العمل الحالية، لتبدو القوانين والمواد مجرد حبر على ورق.

أن توضع في القفص مع موكلك

“المشكلة دائما أن المحامين يجدون أنفسهم متهمين في القضايا التي يعملون عليها، وكأن العلاقة بين المحامي والمتهم هي الرابط للتنظيم الإرهابي، ففيما يحاول المحامي الدفاع عن موكله أمام النيابة، يجد نفسه متهماً أمامها بالانتماء لجماعة إرهابية”.

 يقول ياسر سعد المحامي والمنسق العام لحملة الدفاع عن المحامين، حين سألناه عن رأيه في ما حدث للمحامي الحقوقي أسامة بيومي الذي ظهر في نيابة أمن الدولة بعد 4 أيام من تعرضه للاختفاء القسري، ليجد نفسه متهماً بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة على ذمة القضية 640 لسنة 2018 أمن دولة. 

يؤكد سعد أن أسامة بيومي ليس وحده الذي قبض عليه في الآونة الأخيرة وأن  “ما نعرفه أن 6 محامين تم القبض عليهم في هذه الفترة، أحدهم حصل على إخلاء سبيل، فيما الآخرون بين مختفٍ قسراً أو وضع في قضية”.  ويضيف أن “المشكلة اللانهائية أنه  لا معلومات واضحة عن سبب القبض على المحامين.  عام 2013 كنا نعرف أن الاعتقالات المنظمة ضد المحامين متعلقة بانتماءاتهم إلى جماعة الإخوان، أما الآن فكل المحامين في مرمى النيران الأمنية من دون النظر إلى خلفياتهم السياسية أو أفكارهم”.

تصريحات المحامي ياسر سعد يؤكدها ما حدث مع المحامي الحقوقي محمد الباقر الذي اعتقل داخل المحكمة، في 29 أيلول/ سبتمبر 2019، عند حضوره التحقيق مع موكله الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، حيث ضمتهما النيابة معاً إلى القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، لينضم الباقر إلى زملائه في المعتقل. والباقر كان أسس مركز  “عدالة للحقوق والحريات” عام 2014، وركز فيه على ثلاثة برامج رئيسية؛ برنامج التعليم والطلاب والحقوق والحريات الطلابية، وبرنامج العدالة الجنائية، في ما يخص أوضاع أماكن الاحتجاز وضمانات المحاكمة العادلة والمعاملة الجنائية للأطفال؛ والبرنامج الثالث يخص اللاجئين والمهاجرين. 

 ما حدث للباقر جعل  المتحدث الرسمي باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يعرب عن قلقه الشديد إزاء حملة الاعتقالات الواسعة التي طاولت مدافعين حقوقيين بينهم محمد الباقر. في الشهر نفسه، أدان الاتحاد الأوروبي استخدام مصر الحبس الاحتياطي التعسفي بحق محمد الباقر، وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان.



التدوير لقمع المحامين

من أبرز النماذج على ممارسة هذا النمط من الانتهاكات بحسب تقرير لمؤسسة حرية الفكر والتعبير؛ المحامي الحقوقي، إبراهيم متولي، مؤسس “رابطة أسر المختفين قسراً”. 

يُعد متولي من أقدم المحامين المسجونين دفاعاً عن حقوق الإنسان في السجن، حيث أمضى متولي حتى كتابة هذه السطور، 51 شهراً قيد الحبس الاحتياطي على ذمة ثلاث قضايا مختلفة دون إحالة أيٍّ منها إلى المحاكمة.

 خلال تلك السنوات أعيد تدوير متولي مرتين على ذمة قضايا مختلفة. تقول منظمة حرية الفكر والتعبير إن قوات أمن مطار القاهرة الدولي ألقت القبض على المحامي الحقوقي ومؤسس رابطة أسر المختفين قسراً، إبراهيم عبد المنعم متولي حجازي، في 10 أيلول 2018، حين كان في مطار القاهرة متوجهاً إلى العاصمة السويسرية جنيف لحضور أحد الاجتماعات بدعوى من فريق العمل على الاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة. 

وبعد يومين، تم عرض متولي على نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات في القضية رقم 970 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا، بعدما وجهت إليه اتهامات أبرزها: إنشاء منظمة غير قانونية، التآمر مع كيانات أجنبية للإضرار بأمن الدولة ونشر بيانات ومعلومات كاذبة. 

في 12 أيلول 2019، أتم متولي عامين من الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات في القضية رقم 970 لسنة 2017، وهي الحد الأقصى للمدة الزمنية للحبس الاحتياطي وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية، ما يعني وجوب إخلاء سبيل متولي. إلا أنه ظل قيد الاحتجاز غير القانوني لمدة شهر كامل قبل أن تقرر نيابة أمن الدولة إخلاء سبيله للمرة الأولى في 14 كانون الأول 2019، وأثناء إنهاء إجراءات إخلاء السبيل.

 فوجئ محامي متولي وأسرته يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، بعرضه للمرة الثانية، أمام نيابة أمن الدولة العليا، إذ تم تدويره للمرة الأولى على ذمة قضية ثانية برقم 1470 لسنة 2019، حصر أمن دولة عليا، وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات بعدما وجهت إليه الاتهامات ذاتها التي واجهها في القضية الأولى.

بعد عشرة أشهر من حبس متولي احتياطيّاً على ذمة القضية الثانية قررت الدائرة الأولى في محكمة الجنايات في 25 آب/ أغسطس 2020 إخلاء سبيله، إلا أن وزارة الداخلية، امتنعت للمرة الثانية عن تنفيذ قرار إخلاء السبيل، وفي 6 أيلول 2020، قررت إعادة تدويرها للمرة الثانية على ذمة قضية ثالثة حملت رقم 786 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، بحسب “منظمة حرية الفكر والتعبير”.

إقرأوا أيضاً:

نقابة غائبة وتخوف عام

عن دور نقابة المحامين الحالي وتدخلها في قضايا المحامين السياسية، يوضح المحامي ياسر سعد أن “استمرار حالة التخاذل النقابي وإهمال الدفاع عن المحامين حتى لو كانوا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين فرض أزمات اقتصادية واجتماعية على المحامين، وظهر هذا من عام 2015 حتى الآن”،  وفي هذا الإطار يرى سعد أن “تدخل النقابة في قضايا المحامين موجود بالفعل، لكنه غير فعال، بمعنى أن النقابة قد تطلب من من محاميها الحضور مع المتهمين من أعضائها”. ويضيف، “بإمكان النقابة أن تفعل أكثر، وتتفاوض مع الدولة بشكل سياسي”.

يقول سعد، “الزملاء المحامون الذين لا يعملون في منظمات المجتمع المدني والذين لديهم مكاتب في المحافظات المختلفة بدأوا منذ فترة طويلة في تجنب الدفاع في قضايا سياسية لأنها قد تضرهم  كما حدث بالفعل مع عدد من المحامين من تنكيل أمني”، و عن عدد المحامين المعتقلين يؤكد سعد أنه ما من إحصاء رسمي، لكن وفق حملة الدفاع عن المحامين فالعدد تقديرياً قد يصل إلى 1000 محامٍ.

قمع في الداخل وتكريم في الخارج

 القمع الذي يتعرض له المحامون بسبب عملهم بات عملاً بطولياً في نظر كثيرين، لا سيما بعدما قرر اتحاد المحامين الأوروبيين، الذي يضم في عضويته أكثر من مليون عضو من 32 دولة أوروبية، منح جائزته السنوية  عام 2020 لـ7 محامين مصريين 6 منهم في السجن حالياً وهم: “إبراهيم متولي حجازي، وزياد العليمي وهيثم محمدين ومحمد الباقر وهدى عبد المنعم ومحمد رمضان، وماهينور المصري التي أفرج عنها أخيراً”.

ويمنح اتحاد نقابات المحامين الأوروبيين CCBE جائزته منذ عام 2007 للمحامين أو المنظمات الحقوقية، تكريماً لهم على ما أظهروه من التزام وتضحية فائقة لدعم القيم الأساسية لحقوق الإنسان، وذلك من خلال احتفال رسمي ينظم على هامش انعقاد جلسة الاتحاد العامة. وهكذا يُقمع المحامون في الداخل، بينما ينظر إليهم الخارج على أنهم أبطال لا يملكون إلا دفاعهم القانوني عن كل معتقل رأي ومظلوم.

إقرأوا أيضاً: