fbpx

“ما ضل شي للفقير”… احتجاجات السويداء
تتجدد والنظام يراوغ النظام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انعدام الأمن الغذائي يهدد الأطفال بالدرجة الأولى وفي الحقيقة لم يبقَ شيء للفقير بعد ابتلاع رؤوس السلطة كل ما قد يمكن أن يساعد الناس أو يعينهم على مواجهة مشقة العيش.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأت احتجاجات السويداء في 3 شباط/ فبراير، حين قطع أهالي قرية نمرة في الريف الشمالي الطريق الواصلة إلى مدينة شهبا، ليتبعها قطع طرق أخرى، كما قطع محتجون آخرون أوتوستراد دمشق- السويداء. لتعلن بعدها فعاليات شعبية نيتها الاحتجاج على قرارات الحكومة عموماً، وضد قرار رفع الدعم الحكومي خصوصاً، وبعد أكثر من 10 أيام، لا بدَّ من السؤال عن خلفية هذه الاحتجاجات وإن كانت ستفضي إلى نتائج إيجابية أو ستمتد إلى مدن أخرى؟ 

لا حدَّ للفقر في سوريا

ما يحصل في السويداء هو حراك اجتماعي- اقتصادي لأزمة سياسية، وحركها الأساسي هو رفع الدعم الحكومي عن شريحة كبيرة من الناس، بحيث تنصلت الدولة من دورها الرعائي بشكل كامل، وهذا ما انعكس بشكل مباشر على الشارع الفقير.

الوضع المعيشي في السويداء كما بقية المدن السوريّة في تدهور حاد وكأن لا حدّ للفقر الذي يتفاقم يوماً بعد آخر، والناس يعيشون على الحوالات الخارجية من الأبناء والأقارب التي لولاها لكان الوضع كارثياً.

الجوهر الأساسي لهذه الاحتجاجات تلخص في صورة امرأة تحمل طفلتها وترفع رغيف خبز كتب عليه “ما ضل شي للفقير”. انعدام الأمن الغذائي يهدد الأطفال بالدرجة الأولى وفي الحقيقة لم يبقَ شيء للفقير بعد ابتلاع رؤوس السلطة كل ما قد يمكن أن يساعد الناس أو يعينهم على مواجهة مشقة العيش.

الحراك بقي عفويّاً في أرياف السويداء، إلا أنه أخذ شكلاً أكثر تنظيماً في مركز المدينة، مع دخول مجموعات من النشطاء على عملية التنظيم. وتوافد خلال أيام الاحتجاج، مئات المدنيين بالدرجة الأولى والنشطاء ورجال الدين وبعض من المعارضة حيث تجمعوا أمام مقام عين الزمان وانطلقوا نحو الساحة الرئيسية أمام مبنى المحافظة. دعمت الرئاسة الروحية في السويداء بقيادة الهجري الحراك وهو أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية الثلاثة، على عكس ما فعلت في مظاهرات 2020، ربما لأن المنحى سياسياً فيها أكثر منه اجتماعياً وهو ما يميز الحراك اليوم في السويداء، إذ إن الحامل الرئيسي للاحتجاجات هم الفقراء والمتضررون اليوم بشكل مباشر من قرارات النظام، بينما عام 2020 كان الحراك شبابيّاً نخبوياً بالدرجة الأولى وكانت مطالبه سياسية.

ما يحصل في السويداء هو حراك اجتماعي- اقتصادي لأزمة سياسية، وحركها الأساسي هو رفع الدعم الحكومي عن شريحة كبيرة من الناس، بحيث تنصلت الدولة من دورها الرعائي بشكل كامل، وهذا ما انعكس بشكل مباشر على الشارع الفقير.

الدروز ما بين فلسطين وروسيا

تضامنت مشيخة عقل الطائفة في لبنان مع حراك السويداء، وأكد شيخ الطائفة سامي ابن المنى تضامنه مع أهالي السويداء، ومع مطالبهم المحقة في حياة كريمة، أمّا الرئيس الروحي للموحدين الدروز في فلسطين موفق طريف، فقد وصل إلى موسكو بالتزامن مع الاحتجاجات، لعقد مجموعة من الاجتماعات المتعلقة بالوضع الأمني في السويداء، ويبدو أن طريف يخشى من قمع النظام الناس ويحتاج إلى تطمينات من الجانب الروسي عن عدم سفك الدماء في السويداء.

أما عن دور روسيا فهو غير جدير بالاهتمام، إذ أرسلت وفداً إلى السويداء في محاولة لاستباق الأمور واستطلاع الوضع، وليس انطلاقاً من جديتها في سماع احتياجات السكان، إذ إن أولويتها هي التدخل بالمعنى الإقليمي، وفي الحقيقة لم يقابل الروس الأهالي إنما المحافظ ورؤساء الأفرع الأمنية الذين هم من خارج السويداء في الأصل ولا ينتمون إلى الموحدين الدروز. 

أما عمّا تتناقله أوساط في السويداء عن تدخل مشيخة العقل لتغطية الفساد داخل مؤسستها، من خلال سرقة التبرعات التي وصلت للمدينة، فهو كلام غير دقيق، فالسلاح انتشر بشكل أساسي وبكثافة عام 2018 بعد المصالحة في درعا، إذ باعت الفصائل المسلحة أسلحتها بأسعار زهيدة للسكان في السويداء، إثر ظهور حاجة ملحة للتسلح بعد هجمات “داعش” على المدينة والتي أسفرت عن وفاة حوالى 300 شخص.

تترقب الجماعات الأهلية المسلحة في السويداء، التي شاركت في الاحتجاجات من دون سلاح التطورات الأمنية، كما أن هنالك مخاوف من وجود تيارات تسعى إلى توتير الأجواء، فإضافة إلى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، هناك حساسيات أهلية في المحافظة، وهذا يعني أن أي تصرف متهور للنظام قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

إقرأوا أيضاً:

هل طوّق النظام احتجاجات السويداء؟

على مدار أيام، شاهد الأهالي سياراتٍ وباصاتٍ تنقلُ عناصر الأمن برفقة رشاشات ومدرعات، توزعت هذه التعزيزات في المراكز الأمنية، وفُرز بين 150 و300 عنصر لكلّ مركز، كما رُفدت نقاط التفتيش بالمزيد من العناصر، بينما رصد الأهالي انتشار دوريات لقوى الأمن، والدفاع الوطني،  على الطرق والساحات الرئيسية في مدينة السويداء.

قالت السلطات التابعة للنظام إن التعزيزات هي بهدف ملاحقة العصابات، إلا أن هذه الرواية غير صحيحة، إذ إن الأهالي طالبوا على مدار سنوات وبلا جدوى بتدخل النظام وإيقاف الفلتان الأمني، فلماذا اليوم وتزامناً مع الاحتجاجات قرر التدخل… إنما لقمع الناس؟

بعد نحو أسبوع من بدء الاحتجاجات الشعبية، قرر المنظمون والأهالي التريث في تحركاتهم وإعداد ورقة مطالب محددة للتفاوض مع السلطة، وقالوا في بيان إنه وبعد المباحثات في مجلس الحراك قرروا إعطاء مهلة لتنفيذ قرارات الأهالي المحقة ضمن دولة القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين، وهذا لا يعني توقفهم عن الحراك الشعبي، لكنهم لن يسمحوا لأحد بأن يفوت عليهم هذه الوقفة لغايات ومقاصد في غير محلها، وبعد هذه المهلة يتم التعامل بحسب معطيات الواقع، ولم يحددوا المدة الزمنية حتى تحقيق مطالبهم.

انتشرت شكوك عن سبب هذا التوقف المفاجئ وهل جاء بعد التعزيزات الأمنية التي أرسلها النظام إلى المدينة والتي لم تشهد مثيلاً لها منذ عام 2011، بالإضافة إلى بثه إشاعات عن تدخل عسكري محتمل وتخويف للسكان؟ وهذه هي في الحقيقة طريقته المعتادة في إسكات الناس، إذ أنه لا يعرف الرد إلا بالطرق الأمنية حتى على التحركات الاجتماعية. 

إلا أن المنظمين عادوا إلى الدعوة لتجديد الاحتجاجات، الجمعة 18 شباط/ فبراير انطلاقاً من بلدة القريّا من أمام ضريح القائد العام للثورة السورية سلطان الأطرش، والذي يحمل رمزية كبيرة بالنسبة إلى أهالي السويداء، وعلق المنظمون أن المهلة لم تكن مفتوحة بل كانت تعبيراً عن حسن نياتهم، لكن عدم تعقيب السلطة أو تجاوبها يعني ضرورة عودة الاحتجاجات، وأكد أحد المنظمين أن التعزيزات الأمنية لن تثني الناس عن مطالبهم.

هل فشل النظام في تخويف الناس من خلال الاستعراض الأمني؟ بخاصة أنه لا يملك أي قدرة على حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد، ما يعني إمكانية ظهور احتجاجات مماثلة في المناطق العلوية في الساحل أو حتى في دمشق، فأزمة السكان ما عادت تتعلق بالسلطة السياسية إنما في القدرة على مواجهة شبح الجوع وإيجاد طعام للأطفال، بينما يترقب السوريون الأيام المقبلة وما ستحمله الاحتجاجات من تغييرات.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!