fbpx

كرة القدم لعبة الفقراء
التي احتضنت زلاتان ومهمشين آخرين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شكّلت كرة القدم بالنسبة إلى آلاف اللاجئين، المهجرين والمهمشين، فرصة وحيدة لصعود السلم الاجتماعي، والتفوق على أقرانهم الذين يملكون كل شيء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لأب من البوسنة والهرسك يعمل في تصليح السيارات، وأم كرواتية تعمل في تنظيف المنازل، وُلد زلاتان ابراهيموفيتش في أحد الأحياء الفقيرة من مدينة مالمو السويدية التي لجأ أهله إليها هرباً من أتون الحرب المستعرة في أوروبا الشرقية.

واجه زلاتان في طفولته كل أنواع المعاناة التي يواجهها الأطفال اللاجئون، والتي تحدث عنها مطولاً في كتابه الشهير “أنا زلاتان”، من فقر وتهميش وتمييز عنصري وعرقي. أمضى الفتى ساعات طويلة وحيداً، وتعرض للتنمر والنبذ الاجتماعي، فلجأ لسرقة الدراجات الهوائية، كردّ فعل انتقامي على عدم قدرته على اقتناء واحدة من ماله الخاص، وبالتالي تلبية للرغبة بالشعور بالتساوي مع أقرانه. 

اتّخذت حياة زلاتان مساراً مختلفاً، عندما تنبّه القيّمون على أكاديمية نادي مالمو لكرة القدم، إلى الموهبة الكروية العظمية التي يمتلكها الفتى ذو الأصول البوسنية، فوقعوا عقداً معه ليلعب معهم. في معسكر النادي، وجد زلاتان نفسه مرة أخرى وحيداً ومهمشاً بين زملائه في الفريق ذوي المكانة الاجتماعية العالية، بسبب أصوله الشرق أوروبية ولكنته الغريبة وفقره، لكن السلطان تفوق على الجميع بفضل الإصرار والرغبة الجامحة في تحقيق الذات، وأصبح في السنوات التالية أعظم لاعب في تاريخ السويد، ليثبت أن اللجوء والتهميش والفقر لم تكن سوى حوافز له لإثبات نفسه، وأن الكرة عنده أكثر من مجرد لعبة ومهنة، بل هي مساحة يؤكد من خلالها أنه الأفضل، فيصيح في وجههم “أنا زلاتان”. 

زلاتان ابراهيموفيتش

حكاية سلطان كرة القدم زلاتان ابراهيموفيتش، هي واحدة من عشرات الحكايات المشابهة، أبطالها واجهوا التهميش والعنصرية، وشعروا بالغربة والانسلاخ بسبب الحروب وعمليات التهجير والفقر المدقع في الطفولة وصعوبة التأقلم مع عادات المجتمع الجديدة ولغته وثقافته. على عكس رياضات أخرى يمارسها غالباً الميسورون القادرون على الحصول على تدريب جيد، ومعدات وتجهيزات رياضية مناسبة، كالتنس والغولف مثلاً، يُنظر إلى كرة القدم على الدوام على أنها رياضة الفقراء والمهمشين، إذ يستطيع فتى قادم من أدغال أفريقيا أو من شواطئ ريو دي جانيرو الفقيرة، أو من مخيم للاجئين من شرق أوروبا، أن يتفوق على لاعبين وُلدوا بملاعق ذهبية في أفواههم، وترعرعوا في أكاديميات كروية وحصلوا على التدريبات اللازمة، فهي لعبة ترتكز على الموهبة والشغف والطموح، أكثر من التكتيكات والتدريبات التي بإمكان أي فتى أن يكتسبها لاحقاً. 

شكّلت كرة القدم بالنسبة إلى آلاف اللاجئين، المهجرين والمهمشين، فرصة وحيدة لصعود السلم الاجتماعي، والتفوق على أقرانهم الذين يملكون كل شيء، فالملعب ليس مجرد مساحة عشبية يتسابق عليها اللاعبون للحصول على الكرة، بل هو منبر ومساحة ليعبّر كثيرون عن أنفسهم، وإلغاء الفروق وتحقيق السعادة لأسرهم وإعلاء شأن بلادهم التي نزحوا منها.

كيف وصل مودريتش إلى العالمية؟

توّج لوكا مودريتش بجائزة أفضل لاعب في العالم لعام 2018، بعد تحقيقه دوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد، وبلوغ نهائي كأس العالم برفقة المنتخب الكرواتي. الشخصية الهادئة والأنيقة التي يظهرها اللاعب داخل الملعب وخارجه، لا تعكس الأحداث الأليمة والدامية التي عاشها خلال طفولته في مسقط رأسه مودريتشي، إذ قامت القوات الصربية بإعدام جده أمام أعينه عندما كان لوكا في السادسة من عمره مع رجال آخرين من قريته، إبان محاولات كرواتيا لنيل استقلالها مطلع عام 1991. 

اضطر مودريتش لمغادرة قريته والعيش كلاجئ لسنوات طويلة في مبنى بدون كهرباء أو ماء قريب من أحد الفنادق. كان لوكا يركل طوال الوقت كرة مثقوبة في مرآب السيارات في الفندق، كان يدرك بالفطرة أن الكرة ستكون الخلاص الوحيد له ولعائلته. 

لوكا مودريتش

بعد انتقال مودريتش إلى ريال مدريد آتياً من توتنهام عام 2012، أعدّ التلفزيون الإسباني تقريراً عن القرية التي عاش فيها مودريتش لاجئاً في طفولته، وأجرى لقاء مع توميسلاف باسيك وهو مدرب كرة القدم للأطفال في القرية كان أشرف على مودريتش في بداياته،  فقال إنهم كانوا دائماً خائفين، إذ كانت تسقط آلاف القنابل من التلال المجاورة، ويسقط بعضها في ملعب التدريب، فكانوا يتسابقون للوصول إلى الملجأ، وشكلت كرة القدم بالنسبة إليهم الطريقة الوحيدة للهروب من الواقع. في التقرير نفسه يقول رئيس نادي NK Zadar الذي بدأ معه مودريتش مسيرته الكروية، إن لوكا نجا من الموت أكثر من مرة، وإنه كان نحيلاً للغاية وصغير البنية، وبالنسبة إلى ظروف البلاد، لم يكن أحد ليتوقع أنه سيكون نجماً عالمياً في المستقبل. 

موهبة مودريتش أقنعت كشافي فريق العاصمة الكرواتية دينامو زغرب، فوقّعوا عقداً معه لمدة عشر سنوات، وكان أول ما فعله لوكا بعد الحصول على الأموال، هو شراء منزل لوالديه، الذين عاشوا لاجئين لأكثر من 15 سنة!

النسر الألباني حاضر في المونديال 

يتحدَر لاعبا منتخب سويسرا شيردان شاكيري و جرانيت تشاكا من أصول ألبانية، وقد لجأت عائلتاهما إلى سويسرا بسبب الحرب التي شنتها صربيا على بلدهم الأم في تسعينات القرن الماضي. خلال مونديال 2018 في روسيا، تواجهت سويسرا مع صربيا في دور المجموعات، وبعد تسجيل سويسرا هدفها الأول، قام شاكيري وتشاكا بالاحتفال عبر رسم اشارة النسر المزدوج على صدريهما نسبة لعلم ألبانيا بلدهم الأم. الاتحاد الدولي للكرة عاقب اللاعبين يومها بالإيقاف والتغريم استناداً إلى المادة 54 من قانون الهيئة الإدارية للفيفا، والذي ينصّ على إيقاف أي شخص يثير استفزاز الجمهور أثناء المباراة، لمباراتين، ويعاقَب بغرامة لا تقل عن 5000 فرنك سويسري.

من الواضح أن الثنائي تشاكا وشاكيري لا يعيران أهمية كبيرة للعقوبة التي لحقت بهما، فهما لم يظهرا أي ندم على احتفالهما ذلك، فهدفهما كان توجيه التحية لبلدهما الأم الذي يريان أنه تعرض لظلم ومعاناة كبيرتين على يد القوات الصربية. مع الإشارة إلى أن منتخب سويسرا ضمّ في البطولات القارية الأخيرة خمسة لاعبين على الأقل من أصول ألبانية، في المقابل، فإن عدداً من لاعبي منتخب سويسرا من أبناء الجيل الجديد، قرروا تمثيل منتخبهم الأم أي ألبانيا، الذي يضم اليوم ستة لاعبين وُلدوا في سويسرا، من بينهم الشقيق الأصغر لغرانيت شاكا، تولانت. 

إقرأوا أيضاً:

من اليتم واللجوء إلى المشاركة بكأس العالم 

قلّما تجد في حكايات لاعبي كرة القدم قصة أكثر مأساوية من طفولة النيجيري فيكتور موسيس، فاللاعب الدولي النيجيري الذي لعب مع تشيلسي وإنتر ميلانو في السابق، قُتل والداه وعدد كبير من أفراد عائلته عندما كان في الحادية عشرة، فنقلته إحدى الجمعيات إلى المملكة المتحدة حيث عاش في دور للأيتام، وبرزت على الفور موهبته في كرة القدم، ما لفت أنظار نادي كريستال بالاس له فوقّع عقده الاحترافي الأول  في الثامنة عشرة. مثّل موزيس جميع الفئات العمرية للمنتخب الإنكليزي، لكنه اختار في نهاية الأمر تمثيل منتخب بلاده نيجيريا، وشارك في مونديال روسيا 2018، برغم الذكريات الأليمة التي يمتلكها عن تلك البلاد فترة الطفولة. 

القاسم المشترك بين معظم نجوم الكرة الذين عايشوا اللجوء والتهجير في طفولتهم، أو اضطّروا للعيش في مجتمعات يشعرون فيها بالغربة وعدم تقبل الآخرين لهم، هو أنهم يعترفون بالحافز الكبير الذي استلهموه من الظروف التي قاسوها، ما شكّل دافعاً إضافياً لهم للنجاح، كذلك إظهارهم مشاعر الامتنان والعرفان لمَواطنهم الأصلية وعدم توفير أي فرصة لتقديم المساعدة لها. لوكا مودريتش يتبرع باستمرار بمبالغ كبيرة للمستشفيات والمراكز الصحية في بلده كرواتيا، حيث يعاني كثيرون من آثار الحرب، كذلك يفعل كلّ من شاكيري، تشاكا وفيكتور موزيس. 

زلاتان ابراهيموفيتش قال في افتتاحية كتابه “أنا زلاتان”، إنه يريد إهداءه لكل طفل يشعر بأنه غريب أو مختلف، فالاختلاف عن الآخرين جيد أيضاً، داعياً الأطفال المختلفين والمهمشين إلى مواصلة الإيمان بأحلامهم حتى تحقيقها. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.