fbpx

تحفة أثرية تلقي ضوءاً جديداً على سيكولوجية فرويد في تفسير دواخلنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ظهر حماس فرويد في جمع القطع الأثرية بعد وفاة والده، واعتبر الأكاديميون هذا رد فعل عاطفي يعكس الحداد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لست بحاجة إلى أن تكون سيغموند فرويد لتفهم أن التحف والقطع الفنية المصنوعة من الأحجار الكريمة يمكن أن تصبح رموزاً تعكس العواطف الداخلية. لكن البحث الآن مُنصب على قطعة فنية غريبة -كان فرويد متعلقاً بها- تسلط مزيد من الضوء على خفايا دواخله النفسية.

كان هذا النموذج المصغر -المصنوع من اليشم- لستارة صينية صغيرة، موضوعاً في وسط مكتب فرويد للاستشارات، وهذه القطعة هي واحدة من اثنتين فقط تمكن من إنقاذهما من شقته السابقة في فيينا في عام 1938. هذه القطعة الفنية المعقدة -التي لا تزال في مكانها في منزله الأخير في هامبستيد، شمال لندن- ليس لها قيمة خاصة، وليس لها علاقة واضحة بحياة الأب المؤسس للتحليل النفسي. ومع ذلك  فقد هربتها من شقته -بإيعاز من فرويد نفسه- صديقته المقربة، عندما هدد النازيون بمصادرة مجموعة كبيرة من القطع الأثرية والتحف التي تركها فرويد في النمسا. ومنذ ذلك الحين، حيرت أهمية هذه الستارة المصنوعة من اليشم المؤرخين المهتمين بأعماله.

الآن، يقدم القائمون على المعرض الذي حصل داخل منزله في لندن هذه القطعة الفنية على أنها المفتاح لفهم افتتان فرويد بالصين في السنوات الأخيرة من حياته.

صُنعت هذه القطعة الفنية من اليشم والخشب المثقوب، وقد صُممت لتوضع على مكتب الباحث، وهي تصور الرمز الصيني لـ “شو”، والتي تعني “العمر الطويل”. بالنسبة للعقل الداوي، كانت الزخرفة زهرية الشكل التي تظهر على هذه القطعة تساعد على التأمل في بساطة العالم الطبيعي. لكن بالنسبة لفرويد كان لها أهمية أخرى.

قال البروفيسور كريج كلوناس، أمين المتحف، والخبير في الثقافة الصينية: “يبدو أن فرويد استخدم هذه القطعة تذكيراً بالمجهول؛ فقد كان الشرق بالنسبة له مماثلاً للمنطقة المظلمة ذات الأهمية الخفية في العقل البشري [اللاوعي]. هناك أيضاً اتجاه قوي يقول إنه ربطها بسيكولوجية المرأة، التي اعتبرها شيئا متحولاً وغامضاً”.

كانت هذه القطعة المصنوعة من اليشم موضوعة أمام فرويد مباشرة أثناء عمله وتشاوره مع المرضى، ويعتقد كلوناس أنها تمثل كل ما شعر فرويد أن نظرياته لا تستطيع تفسيره. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى العالم الغامض للـ”مشرق” المتخيل على أنه يقف على طرف النقيض من التقاليد الغربية التي اتسمت بالتفكير المنطقي والثقافة الكلاسيكية.

لذلك، في الوقت الذي درس فيه فرويد الفلسفة اليونانية والرومانية بعمق، لاحظ كلوناس أنه تجنب البحث الجاد في العادات والمدارس الصينية. وبدلاً من ذلك، استخدم فرويد المصنوعات اليدوية الصينية باعتبارها رموزاً قوية للغموض.

وقال كلوناس -الأستاذ الفخري لتاريخ الفن في جامعة أكسفورد، حيث عمل متخصصاً في الصين حتى عام 2018- إن “اهتمام فرويد بالصين -غير المفهوم بشكل كبير- جاء له في عقده الأخير، لذلك كان حاضراً بشدة في ذهنه في نهاية حياته”.

“وقبل ذلك الوقت، كان فرويد قد جمع أشياء أخرى، لا سيما بعض القطع من العالم الكلاسيكي. كان فرويد قارئاً نهماً، لكن رغم ذلك، يبدو أنه اختار أن تظل الصين منطقة غير معروفة بالنسبة له حتى النهاية”.

“يبدو أن فرويد استخدم هذه القطعة تذكيراً بالمجهول؛ فقد كان الشرق بالنسبة له مماثلاً للمنطقة المظلمة ذات الأهمية الخفية في العقل البشري [اللاوعي]. هناك أيضاً اتجاه قوي يقول إنه ربطها بسيكولوجية المرأة، التي اعتبرها شيئا متحولاً وغامضاً”.

جاء فرويد إلى لندن لاجئاً مع ابنته البالغة آنا -المحللة النفسية للأطفال- عندما فرّا من اجتياح النازيين للنمسا في مارس/آذار 1938. أقاما معاً منزلاً في حدائق ماريسفيلد، في هامبستيد، حيث كان فرويد يتابع المرضى وحالات الدراسة، ليشهد هذا المكان -بعد عام واحد- وفاته بمرض السرطان.

سيكون معرض “فرويد والصين” -الذي سيفتتح في 12 فبراير/شباط في متحف فرويد- أول معرض يسلط الضوء على هذا العنصر من حياة فرويد ويفحص القطع الصينية التي جمعها، وغالباً ما كان يضعها في مرمى بصر مرضاه وهم يرقدون على أريكته الشهيرة.

قالت كارول سيجل -مديرة متحف فرويد- “من الواضح أن هذه التحفة الفنية الصغيرة الجميلة المصنوعة من اليشم كانت موضع تقدير فرويد، ومثلت شيئاً مهما بالنسبة له”.

مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، اضطر فرويد إلى اختيار قطعتين فقط لإحضارهما إلى إنجلترا من فيينا، وطلب من صديقته المقربة ماري بونابرت أن تأخذها سراً من شقته.

إقرأوا أيضاً:

قال كلوناس: “وضعت ماري القطعة الصينية المصنوعة من اليشم، وبرونزاً يونانياً صغيراً داخل حقيبة يدها حتى لا ترصدها قوات الصدمة الألمانية الذين ينتظرون في الخارج. يعود تاريخ القطعة البرونزية إلى بداية مسيرة فرويد المهنية في جمع القطع والتحف الفنية، بينما القطعة الأخرى فهي تعكس اهتمامه الجديد بالصين. وربما هذا هو سبب اختيارهما”.

استخدم فرويد اللغة الصينية مثالاً تشبيهياً في كتاباته المؤثرة حول تفسير الأحلام، ولكن -كما يشير كلوناس- كان هذا مبنياً على سوء فهم شائع.

بنى فرويد تمثيله على فكرة أن نظام اللغة الصينية به بعض الغموض، ويعتمد على السياق من أجل إيصال المعنى.

إلا أن “هذا لم يكن صحيحاً تماماً، وبعد ذلك استشكل المترجم الصيني لسيرته الذاتية هذه المعلومة، وتساءل من أين أتى فرويد بها. فقال إنه أخذها من الموسوعة البريطانية”.

ظهر حماس فرويد في جمع القطع الأثرية بعد وفاة والده، واعتبر الأكاديميون هذا رد فعل عاطفي يعكس الحداد. ويشير كلوناس إلى أن اهتمامه اللاحق بالصين جاء بعد وفاة والدته، ومن ثم، يمكننا القول إنه مرتبط بالجندر بوجه ما.

كذلك كان المحلل النفسي أيضاً مغرماً بكلاب من فصيلة تشاو تشاو؛ فالكلاب مرتبطة بالصين في المخيلة الغربية. وكان جوفي -كلبه المفضل- إلى جانبه بينما كان يفحص المرضى، كما أحضرت العائلة كلب فرويد المسمى “لون” إلى لندن بعد مغادرتهم فيينا. وجرى الاحتفال بإطلاق سراح “لون” بعد ستة أشهر من الحجر الصحي في وسائل الإعلام البريطانية.

هذا المقال مترجم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!