fbpx

هذه الأرض يا سامي كلارك كوكب صغير…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رحيل منشد “غراندايزر” يبدو كما لو أننا نودّع الأطفال الذين كنّاهم مرة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لكنّ الأصوات لا ترحل… لذلك فقط لا يمكن أن يكون غياب سامي كلارك كاملاً أو عادياً، ولا يمكن أن يموت غريندايزر، ولا يمكن أن تنطفئ الأغنية. “هيا طر يا غريندايزر” النشيد الذي تعرّفنا عبره إلى أنفسنا وإلى معادلة الخير والشر، وإلى اللغة الفصيحة والعالم المثالي الذي ينتصر فيه الخير دائماً، إنه العالم الذي أرادنا غريندايزر أن نصنعه، وربّما لم تكن محاولاتنا كافية.

ربما يبدو ظالماً اختصار سامي كلارك بأغنية واحدة، لا سيما أنه صاحب أرشيف من مئات الأغاني في لغات متعددة، بينها الفرنسية والإيطالية والأرمنية واليونانية والألمانية والروسية.

لكن رحيل منشد “غراندايزر” (بعد دبلجة المسلسل الكرتوني من اليابان إلى العربية)، يبدو كما لو أننا نودّع الأطفال الذين كنّاهم مرة أخرى. وقفنا أمام المشهد لعلّ غريندايزر يشفع لنا ببعض الشجاعة لنواجه حال الدنيا ببعض البسالة والتسليم، لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة. كان غريندايزر قائد معاركنا الأولى، البطل الذي فرحنا معه، وقلقنا معه على مستقبل العالم، البطل الذي غنينا من أجله “هيا طر يا غريندايزر… الأرض كوكب صغير”، واثقين بأنه أقوى من الصعاب وبأنه سيهزم الأشرار. وعبر “غريندايزر” تعرّفنا إلى اللغة الفصيحة وأحببناها، وبدت بصوته كائناً خفيفاً على صدور الأطفال، ذلك أن البلاغة اللافتة التي تقدّمها كان يمكن أن تبدو حملاً مستحيلاً بالنسبة إلى الصغار، لكنها بصوت سامي كلارك ولباقته في الأداء، بدت سهلة الحفظ، عصية على النسيان.

أرشيف المغني اللبناني الذي رحل عن عمر يناهز 73 سنة، في الأغنية العاطفية لا يقلّ أهمية، “قلتيلي ووعدتيني”، “موري موري” التي تعاون بها مع الموسيقي الياس الرحباني ولاقت شهرة عالمية، “آه عالايام”، “قومي تنرقص يا صبية”… إنها الأغاني التي صنعت قصص حبنا الصغيرة، والأغاني التي انتفضنا منها وهجرناها في بعض سنوات المراهقة منعطفين بسرعة إلى أغاني عمرو دياب ونوال الزغبي. لكننا عدنا إليها منهمكين طالبين الصفح على هذه المشاكسة الصبيانية… فكانت “قومي تنرقص يا صبية” الشعلة الأولى للرقصة الأولى في حكايات كثيرة…

التقيت سامي كلارك ذات مرة في رحلة بحرية جمعت صحافيين وفنانين، أتذكّر أنه في السهرة الغنائية على متن تلك السفينة، غنّى “غريندايزر” وأبهرنا من جديد… كان غريندايزر قد بدأ يكبر ويشيخ بالفعل، لكنه كان فتياً أيضاً، مثلنا تماماً، التسريحة اللطيفة، الأناقة، الاحتراف، الوقفة، الجاذبية… استطاع سامي كلارك أن يبقى شاباً حتى حين تقدم في السن، واستطاع أن يبقى بالنسبة إلينا مؤشراً إلى أن الحبّ ممكن وأن الحياة حلوة…

كانت “قومي تنرقص يا صبية” الشعلة الأولى للرقصة الأولى في حكايات كثيرة…

كان مروره سريعاً في تلك السهرة، كمن يطلّ من شباك غرفته على ماضيه، “العصر الذهبي” كما سمّى كلارك فرقته التي أحيا معها حفلات صغيرة في السنوات الأخيرة، وكانت تضم زميليه المغنيين منذر ياغي والأمير الصغير. وهي حال جميع المبدعين، إذ يُنسون لحظة يتقدّمون في السن، ولا يقدّم لهم أي دعم معنوي أو مادي من الدولة التي رفعوا اسمها وجعلوها مكاناً منتجاً للفن والإبداع حتى في زمن الحرب والصراعات… رحل سامي كلارك فيما كان ما زال يحضّر لمشاريع أخرى ومنها إعادة تسجيل “غريندايزر” من جديد، رحل من دون أن يحصل على التكريم الذي يستحقه، تماماً كما قضت عليا نمري على أبواب المستشفيات، وكما غادرت آماليا أبو صالح العالم وسط شجار على مكان دفنها لأنها مسيحية متزوجة من رجل مسلم…

وصل كلارك إلى العالمية وغنى في مهرجانات مهمّة، على رغم الحرب والظروف الاستثنائية في الفترة التي سطع خلالها نجمه أي في السبعينات والثمانينات. حين سئل ذات مرة عن سبب تغييره اسمه الحقيقي (سامي حبيقة)، قال، “أهلي ما كان بدهم أغني، ولذلك غيرت اسمي من سامي حبيقة، إلى كلارك”. كان الغناء حينها خروجاً عن المجتمع، وجموحاً يتطلب الكثير من الشجاعة، وفي يوم وداع كلارك، ينبغي لنا أن نشكره على هذا الجموح الذي جعل طفولتنا أجمل وقصص حبّنا الأولى حفلة راقصة…

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!