fbpx

مصر… حيث ماتت أم “أكسجين”
في انتظار أن تزوره في السجن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حاول أكسجين أن يكون صوتاً للناس، وبرغم ذلك قرر اختيار الصمت كأداة للمقاومة أو اليأس، أو الاثنين معاً. يبدو أن أكسجين فقد الأمل حتى في أن يدافع عن نفسه، ووجد أن النتيجة واحدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


“لا أريد شيئاً سوى خروج ابني من السجن؛ لم يفعل شيئاً، ولم ينتم إلى أحزاب، لقد كان مع الغلابة فقط”… 

 كلمات قالتها والدة سجين الرأي والمدون المصري محمد أكسجين في كانون الأول/ ديسمبر 2018، وكانت حينها تصر على أن ابنها لم يفعل شيئاً خاطئاً، وأن ما يفعله كان خدمة لبلده. الآن، فارقت أم محمد أكسجين الحياة، لم يتحقق حلمها الوحيد برؤية ابنها حُراً مرة أخرى، لم تحتضنه في سجنه، لم تقترب منه سوى مرات قليلة في قفص المحاكمة حيث فصلت بينهما أسلاك القفص وجنود.
“بدون سند قانوني أو دستوري، منعت إدارة السجن محمد أكسجين من رؤية أمه وأسرته لأكثر من عام ونصف العام”، يقول لـ”درج” نبيه الجنادي محامي أكسجين، مؤكداً أن “النيابة ذاتها قالت إنها لم تصدر أي قرار بمنعه من الزيارة”، وأن “بعض زملائه المحامين حصلوا على تصريح من النيابة بزيارته، لكن إدارة السجن رفضت الزيارة”. 


أبت سلطات السجن أن يرى محمد أكسجين أمه إلا بعدما فارقت الحياة، وافقت أخيراً على أن يراها ميتة، وأن  يدفنها ثم يعود إلى سجنه، كانت هذه الموافقة بعد انتشار دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي تناشد السلطات بالاستجابة لمحاولات المحامين في الحصول على تصريح لخروج أكسجين من السجن ليدفن والدته. لكنه فاجأ الجميع برفضه الخروج من السجن بعد موافقة السلطات، قال نبيه الجنادي محامي أكسجين “رفض الخروج من محبسه للمشاركة في عزاء والدته التي رحلت خلال وجوده بالسجن، وأن ما فعله يثبت مدى اليأس الذي وصل إليه”.

لم يحُرم أكسجين الزيارة وحسب، لكن إدارة سجن طره شديد الحراسة 2 دائماً ترفض إيداع مبالغ مالية لحسابه، كما لم يتمكن محاموه أو أهله من معرفة إذا كانت اﻷطعمة والمستلزمات الشخصية تصل إليه عند تسليمها لحرس بوابة السجن أم لا.


من هو محمد أكسجين؟

محمد إبراهيم، مدون مصري شارك في ثورة يناير، قرر العمل صحافياً مستقلاً من دون مظلة نقابية، وأنشأ قناة على “يوتيوب” بعنوان “أكسجين مصر”،  شعارها “نحن نحمل الحقيقة إليك، ونسعى لإثبات الحقائق المجردة لأن هذا ما تقتضيه أمانة الكلمة”. انتشرت مقاطع الفيديو التي صورها، وعرف بعدها باسم “محمد أكسجين”، تأثراً باسم مدونته. ويبدو أن إدارته هذه المدونة وانتشارها بشكل ملحوظ كانا سبب اعتقاله عام 2018. بدأ أكسجين بالاستعانة ببعض الصحافيين ليساعدونه في نشر أخبار متعددة. بنظرة سريعة على مدونة أكسجين ستجد أنها اعتمدت على آراء المشاركين لا على آراء صانعي المحتوى.

دخل السجن مرتين، واختفى قسرياً مرة، وكان يذهب إلى قسم الشرطة سابقاً لتنفيذ تدابير احترازية. هذه باختصار قصة أكسجين مع السجن. فقد ألقي القبض عليه في 6 نيسان/ أبريل 2018، وتم التحقيق معه في بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، ظل محبوساً احتياطياً إلى أن صدر قرار من المحكمة في جلسة 22 تموز/ يوليو 2019 بإخلاء سبيله ومعاقبته بالتدابير الاحترازية. 

صدر قرار بالقبض عليه مرة أخرى من داخل قسم شرطة البساتين في أيلول/ سبتمبر 2019 أثناء التدبير الاحترازية، وظل ضحية للاختفاء القسري ثم عرض على نيابة أمن الدولة لتوجه له الاتهامات القديمة ذاتها في قضية جديدة. دخل دوامة الحبس الاحتياطي التي استمرت 14 شهراً، حتى أصدرت المحكمة قرراً مرة أخرى بإخلاء سبيله. لكن السلطات الأمنية قررت تدويره في قضية جديدة وضمه في قضية الناشط السياسي علاء عبد الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر، واتهامهم بنشر أخبار وبيانات كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالبلاد. وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي أصدرت محكمة مصرية حكماً بالسجن 4 سنوات لكل من أكسجين والمحامي محمد الباقر، وعلى علاء عبد الفتاح بالسجن 5 سنوات وبغرامة مالية قدرها 200 ألف جنيه.

الحرية أو الانتحار

“أقوى الناس وأكثرهم قدرة على التصرف يفقدون فى لحظات معينة قدرتهم على أن يتصرفوا منفردين، يجب أن يكون أحد إلى جانبهم لكى يقول لهم ما يجب أن يفعلوه”، يقول الناقد والكاتب السعودي عبد الرحمن منيف. كان أكسجين وحيداً، لا يرى أهله ولا محاميه، فقد الأمل في منظومة العدالة، فحاول الانتحار في زنزانته في سجن طره جنوب القاهرة، بعد ما تعرض له من تنكيل وإجراءات تعسفية أدت إلى فقدانه الأمل في الحياة، لكن إدارة السجن أنقذته هذه المرة.

في هذا السياق، يقول الجنادي، “لم تقابلني حالة مشابهة في فترة عملي مثل حالة أكسجين، ما زالت هناك خطورة على حياته، ولا أعرف إلى متى سيظل صامداً، قد يحاول الانتحار مرة أخرى ولا يجد من ينقذه هذه المرة”. عندما سألنا الجنادي عما إذا كان أكسجين يتابع من طبيب نفسي قال، أجاب بالنفي، وأضاف: “على رغم أن المرض النفسي يحتاج متابعة كأي متابعة طبية، وأن على  إدارة السجن توفير طبيب لمتابعته بشكل دوري إذا طلب أو ظهرت عليه أعراض، لكن هذا لم يحدث”.

بحسب “هيومن رايتس ووتش”، “شابت محاكمة أمن الدولة طوارئ بحق محمد أكسجين وعلاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر، انتهاكات كثيرة للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة”.

كما أن 10 منظمات حقوقية أعلنت في بيان بعد الحكم على أكسجين بأنه طوال فترة احتجازهم، عانى النشطاء الثلاثة (أكسيجين، باقر، عبد الفتاح) من ظروف احتجاز قاسية وإجراءات انتقامية متصاعدة، بداية من تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة  منذ بداية احتجازهم في أيلول 2019، مروراً بظروف الاحتجاز القاسية. الأمر الذي دفع خبراء الأمم المتحدة للمطالبة بالإفراج عنهم لأنهم: “تعرضوا للاحتجاز التعسفي وانتهاك حقوقهم في المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة”.  

المنظمات ذاتها أصدرت بياناً جماعياً رفضت فيه ما وصفته بالـ “الحكم المشين” بحق محمد أكسجين ومحمد الباقر وعلاء عبدالفتاح، معتبرة أنه يبرهن على استمرار سياسات الحكومة المصرية المعادية لحقوق الإنسان، ويؤكد “هزلية” الإعلان عن استراتيجية لحقوق الإنسان، تدعي استقلالية السلطة القضائية ومراعاة حقوق الإنسان في مصر على نحو منافٍ تماماً للواقع، وعبثية الإعلان عن رفع حالة الطوارئ التي اعتبرتها المنظمات مستمرة بقوانين قمعية أخرى، تضمن إهدار حياة الأبرياء في السجون. 


صمتٌ يسمعه العالم


لقد حاول أكسجين أن يكون صوتاً للناس، وبرغم ذلك قرر اختيار الصمت كأداة للمقاومة أو اليأس، أو الاثنين معاً. يبدو أن أكسجين فقد الأمل حتى في أن يدافع عن نفسه، ووجد أن النتيجة واحدة، فقرر الصمت وعدم الرد على أسئلة النيابة. بحسب الجنادي “في آخر جلسة تحقيق في قضيته الأخيرة 855 لسنة 2020 رفض التحدث نهائياً، تمسك بحقه في الصمت الذي أتاحه الدستور، حاول وكيل النيابة إقناعه بأن يتكلم لكنه رفض الإجابة على أي سؤال وجهته النيابة”.
باتت قضية محمد أكسجين معروفة على المستوى الدولي بعد كل ما تعرض له من قمع، فقد أعلنت الخارجية الأميركية أنها تشعر بخيبة أمل من الأحكام الصادرة عن محكمة مصرية ضد أكسجين والباقر وعلاء عبد الفتاح، وقالت، “أوضحنا للجانب المصري أن علاقاتنا ستتحسن بالتقدم في مجال حقوق الإنسان”.

كان أكسجين أيضاً ضمن من طالبت السفارة الألمانية في القاهرة بالإفراج عنهم في بيان نشرته قبل الحكم عليه، وقالت إن هذا الحكم “يعد بالنسبة إلى الحكومة الاتحادية بمثابة إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر. وأضافت الخارجية أنّ الحكومة الألمانية تتوقع أن “تعمل الحكومة المصرية على تحقيق محاكمة عادلة وكذلك الإفراج عن الباقر والمتهمين الآخرين علاء عبد الفتاح، ومحمد إبراهيم”.
أما الحكومة المصرية فبدلاً من تصحيح بعض الأوضاع والإفراج عن أكسجين وعلاء والباقر لتحسين صورتها خارجياً، جاء ردها عبر الخارجية حاداً على البيان الرسمي الألماني، معتبرة أنه ينطوي على تجاوزات غير مقبولة ويعد تدخلاً سافراً وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، ويتدخل في مسار قضائي دون دليل أو سند موضوعي. وأضافت أنه “من المستغرب أن تطلب الحكومة الألمانية احترام القانون، وتدعو في الوقت ذاته للتدخل والتأثير في أحكام القضاء المصري الشامخ والمشهود له بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، وهو ما نرصد معه ازدواجية المعايير”. واختتمت الخارجية بأنه “من الأفضل أن تلتفت الحكومة الألمانية لتحدياتها الداخلية بدلاً من فرض وصايتها على الغير”.
جرح التدخل الألماني كبرياء الخارجية المصرية، إلا أن استغاثات أم أكسجين وعائلات سجناء الرأي، لم تشعرها بشيء… ولا حتى ببعض الشفقة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.