fbpx

المحاكمات السياسية في اليمن…
أقبية للتعذيب والانتهاكات واللاعدالة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

برغم أن السلطة القضائية في اليمن، لم تكن بمنأى عن التجاوزات غير القانونية منذ عقود، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة من الصراع والانقسام السياسي في اليمن، أخذت تلك التجاوزات شكلاً أكثر استبداداً لمصلحة الانحياز السياسي، في القضايا ذات الصلة بأهواء ورغائب الأطراف السياسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عند السابعة من مساء يوم الخميس 20 من تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وأثناء خروجه من أحد مساجد العاصمة صنعاء، قام أفراد مسلحين تابعون لجماعة أنصار الله (الحوثيين) باعتقال الدكتور يوسف البواب، أستاذ اللغات القديمة في كلية الآداب جامعة صنعاء، واقتادوه إلى جهة غير معلومة، ليظل قيد الاختطاف القسري حتى آذار/ مارس 2017، عندما بدأ استجوابه أمام النيابة العامة بحضور المحامي عبد المجيد صبرة. وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي سُمح له فيها بمقابلة محاميه، قبل مقاضاته في المحكمة الجزائية المُتخصصة في صنعاء بتهمة التخابر مع دول خارجية، والحكم عليه بالإعدام برفقة 29 آخرين من الأكاديميين والسياسيين والصحافيين في 9 تموز/ يوليو 2019، وقد اقتصرت المحاكمة على ثلاث جلسات لم يُسمح لهم بالاستعانة بمستشارهم القانوني لإعداد دفاعهم، ولم تتح لهم فرصة لدراسة الأدلة المقدمة ضدهم.

القاسم المشترك بين الهيئات القضائية سواء في مناطق الحوثيين أو الحكومة اليمنية، يتمثل في استخدامهما أساليب التعذيب ذاتها في مرحلة القبض والاحتجاز، بدءاً بالاعتقال التعسفي ثم الاحتجاز والإخفاء القسري لفترات طويلة

تسييس العدالة

برغم أن السلطة القضائية في اليمن، لم تكن بمنأى عن التجاوزات غير القانونية منذ عقود، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة من الصراع والانقسام السياسي في اليمن، أخذت تلك التجاوزات شكلاً أكثر استبداداً لمصلحة الانحياز السياسي، في القضايا ذات الصلة بأهواء ورغائب الأطراف السياسية، كما فعلت جماعة الحوثيين في القضية المعروفة بـ”خلية اغتيال الصماد”، بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق 9 متهمين، بالتنسيق مع التحالف في اغتيال القيادي في الجماعة صالح الصماد رئيس ما يعرف بـ”المجلس السياسي الأعلى” التابع للحوثيين. 

وقد لفتت تلك الحادثة النظر إلى الانحدار المتواتر للهيئات القضائية في اليمن، وازدياد أحكام الإعدام التي تتم في ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من النزاهة القانونية، أو بناءً على اعترافات تؤخذ من المتهمين تحت التعذيب، إلى جانب عدم التفات المحاكم والنيابات الجزائية المتخصصة إلى الدفوع القانونية التي يتقدم بها المتهمون إزاء الأحكام التي يعتقدون أنها مجحفة وغير قانونية بحقهم. أو إعادة النظر فيها كونها مزاعم مجردة من الدليل المادي ومعظمها محاضر غير رسمية، ويتضمن ذلك دفاعهم القائم على أنهم قد أدلوا بالمعلومات الواردة في تلك المحاضر، بسبب ما تعرضوا له من تعذيب جسدي ونفسي ناتج عن احتجازهم لفترات طويلة في سجون الجهات الأمنية في ظروف قاسية وغير إنسانية، وحرمانهم حقهم المشروع في الاستعانة بمحام، أو حتى الاتصال بذويهم.

يقول عبد المجيد صبرة المحامي الخاص بالبواب: “إن الحكم الذي أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء بحق المتهم لم يعتمد على أي دليل، غير ما تضمنه ملف اعترافات المتهم التي يبدو أنها انتزعت منه تحت التعذيب، بحسب ما تحجج به المتهم أمام المحكمة، وتأكيده بطلان التهم المنسوبة إليه بدليل ما لوحظ على جسده من آثار تعذيب تعرض له، إلا أن المحكمة لم تلتفت إلى ذلك واستمرت المحاكمة دون الأخذ بالدفوع المقدمة، كما لم تلتفت أيضاً لطلب المتهم نقله من سجن الأمن السياسي، سيئ السمعة، إلى السجن المركزي في صنعاء”. 

ولا تقتصر التجاوزات القانونية على المحاكم الجزائية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي فقط، بل إن الشيء ذاته يحدث في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في ما يتعلق بالمحاكمات المجافية للقانون اليمني وحق المتهم في الدفاع عن نفسه، على نحو يجعل الأحكام الصادرة عن تلك المحاكم تبدو أقرب إلى كونها أحكاماً سياسية من كونها قانونية وعادلة، لا سيما أن معظم تلك الأحكام تتكئ على محاضر التحقيقات التي تقدمها الجهات الأمنية، مع فارق أن المحاكم التابعة للحكومة اليمنية لم تعدم أي من المتهمين حتى الآن، بعكس المحاكم التابعة لجماعة الحوثي التي تستحوذ على النصيب الأكبر من أحكام الاعدام المنجزة.

ولعل القاسم المشترك بين الهيئات القضائية سواء في مناطق الحوثيين أو الحكومة اليمنية، يتمثل في استخدامهما أساليب التعذيب ذاتها في مرحلة القبض والاحتجاز، بدءاً بالاعتقال التعسفي ثم الاحتجاز والإخفاء القسري لفترات طويلة، إذ إن الفترة الزمنية بين القبض على المتهم، وإحالته إلى النيابة الجزائية المتخصصة، تشهد انتهاك الكثير من الحقوق والضمانات القانونية وفي مقدمتها الحق في الحرية الشخصية والحق في افتراض البراءة وحق المحتجز في الاتصال بأقاربه، ناهيك بطول مدة الاحتجاز عن المُدة التي يحددها القانون اليمني، إذ تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من عامين (وفقاً للحالات التي وثقها “درج“، برغم إنكار أطراف الحرب في اليمن وجود انتهاكات من هذا النوع). 

إقرأوا أيضاً:

انحراف المحاكم الجزائية عن مقاصدها

أنشئت أول محكمة جزائية متخصصة عام 1999 بقرار جمهوري من الرئيس اليمني السابق علي صالح، إذ إن الهدف من إنشائها كان مكافحة الإرهاب، ومحاكمة الجماعات التي كانت تقوم بأعمال تخريبية للمنشآت النفطية، إلا أنه عام 2004 تمت إضافة الجرائم الماسة بأمن الدولة اختصاصات هذه المحاكم، ما جعل هذه المحاكم أداة في يد الحكومة للتنكيل بخصومها السياسيين والصحافيين.

وكان الاختصاص المكاني للمحكمة الجزائية المتخصصة في أمانة العاصمة صنعاء، يشمل كل المحافظات اليمنية منذ تأسيسها عام 1999، إلا أنه عام 2009 صدر قرار جمهوري آخر أعاد تنظيم الاختصاص المكاني ونص على إنشاء 3 محاكم جزائية متخصصة في كلٍ من الحديدة وحضرموت وعدن، حيث تختص المحكمة الجزائية بأمانة العاصمة بالنظر في الجرائم التي تقع في محافظة (صنعاء، ذمار، البيضاء، إب، عمران، الجوف، صعدة ومأرب)، بينما المحكمة الجزائية في عدن يشمل اختصاصها الجرائم التي تقع في محافظة (عدن، تعز، لحج، الضالع وأبين)، أما بالنسبة إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في الحديدة فهي تختص بمحافظة (الحديدة، ريمة، حجة والمحويت)، وتختص المحكمة الجزائية المتخصصة في حضرموت بمحافظة (حضرموت، شبوة والمهرة). 

وتنص المادة (150) من الدستور اليمني على أن “القضاء وحدة متكاملة، ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها، ويحدد اختصاصاتها، كما يحدد الشروط الواجب توفرها في من يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات الأخرى الخاصة بهم، ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال”.

وبحسب المحامي صبرة، فإن المحاكم الجزائية المتخصصة تم إنشاؤها لمواجهة جرائم الاختطاف والإرهاب، إلا أنها تحولت إلى محاكم استثنائية بعد التعديل الذي حدث عام 2004 باختصاصاتها، وأصبحت الصبغة السياسية تغلب على أدائها. 

إلى ذلك، يوضح المحامي والحقوقي رامي الشميري أن المحاكم الجزائية المتخصصة في اليمن أصبحت محاكم سياسية وغير دستورية، ذلك أن إنشاءها “لم يكن استجابة لظروف حقيقية فرضت سياسة جنائية استدعت إنشاءها أمن أجل تحقيق مصلحة عامة، بقدر ما كان إنشاؤها لأسباب ودوافع سياسية، حتى تحولت إلى محاكم استثنائية، إذ إن معظم الجرائم التي تدخل في اختصاصاتها، هي ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات، ما جعل هذه المحاكم تقع تحت تأثير الأجهزة الأمنية والسياسية، وبالتالي تم استخدامها في استهداف الخصوم السياسيين وتصفية الحسابات معهم، وقمع هامش حرية الرأي والتعبير وتضييقه”.

خلص فريق المراقبين الدوليين التابع للأمم المتحدة في اليمن إلى أن النظام القضائي في اليمن يفتقر إلى الوسائل والقدرات اللازمة لإجراء المحاكمات بطريقة تتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

تصاعد مقلق في أحكام الإعدام

بعد أحداث كانون الأول/ ديسمبر 2017 التي انتهت باغتيال جماعة أنصار الله (الحوثيين) لحليفهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، قامت الجماعة بتعزيز نفوذها على السلطات القضائية، وأعادت تفعيل المحاكم والنيابات الجزائية المتخصصة بعدما كانت متوقفة منذ اندلاع الحرب في آذار/ مارس 2015.

ومنذ ذلك الحين، تزايدت أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم الجزائية المتخصصة في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي بشكل كبير في عدد المتهمين الذين تم الحكم عليهم بالإعدام، فقد سجلت “منظمة العفو الدولية” 343 حكماً بالإعدام منذ عام 2017، حتى لحظة نشر هذا التقرير، وتقول المنظمة إنه في عام 2020 وحده، أصدر المحاكم الجزائية المتخصصة التابعة لجماعة الحوثي أحكام بإعدام 269 متهماً، مشيرةً إلى أن أحكام الإعدام صدرت عقب إجراءات لم تستوف المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

ففي 19 أيلول/ سبتمبر 2021، نفذت جماعة الحوثي حكم الإعدام بحق 9 أشخاص حوكموا بتهمة المشاركة في عملية اغتيال صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للجماعة، الذي قضى بقصف موكبه في محافظة الحديدة من قبل طيران التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات في اليمن.

وفي إحاطته الأخيرة، خلص فريق المراقبين الدوليين التابع للأمم المتحدة في اليمن إلى أن النظام القضائي في اليمن يفتقر إلى الوسائل والقدرات اللازمة لإجراء المحاكمات بطريقة تتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.