fbpx

“وثائق أريكسون”: فساد عابر للحدود بين بيروت وبغداد  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

إريكسون التفت على العلاقة المباشرة مع الفسادين اللبناني والعراقي عبر شركات وسيطة تولت التهرب من الضرائب والرسوم وأقامت علاقات مع قوى الأمر الواقع من بينها “داعش”، وانتهكت حقوق الموظفين، على نحو لا تتجرأ الشركة السويدية على فعله في بلادها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لن يبقى النظام المالي والاقتصادي الغربي بمنأى عن فسادنا. هذا ما كشفته “وثائق أريكسون” المرتبطة بعمل عملاق الاتصالات السويدي شركة أريكسون في بلادنا، وتحديداً في العراق أولاً ولبنان ثانياً، فالشركة التي استأنفت نشاطها في البلدين مع انبثاق زمن الاتصالات، أدارت أعمالها وفق المنطق الذي تعمل به الأنظمة الفاسدة في كلا البلدين. 

الشركة أجرت تحقيقاً داخلياً بعد أن غرمتها محكمة أميركية مليار دولار بعد أن ثبت انتهاكها لقانون الممارسات الفاسدة الأجنبية الأميركي (FCPA). والتحقيق الأميركي شمل عمل أريكسون غير القانوني في جيبوتي والصين وفيتنام وأندونيسيا والكويت، علماً أن حكم المحكمة الأميركية لم يشمل عمل الشركة في العراق وفي لبنان.  ودخلت اريكسون عندها في اتفاقية لتأجيل الملاحقة (Deferred Prosecution Agreement DPA) لمدّة ثلاث سنوات، أوقفت خلالها التهم الجنائية على الشركة، بشرط أن تقوم إريكسون ببعض الإصلاحات ومواصلة التعاون مع وزارة العدل الأميركية في أي تحقيقات وملاحقات جارية تتعلق بسلوك الشركة.

أجرت الشركة تحقيقاً عن عملها في العراق ولبنان واطّلعت الـ”ICIJ” على التحقيق الداخلي، فكانت “وثائق أريكسون”، لا سيما منها ما لم يشمله قرار المحكمة الأميركية. وعمل الشركة في العراق وفي لبنان كان في صدارة نتائج التحقيق الداخلي للشركة. أريكسون التفت على العلاقة المباشرة مع الفسادين اللبناني والعراقي عبر شركات وسيطة تولت التهرب من الضرائب والرسوم وأقامت علاقات مع قوى الأمر الواقع من بينها “داعش”، وانتهكت حقوق الموظفين، على نحو لا تتجرأ الشركة السويدية على فعله في بلادها.


الشركة معنية بأن تنظف سجلها حيال نظام المحاسبة الغربي، أما ما يعنينا من التحقيق الداخلي الذي أجرته، فلم يستحق منها أن تقدم على تزويدنا به.


باشر الصحافيون تقصي ما تضمنته الوثائق من معلومات، وتعقب ما قادتهم إليه تحقيقات الشركة الداخلية، وبلغ الذهول ذروته حين رصدنا علاقة مالية تربط الشركة السويدية، بشكل غير مباشر، بتنظيم “داعش”، أثناء حكم التنظيم لمناطق في شمال العراق ما بين عامي 2014 و 2017، لا سيما مدينة الموصل، وهو أمر لم تستبعده الشركة على ما ورد في تحقيقها الداخلي. وأيضاً حين تمكنا من تفكيك أنماط العلاقة التي ربطت أريكسون بالشركات المحلية الوسيطة التي التفت عبرها الشركة السويدية على القوانين المحلية، وتهربت عبرها أيضاً من دفع الرسوم والضرائب المستحقة عليها. علماً أن أحد رجل الأعمال في أربيل وصف لنا عمل الشركات الوسيطة بهذه العبارة: “الشركات الوسيطة هي أفضل آلية لغسل العمولات في عقود الهندسة والمشتريات”.

قصة أريكسون في العراق ولبنان عرضنا لها مطولاً في تحقيقاتنا الاستقصائية التي ننشرها في “درج”، لكن المفارقة تتمثل في أن أريكسون لم تشعر بأنها معنية بأن تواجهنا بتحقيقها الداخلي. فعلت ذلك بطلب من محكمة أميركية، ولم ترسل نتائج التحقيق للدول التي عقدت شراكات مع الفاسدين فيها. حين التقينا بمسؤولين عراقيين في مجال الاتصالات لم يكونوا على علم بالتحقيق الداخلي الذي أجرته الشركة عن نشاطها في العراق، ولبنان بدوره كان خارج التغطية. وكأننا بالشركة تقول لنا أننا لا نستحق الشفافية التي تبديها لغيرنا، ولا قْبل لنا بمحاسبة منتهكي حقوقنا!

الشركة معنية بأن تنظف سجلها حيال نظام المحاسبة الغربي، أما ما يعنينا من التحقيق الداخلي الذي أجرته، فلم يستحق منها أن تقدم على تزويدنا به. هذا من جهة الشركة، أما من جهتنا، فأنظمتنا غير قابلة للتعامل مع تحقيق من هذا النوع، فهي نفسها من تورط بفساد أريكسون. الهدايا التي وزعتها الشركة على المسؤولين اللبنانيين كانت جزءاً من تحقيق الشركة الداخلي، واعتمادها الطريق عبر مناطق “داعش” للتهرب من الضرائب في العراق أمر استفادت منه ميليشيات أخرى غير “داعش”، وهذه الميليشيات هي جزء من الحكومة العراقية. إذاً لا سبيل لتصريف الفضيحة في القضاء وفي أنظمة المحاسبة في العراق ولبنان، ذاك أن الفضيحة تقيم في صلب نظامي الحكم في البلدين. فمن تلقى الهدايا في لبنان هم وزراء الاتصالات المندرجين في تحالفات السلطة. الهدايا وصلت في زمن نقولا صحناوي وفي زمن بطرس حرب. وميليشيات الحشد الشعبي في العراق والبيشمركة الكردية، بالإضافة إلى “داعش” هم من تولى تسهيل تهرب أريكسون والشركات المحلية الوسيطة من الرسوم ومن الضرائب.

الشراكات الصحافية التي تتولى كشف هذا النوع من الانتهاكات هي فرصة لنقل المحاسبة من مستواها المحلي والمستحيل إلى مستواها الدولي، هناك حيث توجد أنظمة تجبر أريكسون على إجراء تحقيق، في وقت تتولى التسريبات جعل هذا التحقيق في متناول الرأي العام في الدول التي شهدت الانتهاكات. 

أريكسون وضعت تحقيقاتها بتصرف القضاء الأميركي لتتفادى انضمامها إلى اللائحة السوداء، ونحن إذ تعقبنا “الطريق السريع” الذي سلكته معدات أريكسون للتفلت من الرسوم والضرائب، من مناطق البيشمركة ومروراً عبر “داعش” والحشد الشعبي، نضع بين يدي متصفحينا قصة جديدة عن الفساد في بلادنا.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.