fbpx

الطلّاب المُبتعَثون السعوديّون: وداعاً كندا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ضحايا النزاع الدبلوماسي لم يكونوا طرفاً في الأزمة بين كندا والسعودية لكنّهم وجدوا أنفسهم يدفعون ثمنه. آلاف المبتعثين سافروا بحثاً عن مؤهّلات علمية وخبرات تدريبيّة ومهنيّة؛ ولكن، من الواضح أنّه وأمام سياسات ولي العهد الحالي، تسقط طموحات هؤلاء الأفراد وخياراتهم

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عشتُ في كندا لسنوات. مُستحيل أن أنهي كلّ ارتباطاتي في شهرٍ واحد. فهذا يعني بيع أثاث منزل مؤلّف من أربع غرف نوم، وإيجاد مستأجر جديد، وبيع السيّارة، وإبلاغ المدرسة التي يذهب إليها طفلي، وإنذار أصحاب العمل في المكانَين اللّذين أعمل فيهما بدوام جزئي بأنّني مغادر، وتسوية مسائل متعلّقة بحساباتي المصرفيّة وببعض الاستثمارات، وغيرها”

بهذه الكلمات، وصف طالب دكتوراه سعودي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من ملاحقته أو مضايقته، المحنة التي يمرّ بها نتيجة القرار السعودي الذي أصدرته المملكة مطلع شهر آب/أغسطس من ضمن سلسلة الإجراءات الصارمة التي اتّخذتها ضدّ الدولة الكنديّة، بدأت مع طرد السفير الكندي من أراضيها إثر تغريدة لوزارة الخارجيّة الكنديّة دعت فيها السلطات السعوديّة إلى الإفراج الفوري عن نشطاء في المجتمع المدني عقب انتشار خبر اعتقال الناشطة الحقوقيّة سمر بدوي.   

وقد وصف الطالب السعودي المعاناة التي قاسها، والتي يمكن تطبيقها على غيره من الطلّاب، في مقال كتبه لصحيفة CBC الكنديّة يقارن فيه المأزق الذي أُوقع فيه بالمراحل الخمس للحداد: النكران، الغضب، التفاوض، اليأس… ثمّ القبول الذي لا خيار سواه.

إذاً، لقد بدأ العدّ العكسي. أيّام معدودة تفصل أكثر من 8000 طالب سعودي في برامج التدريب والابتعاث والزمالة عن تخليّهم عن جامعاتهم وكليّاتهم وأعمالهم. قبل 5 آب/أغسطس، كانوا يتابعون دراستهم وحياتهم في بلاد ترتكز إلى قيم التعدّدية والحريّات العامّة والفرديّة، إلى أن شقّت رسالة مفاجئة طريقها إلى هواتفهم، مصدرها الملحقيّة الثقافيّة السعوديّة في كندا، ومفادها أنّ أمامهم شهراً واحداً فقط ليتركوا كل ما راكموه ويعودوا أدراجهم إمّا إلى المملكة أو إلى كليّات أخرى في دول العالم الشاسعة، واعدةً إيّاهم بتسهيلات أثناء المغادرة والانتقال.

نشطت وزارة التعليم ومعها الملحقيّات الثقافيّة والسفارات السعوديّة باتّجاه وضع خطّة سريعة بهدف دعم من ظلمتهم المملكة بنفسها في قراراتها الدراماتيكيّة الأخيرة، إلا أنّ هذه التدخّلات الرسميّة لم تحُل دون محاولة سماسرة الفضاء الإلكتروني الاستفادة من الأزمة عبر الإعلان عن خدماتهم لنقل الطلّاب السعوديّين وتسجيل طلباتهم في جامعات عدّة، ممّا ولّد حالةً من الفوضى أُضيفت إلى العرض المسرحي الطويل الذي ما برح العالم يشاهده باندهاشٍ من هذه المبالغة غير المسبوقة في ردود المملكة على التصريح الكندي.

ضحايا النزاع الدبلوماسي لم يكونوا طرفاً في الأزمة بين كندا والسعودية، لكنّهم وجدوا أنفسهم يدفعون ثمنه. آلاف المبتعثين سافروا بحثاً عن مؤهّلات علميّة وخبرات تدريبيّة ومهنيّة؛ ولكن، من الواضح أنّه أمام سياسات ولي العهد الحالي، تسقط طموحات وخيارات هؤلاء الأفراد، إذ يغدو رضوخ من شملتهم قرارات الإعادة بمثابة “واجب وطنيّ” واعتراضُهم خطيئة قد تكلّف مقترفها العقاب أو السجن، تماماً كما كلّفت معارضين ومعارضات أبدت كندا تضامناً معهم.

إنقسمت ردود فعل الطلّاب بين مؤيّدة لقرارات المملكة، وهي الردود التي كان لها أسماء، والردود المُستهجِنة لها أو المتوسّلة العدول عنها، وهي الردود المجهولة الهويّة، كتلك الواردة في بيان نُشر في 12 آب/أغسطس، أُعلن فيه عن تأسيس “لجنة تنسيقيّة لشؤون الطلّاب السعوديّين في كندا” لم ترد فيها أسماء الطلّاب. وقد طالبت اللّجنة في بيانها بإعادة النظر بقرار الحكومة السعوديّة، داعيةً وليّ العهد إلى العمل على إيقاف تداعيات السياسات الأخيرة لما لها من تأثير في مستقبل آلاف الطلّاب وعائلاتهم.

تداعيات القرارات السعوديّة لا تنتهي عند هذا الحدّ. فقرار المقاطعة الدبلوماسيّة، وإلى جانب سحب الطلاب، شمل أيضاً آلاف المرضى الذين نصحتهم السلطات السعودية بتجنّب العيادات في كندا أو العلاج في مستشفياتها. واضطرّ معهم آلاف الأطبّاء والمتدرّبين السعوديّين في مجال الرعاية الصحيّة إلى مغادرة المستشفيات حيث يعملون أو يتدرّبون، ممّا أدّى إلى انخفاضٍ في عدد العاملين الصحيّين المخوّلين متابعة المرضى على مدار الساعة، الأمر الذي دفع بإدارات المستشفيات إلى إيجاد البدائل والحلول سريعاً.

أمّا كندا، فلم تتّبع منطق المعاملة بالمثل، وقد أعرب مسؤولون كنديّون أن الديمقراطيّة الكنديّة تميّز بين السلطات والأفراد ولا تمارس عقوبات جماعية، وبالتالي، لا ذنب لآلاف الطلّاب والاختصاصيّين في قراراتٍ تعسّفية أقدمت عليها حكومة بلادهم. وانسجاماً مع المبادئ التي تنادي بها، قرّرت أوتاوا، التي اتّهمتها شخصيّات سعوديّة باقترافها لانتهاكات لا تُحصى لحقوق الإنسان، منحَ حقّ الإقامة للطلّاب السعوديّين الراغبين بالبقاء في كندا من دون اشتراط تقديمهم طلبات لجوء، إنّما فقط تعبئة طلبات خاصّة عبر نظام الدخول السريع على موقع حكومي مخصّص لذلك.

 

إقرأ أيضاً:
تقلّب محمد بن سلمان يضرّ السعودية
موجة اعتقالات للحقوقيّات في السعودية: “لستِ وليّةَ نفسكِ”
الأزمة السعودية الكندية: خلفيات سابقة على قضية المعتقلات