fbpx

غزو أوكرانيا: هل نصدق أن أوروبا لم تعد نفسها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما شهدناه خلال الأسبوع الفائت في القارة العجوز مخيف لجهة سرعة استجابة مجتمعات ودول “عاقلة” لنداء الثأر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد أقل من أسبوع على مباشرة فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا، أطاحت ذاكرة أوروبا بعقلها، فالأخير على ما يبدو راح ينمو على نحو مغاير عن الذاكرة، لا بل إن الابتعاد عن الذاكرة كان أحد شروط نمائه. من السهل دحض هذه الفكرة، لكنها تملك حظوظاً لا بأس بها من الصحة. فما شهدناه خلال الأسبوع الفائت في القارة العجوز مخيف لجهة سرعة استجابة مجتمعات ودول “عاقلة” لنداء الثأر. 

أولاً يجب أن يبدأ هذا العرض ليس فقط من إدانة الغزو، انما بالخوف والذهول من حقيقة أن دولة تملك أكثر من خمسة آلاف رأس نووي يحكمها فلاديمير بوتين. وأن رجلاً مهووساً مثل زعيم الكرملين قرر الخروج من عزلته حاملاً حقيبة نووية، وهو الآن ليس بصدد احتلال بلد، انما بصدد محوه.

لكن المذهل أيضاً أن الحرب العالمية الثانية كتجربة وكخبرة ما زالت مزروعة في الوعي الأوروبي على رغم مرور نحو سبعين عاماً على نهايتها، وهذا الزرع سريعاً ما أتى أُكله، فبين يوم وليلة قررت ألمانيا التي منعت من التسلح طوال السبعة عقود الفائتة أن تتسلح. وفي هذه اللحظة باشرت بولندا خوفاً ضمنياً من تسلح ألمانيا، ناهيك عن خوفها من بوتين، ذاك أن ألمانيا معززة بترسانة أسلحة أيقظت ببولنديين خوفاً قديماً عمره سبعة عقود! 

أي معضلة هذه، فألمانيا هذه المرة إلى جانب بولندا في مواجهة بوتين، ولكن الخوف القديم لا يقيم وزناً للعقل. جزء من أوروبا، لم يشف بعد من الخوف من ألمانيا المسلحة. 

ليس هذا فحسب، فقد كشف الغزو عن قابليات تحتاج إلى نقاش وتأمل، أن تتخذ أوروبا قراراً سريعاً بحجب وسائل إعلام روسية وبمنع بثها في دول الاتحاد، فهذا أمر يحتاج للتوقف عنده، لا سيما وأنه لم يُمهد له بنقاش حول دلالاته لجهة عدم انسجامه مع حريات طورتها دول الاتحاد على مدى عقود. نحن هنا حيال قرار بالمنع، فهل اتخذ في سياق ما يشبه “قانون طوارئ”، أم أن المادة الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام هذه لا تنسجم مع القيم الأوروبية. مع العلم أن أوروبا قبلت ببث هذه المحطات وبمحتواها البصري والمكتوب بما يتعلق بدور روسيا في سوريا، وقبلها باحتلالها منطقة القرم! 

والمرء إذ يذهب أكثر بمخاوفه، تلوح له الأخبار عن تجميد أرصدة المتمولين الروس وقرارات مصادرة أملاكهم في أميركا ودول الاتحاد بوصفها نوعاً من العقاب الجماعي، ذاك أن الأخبار لم تتضمن تمييزاً بين رجال الأعمال وأصحاب الأملاك المقربين من النظام في موسكو وبين غيرهم من الروس، والوقت لا يساعدنا كثيراً للبحث عما اذا تضمنت القرارات تمييزاً، ذاك أن الحرب أسرع من محرك البحث، والقرارات المتلاحقة لا تمهلنا كثيراً، فعلينا التدقيق بما يليها من أخبار، خصوصاً اذا كانت من وزن تعليق تدريس دوستويفسكي في أحد الجامعات الإيطالية ولو موقتاً، ناهيك عن ذلك الهراء الذي تضمنته رسائل المراسلين الصحافيين عن اللاجئين أصحاب الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، أو عن إقحام الرياضة والرياضيين في دوامة مواجهة لا يد لها ولهم فيها، وهي توجت بصرخات نجوم روس ضد الحرب شملتهم الإجراءات العقابية.

إنها الذاكرة، وهي هذه المرة ليست درساً لتجاوز الماضي والذهاب إلى ما بعده، انما بوصفها قدراً من المحتمل أن يعاود اشتغاله. وهنا لا بد للمرء، ومن على هذه المسافة التي تفصله عن أوروبا أن يخاف من بوتين طبعاً، لكن أن يخاف على أوروبا من ذاكرتها، وأن يخاف على قيم لطالما تمنى أن تتسرب إلى بلاده.

رجل مهووس وراء هذا التحول. فهل صحيح أن الكوكب هش إلى هذا الحد.؟   

إقرأوا أيضاً: