fbpx

زمن “كورونا”… التلوّث المتزايد موت آخر يتهدد اللاجئين في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فقدت عائلة يازن معيلها الوحيد، وفقدت معه أمانها الاقتصادي والاجتماعي، وباتت الأسرة مهددة، ولا تعرف كيف ستواجه الأعباء المتزايدة مستقبلاً. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعاني قرابة 6 ملايين لاجئ في مصر، وفقاً لإحصاءات رسمية، من تبعات ارتفاع معدلات التلوث في مصر، بخاصة خلال جائحة “كورونا”، ما يزيد حجم المخاطر الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية التي يتعرضون لها.

وكشفت دراسات علمية، ارتفاع نسب الإصابة بفايروس “كورونا” في المناطق الأكثر تلوثاً، مقارنة بغيرها من المناطق، وارتفاع معدلات الوفاة في المناطق ذاتها بنسب ملحوظة، مقارنة بالمناطق الأقل تلوثاً. 

يازن، لاجئ سوري كان يقيم في مدينة العاشر من رمضان، أكبر مدينة صناعية في مصر، وكان من هؤلاء الضحايا. تروي شقيقته لطيفة قصته لنا بكلمات مختلطة بالدموع: “توفي أخي بعد إصابته بكورونا، لم نكن نملك مالاً لندخله إلى مستشفى خاص، ولا يملك أي منا إقامة سارية حتى نودعه مستشفى حكومي، عزلناه داخل غرفته في شقتنا، ولكن وضعه تفاقم سريعاً، وتوفي في النهاية، أخبرنا الطبيب أن إصابته مسبقا بالتهاب رئوي وراء سوء حالته، ولم نتمكن في النهاية من إنقاذه”. 

تسرد لطيفة لمعد التحقيق، أنهم جاءوا إلى مصر من سوريا أوائل عام 2012، واستقروا في مدينة العاشر من رمضان، وتمكن شقيقها من العثور على فرصة عمل في أحد مصانع السيراميك في المدينة، لكنه أصيب بالتهاب رئوي قبل عام ونصف العام، وأخبره الطبيب أن انبعاثات المصنع هي السبب، وتؤكد شقيقة يازن أن “كورونا” تمكن منه بسبب مرضه التنفسي… وكان يمكن أن يتغير الوضع لولا إصابته.

 أقامت أسرة يازن في مدينة العاشر من رمضان، وعمل هو في مصنع سيراميك ليتمكن من الإنفاق على أسرته المكونة من 5 أفراد: والدته وشقيقته وزوجته مع طفلين، تحمل رب الأسرة انبعاثات المصنع وظروف مرضه لإعالة أسرته، لكن التلوث و”كورونا” ظفرا به. 

مليونا مواطن يعانون أزمات صحية سنوياً بسبب تلوث الهواء

العاشر من رمضان، هي أكبر مدينة صناعية في مصر، ومن أكثر المدن المصرية تلوثاً، بسبب الانبعاثات والمتبقيات ومخلفات الصرف الصناعي، ذلك أنها تضم أكثر من 4 آلاف مصنع يعملون في الصناعات الثقيلة، أكثر الصناعات الملوثة للبيئة، بخاصة تلك التي ينجم عنها أصباغ وأحبار وملوثات كيماوية ومواد بتروكيماوية.

ينتج عن مصانع العاشر من رمضان قرابة 280 ألف متر مكعب من المخلفات يومياً، 80 في المئة منها من الصرف الصناعي و20 في المئة منها صحي، وفقاً لتقديرات رسمية.

بخلاف مدينة العاشر من رمضان، بلغت معدلات التلوث في مصر مستويات خطرة، فقد كشفت دراسة، أجريت عام 2020، أن القاهرة هي المدينة الأكثر تلوثاً في العالم، من أصل 48 مدينة، وفقاً لموقع “ذا إيكو إكسبرتس”، ووفقاً لبيانات رسمية يسعى مليونا شخص سنوياً، للعلاج مشكلات في الجهاز التنفسي بسبب تدني جودة الهواء.

ويعيش في القاهرة معظم اللاجئين الموجودين في مصر، باختلاف جنسياتهم، وبالتالي يواجهون مخاطر أكثر من غيرهم الموجودين في بقية المحافظات. 

تلوث القاهرة يكلف مصر 47 ملياراً سنوياً 

كشف تقرير للبنك الدولي، أن تلوث الهواء تسبب في وفاة قرابة 68 ألف مصري، عام 2016، وترتب عليه ضياع عامين تقريباً من عمر كل مصري، بسبب الاعتلال أو الإعاقة الصحية، وقدر البنك أن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى وحدها كلف مصر نحو 47 مليار جنيه، عام 2017، أو ما يعادل 1.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

يتسبب تلوث الهواء في وفاة قرابة 4.2 مليون شخص حول العالم، لكن تلوث الهواء وقت تفشي “كورونا”، يجعل المخاطر التي يواجهها الجهاز التنفسي للإنسان تتضاعف بشدة، وفقاً لدراسات علمية.

التلوث يزيد الوفيات بين مصابي “كورونا” 

كشفت دراسة علمية، نشرت عام 2003، أن احتمالات وفاة المصابين بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، وهي المتلازمة الناتجة عن فايروس وثيق الصلة بـ”كوفيد- 19″، زادت بنسبة 84 في المئة لدى الذين يعيشون في مناطق تسودها معدلات تلوث عالية، وهو ما يوضح أسباب تفاقم حالة اللاجئ السوري يازن.  

وفي ما يتعلق بفايروس “كورونا”، أفادت دراسة في جامعة هارفارد، بأن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بـ”كورونا” في أميركا، تأثر بارتفاع مستوى الجسيمات الدقيقة العالقة، التي يصل نصف قطرها إلى 2.5 ميكرومتر، وارتبطت زيادتها عن المعدل الطبيعي بمقدار ميكروغرام واحد لكل متر مكعب، بارتفاع نسبته 15 في المئة في عدد الوفيات بفايروس “كورونا” المستجد.

إقرأوا أيضاً:

معدل انتشار “كورونا” أكبر بـ8 أضعاف 

كشفت دراسة بحثية، أن “كوفيد- 19” يمكن أن ينتقل في ثنايا الجسيمات الدقيقة المعلقة التي يبلغ نصف قطر الواحد منها 10 ميكروغرامات.

وبحسب منظمة الصحة العالمية يبلغ الحد الآمن لوجود هذه الجسيمات في الهواء 10 ميكروغرامات لكل متر مكعب، بينما تبلغ هذه النسبة في القاهرة الكبرى 84 ميكروغراماً لكل متر مكعب من الهواء، أي أكثر من المعدل العالمي بـ8 أضعاف، أي أن معدل انتشار الفايروس أكبر 8 أضعاف من الدول الأخرى.

وقال آرون برنستين، مدير مركز المناخ والصحة والبيئة في العالم بجامعة هارفارد لـ”بي بي سي”: “احتمالات الوفاة بسبب الإصابة بفايروس كورونا ترتفع لمن يعيشون في بقاع، تصبح أكثر تلوثاً بمرور الوقت”.

وأكدت الدراسة، التي شملت 3080 مقاطعة أميركية، ارتفاع معدلات الوفاة بشكل كبير بين المقيمين في مقاطعات تشهد تلوثاً منذ أمد بعيد، موضحين أن سكان المناطق الأكثر تلوثاً، يواجهون مخاطر طبية أكبر، فهم معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض القلب والجهاز التنفسي، علاوة على أنه ثبت علمياً أن تلوث الهواء يضعف جهاز المناعة لدى الإنسان، ما يضر بقدرته على مقاومة العدوى.

التلوث خلق بؤرتين لتفشي “كورونا” في إيطاليا 

كشفت دراسة مماثلة أجريت في إيطاليا حول مستوى جودة الهواء في إقليمي لومباردي وإميليا رومانيا، وجود علاقة متبادلة بين عدد حالات الوفاة المُسجلة بسبب الإصابة بفايروس “كورونا” ومعدلات التلوث المرتفعة في هاتين المنطقتين.

معظم حالات الوفاة المسجلة في إيطاليا حتى نهاية نيسان/ أبريل 2021، وقعت في إقليم لومباردي بفارق كبير عن بقية أقاليم البلاد، إذ سُجِلت فيه قرابة 13 ألف حالة وفاة من أصل 27 ألف حالة وفاة سجلت في إيطاليا بأسرها، أما إقليم إميليا رومانيا فاحتل المركز الثاني، بعدد متوفين وصل إلى قرابة 3 آلاف شخص.

خلصت الدراسة إلى أن تلوث الهواء حوّل الإقليمين إلى بؤرتين لتفشي “كورونا”، وأوصوا باعتبار مستويات التلوث المرتفعة في شمال إيطاليا عاملاً مساعداً لارتفاع عدد الوفيات المُسجلة هناك.

الدراسات السابقة تفسر أسباب سوء الحالة الصحية ليازن، بعد إصابته بـ”كورونا”، وعزله داخل منزله، ووفاته في النهاية برغم تلقيه بروتوكول العلاج الذي كتبه له الطبيب.

يعاني قرابة 6 ملايين لاجئ في مصر، وفقاً لإحصاءات رسمية، من تبعات ارتفاع معدلات التلوث في مصر، بخاصة خلال جائحة “كورونا”، ما يزيد حجم المخاطر الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية التي يتعرضون لها.

خطة حكومية لتقليص معدلات التلوث 

تحاول الحكومة المصرية مواجهة معدلات التلوث المرتفعة، ضمن خطة التنمية المستدامة مصر 2030، تقول الدكتورة إيمان عبدالعظيم، مقررة اللجنة الوطنية للمسائل البيئية في أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية، إن الحكومة تواجه ارتفاع معدلات التلوث بشكل جدي خلال السنوات الأخيرة، وتخطيط المدن الجديدة، بخاصة الصناعية، يعتمد على أن يكون اتجاه الريح معاكساً للتجمعات السكنية حتى لا تنتقل الشوائب والمخلفات الصناعية للمواطنين.

وأضافت عبدالعظيم لمعدّ التحقيق، أن أبرز ملوثات الهواء في المدن هي عودام السيارات، لذلك أطلقت الحكومة مبادرة إحلال وتجديد السيارات، مطلع 2021، وتستهدف استبدال السيارات القديمة المتهالكة بأخرى جديدة تعمل بالغاز الطبيعي، علاوة على شروعها في إنتاج السيارات والباصات الكهربائية، الصديقة للبيئة.

وأوضحت أن الحكومة بدأت التوسع في تنويع وتكثيف استخدام وسائل المواصلات العامة، حتى تشجع المواطنين على استخدام المواصلات العامة بدلاً من سياراتهم الخاصة، وبدأت تنفيذ خطوط مترو أنفاق جديدة، علاوة على القطارات فائقة السرعة والتي بدأت تنفيذها بين مدن ومحافظات عدة، علاوة على قطار المونوريل.  

الفقر والحجر يزيدان معاناة اللاجئين في مصر 

تفاقمت أوضاع يازن الصحية والنفسية بسبب الفقر، والصعوبات المادية التي يواجهها وملايين ملايين اللاجئين، فقد توقفت معظم الأنشطة الاقتصادية والشركات والمصانع عن العمل، خلال جائحة “كورونا”، وتعرض عمال كثر للفصل، كان في مقدمهم اللاجئون والمهاجرون، باعتبارهم الفئة الأكثر ضعفاً وهشاشة، ولن يطالبوا ملاك المصانع بحقوقهم، ولن يساندهم القانون، لأن كثراً منهم يعيشون في أوضاع غير قانونية.

فقدت عائلة يازن معيلها الوحيد، وفقدت معها أمانها الاقتصادي والاجتماعي، وباتت الأسرة مهددة، ولا تعرف كيف ستواجه الأعباء المتزايدة مستقبلاً. 

تم إعداد هذا التحقيق ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام   CFI

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.