fbpx

صورة قاسم سليماني ليست أسوأ
ما في معرض بيروت للكتاب 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وجود قاسم سليماني في معرض الكتاب ليس أسوأ ما فيه. المعرض نفسه أسوأ بمراحل من الصورة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان يمزح، لا شك، الشاب الذي راح يصارع صورة الراحل الإيراني قاسم سليماني في “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب”. 

هو يعرف أن إيران لا تحتل لبنان، وأن صور الزعماء الإيرانيين المنتشرة في لبنان منذ الثمانينات من القرن الماضي، رفعها لبنانيون مثله يرون في أصحاب الصور والمجسمات قادة روحيين وسياسيين عابرين للجنسية ومكان الإقامة. هو العاجز عن طرد هذا العدد الذي لا يستهان به من اللبنانيين إلى إيران، والعاجز أيضاً عن التوجه إلى طريق المطار للنيل من مطلق صورة بحجم كف اليد ملصقة على أي جدار هناك، بدا غير مقنع وهو يتوجه بضربات متتالية بقبضته إلى العمل الفني الأعزل الذي يبدو فيه الجنرال متجهماً ينتظر الفرصة السانحة للتحرر من اللوحة والمعرض معاً.

طيّب. عبّر الشاب عن رأيه بحرية، وبالحرية ذاتها عبّر مناصرو سليماني عن رأيهم برأيه، وأوسعوه ضرباً. لا بأس. الملاكمة الثقافية محبذة شرط ألا يسقط ضحايا. لو أن المنظم، النادي الثقافي العربي، يعد بمباريات مصارعة حرة يومية خلال الندوات، وحفلات التوقيع، أو على الأقل قبلها وبعدها، مع السماح بالنراجيل، فإن المعرض سيتحول إلى ظاهرة وسيلاقي إقبالاً شديداً من اليوم الأول وحتى الأخير، وسيتخلص هذا المعرض لمرة واحدة وأخيرة من قدرته الشيطانية على إثارة الملل القاتل في النفوس.

ثم أن وجود سليماني في المعرض ليس نافراً إلى هذه الدرجة. دور النشر المؤدلجة، وتلك التابعة رسمياً لدول، ليست جديدة على معرض الكتاب. لطالما كانت تتلاصق في الدهاليز مع دور النشر الأخرى، في المكان الذي يشبه بقعة زيت عملاقة تعوم عليها دور النشر كجزر منفصلة تماماً بعضها عن بعض، حيث لكل جزيرة ثقافتها وكتبها ونجومها وجمهورها… (مثل لبنان، صحيح، لكن التشبيه لم يكن متعمداً). ولطالما كانت هناك طفرة في دور المنشورات الدينية السنية والشيعية على حد سواء، حيث الطباعة الفاخرة والمضمون الموجه لهواة النوع وشعبية المنتج وما يحققه من مردود مالي عالٍ. وليس من حق أحد الاعتراض على وجود المختلف عنه في المكان نفسه، فالمعرض، في الأصل، سوق للورق والورّاقين. ومن حضر هذا السوق باع واشترى. لكنه، بخلاف ما يحاول النادي الثقافي العربي تقديمه، خسر منذ زمن بعيد صفته “كتظاهرة ثقافية” تعكس محورية بيروت وأهميتها وضرورة دورها. أي دور تلعبه بيروت اليوم، وأي ثقافة تنتج، وأي نقاش تثير؟ ما الذي تضيفه كمدينة “متعددة”، “ديموقراطية”، “حديثة”، “حيّة” “مدينية”؟ بيروت التي تدهور الحال بها، وتدهورت به، إلى حد البحث عن تأمين بدهيات الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي ستعجز حتى عن ترف التفكير بدورها المفترض، لأنه لم يعد لها دور. كل ما سيفعله الطيبون من ناسها هو التفرج على ما يحصل في مدن عربية أخرى، في القطاعات كافة التي كانت لبيروت يوماً الريادة فيها، والتفجع على ما آلت إليه مدينتهم.

وجود  قاسم سليماني في معرض الكتاب ليس أسوأ ما فيه. المعرض نفسه أسوأ بمراحل من الصورة. هذا نشاط أقيم على عجل، وفي غير موعده، لم تحضره معظم دور النشر اللبنانية والعربية المعروفة. نظمه النادي الثقافي العربي، الجمعية التي يمكنك استبدالها بأي ديناصور يمر في خيالك هذه اللحظة، ولن يختلف عليك شيء. الجمعية أشبه بمصلحة سكك الحديد في بلد لا قطار فيه، ما زالت على ثباتها وعنادها بعدم التقدم ولو بخطوة، نصف أو ثلث خطوة إلى الأمام. موقعها الالكتروني قد يكون الأشد بؤساً على مستوى الكوكب. بؤس لا يعقل في التصميم الذي يعود إلى بدايات الانترنت وفي شريط أخبار يمر في أعلاه يعود إلى عام 2019. هذه الجمعية هي المسؤولة عن تنظيم معرض للكتاب، بينما تاجر كتب آخر أمضى، منذ فترة، بعض الوقت في الفضاء الخارجي قبل أن يعود إلى الكوكب الأم. المقارنة بين النادي وجيف بيزوس ليست واقعية حتماً، لكنها مسلية. أما في الواقع، فإن الجمعية ليس لديها أي فكرة عن صناعة الكتب وأين وصلت هذه الصناعة وطرائق تسويقها. هذا عالم مختلف عما تعد الجمعية الناشرين به، مثل تجهيز أجنحتهم بألواح بيض مركبة على ألومنيوم، إضافة إلى خدمات مجانية تتمثل “بحملة إعلامية في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة” وكتابة اسم الدار بشكل بارز على الجناح وتأمين طاولة وكرسيين لكل مشترك.

لا شك في أن هذه خدمات لا يستهان بها في تنظيم المعارض، لكن من المفترض أن تتخطاها إلى ما هو أكثر حداثة من تأمين طاولة وكرسيين، بخاصة أن العواصم المنافسة تمطرنا بمعارضها التي يبدو معرضنا أمامها، فلنقل، متواضعاً بعض الشيء.

لكن لا. النادي لا يقبل أن يتواضع. يضع شعاراً ليس فيه أدنى ارتباط بالزمان والمكان: “بيروت الصمود.. بيروت لا تنكسر”. 

لسنا في العام 1982 حين كانت “بيروت تحترق ولا ترفع الرايات البيضاء”. لا. في حينها كانت صامدة وكانت لا تنكسر وكانت حيّة. بيروت الآن اختلفت. 

هذه مدينة محبطة ومكسورة ومهمشة ولا دور لها. هذه بيروت كما نراها، حزينة. هذه بيروت الآن، ينظم معرض الكتاب فيها الديناصور نفسه، بالأدوات البدائية نفسها، ويكون الحدث الثقافي الوحيد فيها صورة على جدار لجنرال إيراني.     

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.