fbpx

قانون المخابرات المصرية وصناعة الأموال:
استحواذ أمني علني على الاقتصاد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في طريقها النهم لجني الأرباح، تقوم الدولة بعسكرة المنافذ المدنية واحتكارها، وربط مصالح الناس وحاجاتهم بمنظومتها العسكرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مشهد نادر الحدوث داخل البرلمان المصري، ومن دون إدراج البند على جدول أعمال الجلسة، تلا اللواء أحمد العوضي، في شباط/ فبراير الماضي، على مسامع النواب والصحافيين تعديلات قانون المخابرات العامة، الذي أعدته بسرية لجنة الدفاع والأمن القومي.

شفوياً، وبدون قراءة البنود أو التطرق إلى حيثيات التعديل أو توزيع تقرير اللجنة على أي من النواب أو الصحافيين الحاضرين، وقف المجلس بغالبية ثلثي أعضائه موافقةً على تعديل القانون الذي سيمنح جهاز المخابرات العامة الحق في تأسيس الشركات وإدارتها من قبل أعضائه، إضافة إلى شراء أسهم في الشركات الخاصة القائمة بالفعل أو المستحدثة، وتعيين أعضائه رؤساء وأعضاء مجلس إدارة بعد موافقة الجهاز.

تعد هذه الخطوة المفاجئة بمثابة كشف القناع ونقطة تحول للأدوار التي تلعبها أذرع الاستخبارات في السوق التجاري والاقتصادي المصري، إذ ستنتقل من بيئة عمل سرية وغير مشروعة إلى بيئة اقتصادية حرة، تلعب فيها بشكل علني على المكشوف.

من الواضح أن جهاز المخابرات العامة ليس أقل في شيء من الجيش الذي يستحوذ على قطاعات اقتصادية كاملة تحت ضوء الشمس.

في السابق، لم يكن جهاز المخابرات العامة وهو هيئة مستقلة تتبع بشكل مباشر رئاسة الجمهورية- تختص بالمحافظة على الأمن ومد رئيس الجمهورية بالمعلومات- ليكشف القناع عن وجهه باتخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة للانخراط في القطاع الخاص واقتصاد الشركات بلا تستر، لولا التحولات التي مرت بها الدولة منذ ثورة يناير 2011، وممارسة أساليب الكشف التدريجي مع مرور الوقت، عن الأقنعة، واكتساب الشرعيات في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي من طريق الصدمة. 

ومن الواضح أن جهاز المخابرات العامة ليس أقل في شيء من الجيش الذي يستحوذ على قطاعات اقتصادية كاملة تحت ضوء الشمس.

سبق تعديل القانون، إصدار الرئيس السيسي، في تموز/ يوليو 2015 قانوناً يمنح المخابرات العامة ووزارتي الدفاع والداخلية والمؤسسات التابعة لهما الحق في تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال. 

إلا أن هذا لا يكفِ، ولا يعد سوى تمهيد لخطوة أوسع في دولة ظلت لعقود تزيد من سيطرتها المركزية على الاقتصاد، كما أن لديها طموحات استحواذية لا تنتهي، لتقسيم كعكة الاقتصاد بين أفراد النخبة الذين لا يملكون أي حق يؤهلهم لهذا الكسب سوى امتلاكهم المفرط للسلطة.

المؤسسة العسكرية لا تؤمن بالنيوليبرالية الأميركية أو عقيدة السوق الحر، كما قالت الباحثة زينب أبو المجد في مقال لها بعنوان “الجيش والاقتصاد في مصر“، لأن تلك العقيدة- اتفقنا معها أو كرهناها- تعني فقدانهم ممتلكات الدولة التي يديرونها. 

ووفقاً للمقال، يقدر الخبراء المساحة التي استحوذت عليها وأدارتها لواءات المؤسسة العسكرية قبل عام 2011 بما يتراوح بين 25 و40 في المئة من الاقتصاد المصري. 

كما أنه في السنوات الأخيرة ومع تكليف القوات المسلحة بإقامة 17 ألفاً و762 مشروعاً استثمارياً، تقدر تكلفتها بـ2.2 تريليون جنيه، بحسب تصريحات صحافية لرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، تزايدت هذه النسبة لا سيما مع تنفيذ المشروعات الكبرى مثل مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع شبكة الطرق العملاقة، واستزراع مليون فدان.

فضلاً عن امتداد أذرع المؤسسة العسكرية إلى القطاعات الحيوية كافة تقريباً. تذكر خريطة توضيحية أعدتها “العربي الجديد” عام 2017، للشركات والقطاعات التي يسيطر عليها الجيش أن المؤسسة العسكرية تسيطر على القطاعات التي تدر الأرباح، خصوصاً تلك المرتبطة بحاجات المأكل والمسكن.

إقرأوا أيضاً:

كشريك للجيش على الساحة الاقتصادية، لا تكتفي المخابرات باللعب من خلف حائط أو ستار، خصوصاً مع نشر الجيش معلومات عن أنشطته الاقتصادية على مواقع الإنترنت، وتفاخر تلك الشركات والقطاعات بأنها تابعة للقوات المسلحة، ولكن في الوقت نفسه، مع اعتبارها أسراراً عسكرية يحظر الحديث عنها. ومن أجل التحرك بحرية دون الحاجة إلى وسطاء مدنيين، تخطو المخابرات نحو الطريقة المتبعة والآمنة والمضاهية أيضاً للجيش المصري.

في السنوات الأربعين الماضية مع تنامي تدخل المؤسسة العسكرية وسيطرتها على السوق التجاري والاقتصادي المصري، امتلكت المخابرات شركات تابعة لها في قطاعات السياحة والطيران والمقاولات وغيرها، وفي السنوات الأخيرة فقط، قام الجهاز بتأسيس شركات في السر، حتى أصبح يمتلك قطاعات اقتصادية بأكملها، كاستحوازه على الفضائيات، والهيمنة على وسائل الإعلام المصرية و”بيزنس” الجرائد واستيراد الغاز من إسرائيل.

تذهب ميزانية هذه الشركات إلى حسابات خاصة خارج الموازنة العامة للدولة.

يكشف مقال للصحافي حسام بهجت بعنوان “من يشتري غاز إسرائيل؟ شركة مملوكة للمخابرات المصرية” عن عمليات التلاعب الاقتصادية والمساحة السرية التي تشغلها المخابرات في جانب من سوق الاقتصاد، من أجل عقد الصفقات مع إسرائيل لاستيراد الغاز.

كما كشف عن علاقة العوضي الشخصية بتورط الجهاز في تلك العمليات.

اللواء أحمد العوضي، هو رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، وقائد سلاح الصاعقة السابق، تم تكريمه كأحد الأبطال القوميين ضمن قيادات حرب أكتوبر. 

عبر تتبع السجلات التجارية لشركة غاز الشرق- الرابح الأكبر من صفقة الغاز مع إسرائيل- ظهر بوضوح أن معظم مقاعد مجلس الإدارة ومعظم ملكية الأسهم، تعود  إلى ضباط في المخابرات العامة، يتم تعيينهم في مجلس الإدارة كممثلين عن “الشركة المصرية للمشروعات الاستثمارية”، التي تعد الذراع التجارية للمخابرات العامة، والتي لا يكشف البحث عنها سوى العثور على عنوانها في باب اللوق، استطاع المقال الوصول إلى ملكية أسهم الشركة، واتضح أنها موزعة بالنصف بين مالكين لا يربط بينهما سوى تكريمهما ضمن قادة حرب أكتوبر، وهما اللواءان، أحمد العوضي ومحمد الجندي. 

كما تتبع الطرق الملتوية والمعقدة التي اتخذتها المخابرات للجوء إلى الملاذات الضريبية وإنشاء شركات في هولندا ولوكسمبرغ وسويسرا، من أجل التعاقد مع إسرائيل، وعادة ما كان يتم التحايل عبر الحاجة إلى لاعبين اقتصاديين مدنيين ورجال أعمال لإخفاء اللاعبين الحقيقيين وستر الأدوار التي تقف وراءها المخابرات.

قرار التعديل المستند إلى موافقة البرلمان والذي تلاه أحمد العوضي نفسه، يشير إلى شرعنة ما كان يحدث لسنوات في الظل، وبأساليب غير مشروعة. 

في مشهد نادر الحدوث داخل البرلمان المصري، ومن دون إدراج البند على جدول أعمال الجلسة، تلا اللواء أحمد العوضي، في شباط/ فبراير الماضي، على مسامع النواب والصحافيين تعديلات قانون المخابرات العامة، الذي أعدته بسرية لجنة الدفاع والأمن القومي.

يشير هذا التحول إلى أن إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، على عكس السابق، وعلى عكس أسلوب دولة حسني مبارك، أصبحت تميل إلى تقليل مساحة الثقة في لاعبي الأدوار الاقتصادية من المدنيين، وتكوين مساحة اعتماد داخلية لا يتم فيها اللجوء إلى رجال الأعمال.

ربما يكون السيسي قد تعلم الدرس من زرع بذرة فرانكنشتاين في أرض امتيازاته الاقتصادية، بعدما جنى في موسم الحصاد الوحشَ الذي هدد سلامته عبر النزول الجماهيري إلى الشارع، على صدى ما كشفه رجل الأعمال والمقاول الهارب محمد علي.

وما كان يستلزم العمل شهوراً، عبر بذل مجهود شاق واستثنائي لإثباته، قدم اليوم في قاعة البرلمان بصراحة وعلانية وبساطة ولكن مرتدياً حلة قانونية. على رغم ذلك، ستظل المخابرات متحفظة على آليات التوجه السياسي لاقتصاد تلك الشركات، وأيضاً، لن تكشف عن سرية ميزانياتها.

من شأن هذا القرار أن يزيد من حالة تراجع المنافسة في السوق المصري، إضافة إلى تأثيره في توجه شركات القطاع الخاص في مقابل هذه القوى الاحتكارية العظمي المتمثلة في المخابرات العامة والقوات المسلحة، لا سيما في ظل قوانين تمنح الأعمال الحكومية بالأمر المباشر إلى الشركات، والتي ستكون غالباً من نصيب هذه القوى العسكرية.

وفي مقابل الأموال الطائلة التي تنفقها شركات القطاع الخاص على الضرائب والرسوم الجمركية على مستورداتها من الخارج، ستتمتع شركات المخابرات بالإعفاءات الضريبية والجمركية بموجب قانون المخابرات.

في طريقها النهم لجني الأرباح، تقوم الدولة بعسكرة المنافذ المدنية واحتكارها، وربط مصالح الناس وحاجاتهم بمنظومتها العسكرية، فضلاً عن القمع الطبقي للعمالة المترتب على تفريغ عمال الطبقات الدنيا من القطاع الخاص وملئه بمجندين في شركات الجيش.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.