fbpx

سُلطة المُعلّم: كيف استخدمها الممثل المصري
شادي خلف وآخرون في الاستغلال الجنسي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما نعرفه الآن أن الضحايا كسبن جولة من جولات قضية التحرش الأشهر في مصر خلال العامين الماضي والجاري، أما الجاني فيبحث عن باب خروج يحميه من السجن، أو يخفِّف عقوبته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يملك الممثل المصري شادي خلف (43 سنة) استديو يقدم ورشاً تدريبية في التمثيل، اسمه “ذات”. 

بات اليوم هذا الاستوديو وصاحبه رديفين لواحدة من أشهر قضايا الاعتداء والتحرش الجنسي في مصر. فقد انتهج خلف بحسب شهادات عدد من الفتيات والنساء مسار مقايضة التوظيف بالاعتداء والتحرش الجنسي. هذه القضية ألقت الضوء على ظاهرة تنتشر باتت تعرف باسم “سلطة المُعلّم”.

قضت محكمة جنايات القاهرة على الممثل المصري شادي خلف بـ3 سنوات سجناً لاتهامه  بالاعتداء على 7 فتيات في استديو ورش وتدريبات تمثيل يملكه بالقاهرة. بدأت حوادث التحرش عام 2016 حتى عام 2020. وتنتظر القضية الآن نظر استئناف خلف، حتى يتم تأكيد الحكم نهائياً.

بحسب شهادات الفتيات كان شادي يعتبر أن ما يرتكبه معهن هو شيء “بسيط”.

كانت بداية كشف القضية عبر منشور على تطبيق “إنستغرام“، قال فيه أحد الحسابات المعنية بكشف حالات التحرش، إن “عشرات الفتيات تم التحرش بهن من شخص واحد خلال ورش التدريب التمثيلية على مدار ست سنوات إلى الآن، وأخريات حاول التعدي عليهن”، ثم حملت القضية رقم “6238” لسنة 2021 جنايات مصر الجديدة، وبدأت استجابةً لحملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “كله هيتعرف“. كشفت شهادات ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي ضد شادي خلف، وسريعاً ما اتخذت الشهادات المتناثرة بمواقع التواصل الاجتماعي شكلاً رسمياً لتثبتَ قوة “السوشيال ميديا” في فضح المتهمين، وتقديمهم للمحاكمة.

يستغلُ كثر من المدربين والأساتذة الجامعيون وزملاء العمل الأقدم، سلطتهم الافتراضية على المتدربين أو الزملاء الأصغر سناً والأحدث والأقل خبرة في الحصول على منافع جنسية- دون موافقة أو وعي الطرف الآخر- تحت مسميات متعددة منها التدريب والتعليم ومنحهم الجرأة على الفعل وردِ الفعل، باستغلال الصورة المثالية التي يرى المتدربون أو الموظفون الجدد الزملاء الأكثر خبرة وقدماً عليها، وعليه يستدرجونهم لأفعال لا يريدونها ويجبرونهم عليها بـ”سيف الحياء”، أو يتحجّجون بكونها جزءاً من التدريب، تحديداً في حالات التمثيل، وهذا ما فعله شادي حين فاجأ إحدى ضحاياه، حال وقوفها في مواجهته، ممسكاً إياها من جسدها بمنطقة البطن، في أثناء تدريبها على أحد المشاهد في ورشة التمثيل بحسب شهادتها. 

ولإجبار الفتيات على القبول وعدم الشكوى، يغريهنّ بأدوار مقبلة، وترشيحات في مسلسلات وأفلام بحيل وأساليب مختلفة، وبالفعل يرسل بعضهنّ إلى ورش “كاستنغ” للخضوع لاختبارات، حتى يحافظ على صمتهنّ وحاجتهنّ له، والإتجار بالطموح والرغبة في الشهرة بالأوساط الفنية هو أفضل طرائق التمهيد للاستغلال الجنسي، كما حصل مسبقاً في وقائع الاستغلال التي كان بطلها المخرج خالد يوسف، وأدت إلى إيداع ممثلتين حديثتي العهد السجن.

تكرَّر ذلك في حوادث عدة في أوساط متنوعة، فإحدى محررات الصحف الشهيرة في مصر تقدّمت بشكاوى ضد مدير التحرير، الذي تحرّش بها، مستغلاً تلك السلطة، إلا أنها لم تحصدْ شيئاً، فكانت تواجه وحدها عشرات الأصوات التي لا تشكك في صدق نياته، وانتهى الأمرُ باستبعادها من الصحيفة، وكذلك وقائع أخرى في قاعات التدريب وجلسات الإرشاد. 

وتنتهي أغلب تلك القضايا إلى لا شيء، إذ أن التحرش والاعتداء يكونان بلا أدلة، سوى شهادات الضحايا.. وهو ما يستدعي تشريعاً أو أسلوباً جديداً في الاستقصاء والاستجواب لإثبات صحة الاتهام من عدمه، وعدم وجود ذلك التشريع يثير مخاوف لدى ضحايا شادي خلف الآن، لكون الحكم عليه بـ3 سنوات سجناً في درجته الأولى، ويحق له الاستئناف وتقديم روايات وشهادات إضافية تقوّي موقفة، وقد ينتهي الأمر بالبراءة.. فالقانون مُعد بطريقة تسمح بالتهرّب منه أو التغلب عليه بحيل يعرفها محامو المتّهمون.  

إقرأوا أيضاً:

قصة توريط فتيات شادي خلف في “قضية تشهير”

تقدمت سبع فتيات بشهاداتهنّ ضد المتهم بالنيابة العامة وكشفن هوياتهنّ دون تحفظ، ما يوحي بأن أضعاف ذلك الرقم قد تعرّضن للاعتداء، ولكن فضّلن الصمت، خوفاً من المجتمع، أو من “تقاليد الأسرة” التي تفضّل الكتمان منعاً للفضيحة، التي قد تلاحق الضحايا إذا انكشفت هوياتهنّ على نطاقات واسعة. 

وبرغم اعتماد الحكومة المصرية تعديل قانوني لإخفاء بيانات ضحايا هتك العرض والتحرش، لحماية سمعة المجني عليهنّ، عبر عدم إثبات أسمائهنّ في أوراق متاحة، وإنما إدراجها بملف فرعي “سري” يضمن سرية بيانات المجني عليهنّ كاملة، يعرض فقط على هيئة المحكمة والمتهم والدفاع، إلا أن الضحايا ما زلن يحتفظن بخوفهن من “الفضيحة”، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الظلم وإهدار الحقوق وغياب العدالة، ويضعف مواقفهن ضد الجُناة. 

لكن ذلك ربما يعود إلى إقرار التعديل القانوني اطلاع المتهم وهيئة دفاعه على أسماء المتقدّمات بالبلاغات، وفي الغالب، وبحسب شهادات متعددة، يستخدم محامو المتهمين تلك المعلومات في التشهير بالضحايا وابتزازهن وإعلان أسمائهن وإجبارهنّ على النفي أو الانسحاب منعاً للمزيد من التشهير، أو الأضرار النفسية والأسرية. ويثبت ذلك من أحد الأخبار التي كشف فيها محامي المتهم اسم إحدى الضحايا التي قدمت بلاغاً ضده.

ما نعرفه الآن أن الضحايا كسبن جولة من جولات قضية التحرش الأشهر في مصر خلال العامين الماضي والجاري، أما الجاني فيبحث عن باب خروج يحميه من السجن، أو يخفِّف عقوبته… لنشهدَ قريباً الختام في قضية شادي خلف التي دارت رحاها على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تنتقل إلى الواقع الفعلي، حتى أوشكت جولاتها على النهاية، فما الذي حصل من البداية؟ وما هي شهادات الضحايا؟ 

بدأ شادي خلف محاولاته بجسّ نبض الفتيات اللائي حضرنَ ورشات التمثيل التي يقدّمها في مركز “ذات” الذي يملكه، عبر إثارة أحاديث جنسية، باعتبارها جزءاً من التدريب وفهم المشاهد والنصوص السينمائية، وذلك لتحديد من تتجاوب معه بها، لتصبحَ ضحيته. وتشابهت الشهادات إلى حد كبير، فأغلبهنّ حدَّدن أسلوباً متطابقاً كان المتهم يتَّبعه للإيقاع بضحاياه، ويتلخّص في الانفراد بهنّ في إحدى غرف المركز بحجة تدريبهنّ على مشهد، ثم فوجئ بأنه مشهد حميمي، قبل أن يحاول ابتزازها واستفزازها والضغط عليها نفسياً بأنها كي تصبح ممثلة محترفة يجب أن تتخلى عن الحرج، وتصبحَ أكثر جرأة، وإذا رفضت يتحوّل المشهد إلى حقيقة ويعتدي عليها، ويقبلها أو يحتضنها أو يلمس مناطق حساسة بجسدها، أو يخلع عنها ملابسها رغماً عنها.

وتقول “س.م”، في شهادتها، أنها التحقت باستديو “ذات” للحصول على ورش لتعليم التمثيل، خلال عام 2017، وكانت برفقة شادي في إحدى الغرف للتمرين على مشهد سينمائي، وخلال التدريب أمسك بها عنوة، وحملها، حتى دخل عليهما أحد العاملين فتركها وغادر، وفضّلت عدم التقدم ببلاغ خوفاً على سمعتها، لكنها لم تحضر الورشة مرة أخرى.

لم تنجُ كل الفتيات على طريقة “س.م”، فـ”م.م” التي حضرت إحدى ورش التمثيل لدى شادي خلف عام 2016، كانت في إحدى غرف التمرين، حين أمسك بها بعنف، ودفعها للحائط واعتدى عليها جنسياً.

تراوحت أعمار ضحايا شادي خلف ما بين 20 سنة، أي أقل من نصف عمره، حتى 36 عاماً، والفتاة الأصغر سناً هي “مي” التي تعمل في مجمّع في مدينة “نويبع” السياحية، والتي تعد إحدى المدن الأكثر انفتاحاً وتحرراً في مصر. وهناك، قابلها شادي، وأعجب بها وعرض عليها شرب الخمور معاً ثم عرض عليها الانضمام لورشته، فرفضت، وفوجئت به يقترب منها ويطلب تقبيلها، وحين رفضت، أمسك بها محاولاً تقبيلها رغماً عنها. 

قرّرت أن تكتفي بالمغادرة، دون الإبلاغ عما حصل، فالمجمّع لم يكن مزوّداً بكاميرات حتى تثبت الواقعة، وهو ما يسهّل مهمته في الإنكار، لكن الشكاوى الجماعية التي انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي دفعتها إلى التقدّم ببلاغ هي الأخرى.

الفتاة الأخرى هي “ك.م“، التي التحقت باستوديو “ذات” وداومت على حضور المحاضرات حتى طلب منها شادي الحضور للتدريب على أداء دور سينمائي لأحد الأفلام المقرّر مشاركتها فيه، ودفعها للحائط، في سياق درامي غير متفق عليه، والتصق بجسدها بعنف محاولاً تقبيلها وعندما حاولت منعه، تركها متعللاً بحاجتها إلى أن تصبح “جريئة” لتتمكّن من المشاركة في الفيلم المُنتظر.

تقدمت سبع فتيات بشهاداتهنّ ضد المتهم بالنيابة العامة وكشفن هوياتهنّ دون تحفظ، ما يوحي بأن أضعاف ذلك الرقم قد تعرّضن للاعتداء، ولكن فضّلن الصمت، خوفاً من المجتمع، أو من “تقاليد الأسرة” التي تفضّل الكتمان منعاً للفضيحة، التي قد تلاحق الضحايا إذا انكشفت هوياتهنّ على نطاقات واسعة. 

“خلف” الابن والأب… برعاية حبيب العادلي!

كان شادي خلف ينفي كل الاتهامات، ينفي أنه عرض على فتاة نويبع الالتحاق بورشته أو شرب الخمور أو أنه تحرش بها، أو لمسها من الأساس، وينكر أنه وظّف المركز المملوك له لاصطياد الفتيات واستغلالهنّ جنسياً، ويؤكد أنه لم يفعل أي شيء من الاتهامات التي تلاحقه، إلا أنّ الأوساط التي نما بها لا تنفصل كثيراً عن الاتهامات، ولا تختلف عنها إلى الحد الذي يجعل المتابعين ينحازون إلى روايته على حساب روايات 7 فتيات من الضحايا. 

شادي لم يكن ممثلاً مصرياً بارزاً، لم يقدم دوراً كبيراً في أي عمل فني، فلجأ إلى التدريب على التمثيل، ربما لتعويض النقص المهني الذي شعر به، وهو ابن الأسرة الثرية النافذة في أروقة الدولة في عهد حسني مبارك، وعلى أذرع تلك الأسرة دخل الوسط الفني برغم أنه درس التجارة ولم يدرس التمثيل أكاديمياً، فوالده هو نبيل خلف، أحد المتهمين الرئيسيين في قضية “فساد وزارة الداخلية” الشهيرة بعد ثورة 25 يناير برفقة حبيب العادلي و11 آخرين. 

وكان “خلف” الأب المتهم الثاني بصفته رئيس الإدارة المركزية للحسابات والميزانية في وزارة الداخلية، ذلك المنصب الذي كان يكفل له حماية نجله من أي اتهامات إذا كان لا يزال في السلطة، ولم تحدث ثورة 25 يناير. واختلس خلف، تحت مسمّى وهمي هو “احتياطي مواجهة الأهداف الأمنية”، مبلغ 41 مليوناً و155 ألفاً من ميزانية الوزارة، و21 مليوناً أخرى من اعتمادات الباب الأول في الموازنة، كما تورّط في صرف مبلغ 688 مليوناً و821 ألفاً من موازنة الوزارة “السيادية” قبل الثورة في أوجه إنفاق غير معروفة. 

لم تذكر التحقيقات أنه اختلس المبلغ الأخير، لكنه يقع ضمن نفقات الوزارة في شراء أسلحة غير مشروعة للتعذيب وقتل المتظاهرين وإحباط التظاهرات وأدوات لحفظ الأمن والاستقرار والسيطرة على مقاليد الحكم وضبط الشارع، المُسميات المتداولة لحراسة المُلك للرؤساء والأنظمة المستبدة.

وبناءً على ذلك النفوذ استولى خلف الأب على بعض المناصب التي حفظت له مكانة اجتماعية وثقافية لائقة، كعضو المجالس القومية المتخصصة، وعضو اتحاد الكتاب المصريين، وشارك منتجاً لبنانياً في إنشاء شركة إنتاج أفلام وأغنيات، وذكرت صحف أنه كان يتقاضى مقابل مشاركته في فساد وزارة الداخلية راتباً يصل إلى 6 ملايين جنيه شهرياً، وأنه كان مسؤولاً عن الاستثمارات الشخصية لحبيب العادلي.

في 7 نيسان/ أبريل 2011، كتب الصحافي محمد عبد الفتاح تحقيقاً صحافياً موثقاً بالمستندات حول “العادلي” وعلاقته بالإنتاج الفني، كشف أن خلف هو يده اليمنى في شركات الإنتاج والمسؤول عن تدوير أمواله، وله نجل يدعى شادي، شريك في شركة للموسيقى اسمها “أربيكا ميوزك” بـ250 سهماً. 

تشير شهادات الضحايا إلى أن شادي كان يمارس اعتداءات جنسية وابتزاز لحقوق الغير دون خوف من العقاب، أو شعور بالتهديد من الوقوع يوماً ما، فخلفيته وتاريخه وسيرة والده، تكشف أن بقاءه طويلاً مقرباً من السلطة، وجزءاً منها، برغم عمله ممثلاً، منحه شعوراً بالتفوق والقدرة على فعل كل شيء دون أن يدفع الثمن… فانتهى به الحال سجيناً ينتظر حكماً نهائياً.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.