fbpx

11 عاماً على سقوط بشّار الأسد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تذهب تلك السنون سدى، ولا مضت عبثاً، ففيها ومنها تعلمنا دروس الحرية، وكسرنا حاجز الخوف، وأفقدْنا الطاغيةَ وأعوانه هالاتهم المزيفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انقضى 11 عاماً على تاريخ ثورتنا السورية. كانت 11 سنة مؤلمة، خسرنا فيها من نسائنا ورجالنا وأطفالنا مئات الآلاف، واعتقل مئات الآلاف وعذِّبوا واغتصبوا وحرموا رؤية آبائهم وأبنائهم، وهدمت منازل ومستشفيات ومساجد وكنائس وجسور وطرق، وأُتلفت محاصيلُ وأُحرقت مصانع، وهاجرت عقول، وتخلّف ملايين الأولاد عن مدارسهم، وغرق آلاف في عرض البحر وهم يحاولون الهروب من جحيم الأسد وعائلته. 

ومع ذلك، لم تذهب تلك السنون سدى، ولا مضت عبثاً، ففيها ومنها تعلمنا دروس الحرية، وكسرنا حاجز الخوف، وأفقدْنا الطاغيةَ وأعوانه هالاتهم المزيفة التي كانوا يحيطون أنفسهم بها، وكشفنا الفساد المرعب الذي كان يحكم البلاد. وفيها أسّسنا مجالسنا المحلية الأولى بكلّ شفافية، وأحلّ السوريون هيئاتهم المدنية لتقوم بمهمات الدولة التي انسحبت منها، وخضنا معارك سياسية وعسكرية مشرّفة. وشكّلنا هيئاتنا المعارضة وهيئاتنا التفاوضية، وخضنا محادثات دولية ناجحة، وأبقينا سوريا على الطاولة في أجندات معظم الحكومات الصديقة والشقيقة. أوصلنا قيصر إلى الأمم المتحدة، وحشدنا الصحافة الغربية والبرلمانات الغربية معنا، وأسسنا إعلاماً موازياً وبديلاً لإعلام النظام الرخيص، وبرز من صفوفنا قادة من الرجال والنساء، في السياسة والمجتمع المدني والفكر والصحافة والفن والأدب.

ألم يشُبْ أداءَنا خطأٌ؟ بلى، وفي أحيان كثيرة. تسلّحنا رغم أننا كنا نعرف أن السلاح سيجعلنا نخسر معركتنا السياسية مع النظام، وسمحنا للنظام بأن يجرّنا إلى أماكن هو الأقوى فيها، وانطلقنا وراء الثأر بدل العدالة، وانقسمنا فرقاً وشيعاً، وفشلنا في التوحّد حول قيادة واحدة.  قاتلنا حيث لم يكن القتال واجباً، وتنافسنا حين لم تكن المنافسة في مصلحتنا، وأغمضنا عيوننا عن أخطاء جسيمة لأننا وضعنا العربة قبل الحصان والهدف قبل الوسيلة، ووضعنا ثقتنا في أطراف وأشخاص لم يكونوا على قدر تلك الثقة. قتلنا أبو فرات ونصّبنا أبو عمشة، ورهنا قرارنا لأنقرة وموسكو والرياض وغيرها.

وها نحن هنا اليوم، في محاولة لتصحيح بعض ذلك، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، في محاولة لنعيد العربة إلى السكة، ونعطيها الدفعة الأولى في الاتجاه الصحيح. ولكي نفعل ذلك علينا أن نتفق على المسلّمات التالية، ونقف وراءها بقوة وشفافية، ودون ارتباك أو خجل:

سوريا التي نريد بناءها هي سوريا ديموقراطية موحدة، وذات سيادة، تقوم على أساس تداول السلطة والمواطنة المتساوية وسيادة القانون وحق الجميع في التعبير والتجمع والتحزب والترشّح والانتخاب، من دون أي عائق. 

تكون السلطة في سوريا للشعب، عبر برلمان منتخب من المواطنين، وفق دستور، يتفق عليه السوريون ويحقق مصالحهم جميعاً.

العرب والكرد والسريان والآشوريون والتركمان والأرمن والشركس وكلّ القوميات الأخرى متساوون مساواة مطلقة في القانون وأمامه.

الرجال والنساء متساوون مساواة مطلقة في القانون وأمامه، ويتمتعون بالحقوق نفسها والواجبات عينها. 

سوريا بلد مسالم وصديق للشعوب، وهو جزء من النسيج الحضاري العربي ويتمتع بعلاقات تكاملية مع الدول المجاورة، يعتمد الاقتصاد الحر، ويرتبط بالعالم الديموقراطي ارتباطاً اقتصادياً وثقافياً وإنسانياً، يقوم على أساس المبادئ الدولية وحقوق الإنسان.

إقرأوا أيضاً:

للوصول إلى سوريا التي نسعى إليها، سيكون عمل السوريين المتكامل في السياسة والثقافة والعلم والقوة أمراً لا مندوحة عنه. وهو يحتاج إلى وجود تكامل بين المعارضة وقوى المجتمع المدني والمثقفين والمفكرين السوريين من كلّ ألوان الطيف. وبينما قوى المعارضة السورية موجودة على أرض الواقع وبقوة، وقد حققت نجاحاً ملموساً في أماكن عدة، فإننا نحتاج إلى إحداث اختراق في أدائها، من خلال تطوير آليات عملها، وخلق آلية جديدة عملية للتواصل بين أطراف المعارضة وجماعات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والمثقفين السوريين. ونحتاج إلى ضخ دم شبابي في مؤسسات المعارضة بشكل يؤدي إلى إحداث فرق حقيقي في الأداء، ونحتاج- إلى ذلك- إلى تمتين العلاقات بين مؤسساتها والسوريين في الداخل والخارج، وتجييش المجتمعات السورية في المنافي لتكون رافدا وهاديا لمؤسسات المعارضة من خلال خبرتها الطويلة في المجتمعات الديمقراطية وإمكاناتها المالية والاقتصادية وتنوّرها وإتقانها اللعبة الديمقراطية.     

هذه الآليات الجديدة ستعمل على إعادة وضع المسألة السورية باعتبارها مسألة شعب ووطن، لا باعتبارها أزمة ينبغي حلها بأي طريقة. لم يقدّم السوريون ملايين الضحايا والمهجّرين والبيوت المتهدمة، لتنتهي ثورتهم كأزمة، ولتسعى بعض الأطراف إلى حلّ هذه الأزمة على أساس “لا غالب ولا مغلوب”، فقد جربنا هذه الصيغة في لبنان والعراق، ولم تكن النتائج في صالح اللبنانيين والعراقيين. إن أيّ حلّ سياسي يتجاهل العدالة هو حل شائهٌ لا مستقبل له؛ لأن القطيعة بين السوريين والنظام الفاسد قد استحكمت، ولم يعد الجمع بين الطرفين ممكنا، وبالتالي فإن الخيار سيكون حتما بين واحد منهما: بين السوريين أو النظام القمعي الطائفي الفاسد، بين العدل والظلم، بين الحق والباطل.   

ستتيح الآليات الجديدة لنا الانفتاح على السوريين جميعا، وبدون استثناء، سوى من فسد وأفسد في الأرض، وارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. إننا نسعى لهدف كبير ومهمة جليلة: بناء أمّة جديدة واستنهاضها ووضعها من جديد على خارطة العالم، كأمة عصرية مزدهرة ومسالمة. هذان الهدف والمهمة لا يمكن أن يقوما على قسم واحد من السوريين، بل يحتاجان تآزر سواعد السوريين جميعاً، في الجزيرة الشمال والساحل والوسط والجنوب، يحتاج إلى مهارات السوريين ومواهبهم ومعنوياتهم العالية ونشاطهم ودأبهم وأموالهم وعلاقاتهم الدولية والإقليمية. وما لم يشدّ السوريون أيدي بعضهم على بعض، بقوة وتفهّم ومسؤولية، فسيظلّ هدفنا على بعد أميال كثيرة منا. 

هنالك أمور لا يمكن أن نغمض أعيننا عنها: الظروف الإنسانية الخانقة التي يعيشها أهلنا في المخيمات والمنافي، كما يعيشها أهلنا في المدن والبلدات والقرى السورية في الداخل، من أزمة اقتصادية ضاغطة وانهيار في البنى التحتية وانعدام في الموارد المالية ونقص في الغذاء والدواء والدفء والمأوى. فما لم نضع نصب أعيننا ضرورة رفع هذا الحيف عن السوريين، فلن نجد من بينهم من يؤازرنا ويشدّ في عضدنا.  

سنعيد سوريا إلى أولويات أجندات الحكومات في العالم. إن السوريين قادرون، إذا ما آثروا العمل المشترك بين السياسيين وقادة المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والمثقفين السوريين، على أن يحدثوا فرقاً في تعامل الحكومات الصديقة معها، بحيث تتحول المسألة من مجرد تعاطف إنساني واعتراف شكلي إلى علاقة تشاركية معها في البحث عن حل للقضية السورية يحمي مصالح السوريين ومصالح الجوار والعالم بأكمله. 

لقد حلّ التعب والملل تجاه المسألة السورية محلّ الحماسة التي أبداها أبداه أصدقاؤنا العرب والغربيون بداية الثورة، وسيكون من الضروري تذكير الأصدقاء بأن الموقف من نظام الفساد في دمشق يجب ألا يحكمه ملل أو تعب، لأن عدم حل المسألة السورية ديموقراطياً على أساس العدالة الانتقالية والمصالحة، من شأنه فقط تأجيل الضرر الذي لا يزال يحدق في جيراننا في المنطقة وفي أوروبا ما لم يوضع حدّ لإجرام النظام. 

لا يستطيع الحل في سوريا أن يكون حقيقياً إلا إذا تضمن جملة من الأعمدة التي سيقوم عليها، وهي:

المساءلة والعدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية، بما في ذلك إطلاق سراح جميع المعتقلين ومعرفة مصير المفقودين والتعويض وجبر الضرر؛ 

الانتقال السياسي الفعلي الذي ينقل سوريا كلية من حقبة إلى أخرى؛ 

عودة من يرغب من المهجرين مع تأمين البنية التحتية الاقتصادية والمجتمعية والنفسية لعودتهم؛

كتابة دستور سوري عصري، من قبل سوريين، وفي مصلحة السوريين؛ وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة؛

إعادة الإعمار الحقيقي بمشاركة الجاليات السورية ورؤوس الأموال السورية في الداخل والخارج ودعم الدول الصديقة والأمم المتحدة؛

تحييد روسيا ودحر الوجود الإيراني في سوريا، لأنه حجر الزاوية الذي يدعم سيطرة حكومة إيران على الهلال الخصيب بأكمله؛

خروج القوى غير السورية كافة، والبدء بإصلاح حقيقي للمؤسسة العسكرية والقطاع الأمني في سوريا؛

إصلاح النظام القضائي القائم على سيادة القانون واستقلالية القضاء.

فمن من بيننا اليوم قادر- كما أنا- على أن يمد يده للآخرين ممن تضمهم هذه القاعة وممن لم يستطيعوا المشاركة اليوم لأسباب خارجة عن إرادتنا، وللطيف الأوسع من السوريين في داخل البلاد وفي المخيمات والمنافي وعلى امتداد العالم؟ من بيننا يحلم، كما أحلم، بسوريا عصرية ديموقراطية ومزدهرة؟ ومن بيننا قادر على أن يحوّل الحلم إلى حقيقة؟

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.