fbpx

روايات سحب الأطفال اللاجئين
بين اليمين السويدي وأئمة مساجد المملكة الاسكندنافية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وصف محمود المدارس السويدية و”السوسيال” بأنها “الأوسخ” وأنها “وصمة عار” لأنهم “يعبثون بأولاد المسلمين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لماذا يأخذون أولاد المسلمين فقط؛ العرب بالذات. لماذا؟!” سؤال طرحه وأجاب عنه الشيخ باسم محمود، إمام مسجدٍ جنوب السويد. واستنكر الشيخ السلفي ما سماه “سرقة” السلطات السويدية أطفال المسلمين من عائلاتهم. “لأن هؤلاء جنسٌ خير. فيهم البذرة. فيهم الدم الأصلي الذي يحترّ وتحمى أنوفهم لدين الله”، أردف الشيخ.

جاء ذلك في خطبة الجمعة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 في مسجد الصحابة في حي روزنغورد في مدينة مالمو. وهاجم الشيخ، المعروف بأبي حمزة، ذرائع “سحب” الأطفال بقوله: “كيف تأخذونهم أيها السويديون باسم القانون والدين والشرف؟! هذا كذب ودجل ونفاق… أنت يا دولة السويد في هذا القانون كذابة!”، في إشارة إلى قانون رعاية القاصرين (LVU) الذي يُتيح للسلطات أن تتدخل لتقديم الرعاية والعلاج للطفل في حال وجود خطر يتهدده.

واعتبر الشيخ “سحب أطفال المسلمين” استمراراً لما يحدث في الأراضي الفلسطينية: “لم يأخذوا طفلاً يهودياً واحداً! (…) اليهود في فلسطين يدمرون لك البيت ويخرجونك أنت وأسرتك في الخارج في الشارع، والسويديون يكملون المشوار فيأخذون أولادك منك”.

ولم تلقَ خطبة الشيخ محمود صدى في وسائل الإعلام. ولم تحظ بأكثر من 350 مشاهدة على قناته على “يوتيوب” التي لا يتجاوز عدد المشتركين فيها 145.
ويكفل الدستور السويدي حرية التعبير. إلا أن القانون يجرم التحريض على مجموعة عرقية أي نشر تصريحات علنية تهدد أو تحط من قدر مجموعة من الأشخاص، في إشارة إلى العرق أو اللون أو القومية أو العقيدة أو التوجه الجنسي.

ومع أن الشرطة تلقت بلاغات بخصوص الشيخ محمود الذي انتقدت وسائل إعلام سويدية تصريحاته مراراً، غير أنه ما زال يواصل عمله في مسجده.

ما بدأ على شكل روايات عن “سحب الأطفال المسلمين”، غدا حملة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلام وصفت المملكة الاسكندنافية بـ”الفاشية” وتتهمها بـ”معاداة الإسلام والمسلمين” و”اختطاف” أطفالهم ومعاملتهم بتمييز عنصري ممنهج.

جاء ذلك قبل نحو شهرين من بدء ما وصفته الحكومة السويدية بـ”الحملة المضللة” ضدها و”الهجوم المنسق من قبل حسابات مرتبطة بمنظمات إسلامية عنيفة” التي “تدّعي على نحو خاطئ أن الأطفال والعائلات المسلمة يتعرضون بشكل منهجي لسوء المعاملة من قبل السلطات السويدية”.

وما بدأ على شكل روايات عن “سحب الأطفال المسلمين”، غدا منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي حملة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلام وصفت المملكة الاسكندنافية بـ”الفاشية” وتتهمها بـ”معاداة الإسلام والمسلمين” و”اختطاف” أطفالهم ومعاملتهم بتمييز عنصري ممنهج. فيما تواجه السويد، ذات العشرة ملايين نسمة تقريباً، صعوبات في دمج المهاجرين حيث منحت أكثر من 400 ألف شخص حق اللجوء ولم الشمل بين عامي 2010 و2019، وهو أعلى معدل نسبة إلى عدد السكان بين الدول الأوروبية.

في 10 شباط / فبراير الماضي، سلط تقرير لصحيفة “كفلسبوستن” (Kvällsposten) السويدية الضوء على خطبة ألقاها الشيخ محمود قبل ذلك أيام. وجدد الحديث عما سماه “سرقة أطفال المسلمين” من قبل دائرة الخدمات الاجتماعية (Socialförvaltningen) المعروفة شعبياً باسم “السوسيال”، نَاعتاً العاملين فيها بـ”الحمير”.

كما وصف محمود المدارس السويدية و”السوسيال” بأنها “الأوسخ” وأنها “وصمة عار” لأنهم “يعبثون بأولاد المسلمين”.

وقال في الخطبة التي بثها على قناته على “يوتيوب” وحازت أقل من 145 مشاهدة: “من المصائب الأخيرة التي حصلت أخذ أولاد المسلمين والاتجار بهم… كانوا يأخذون أولاد المسلمين الشباب، فوجدوا الشباب عندهم نضوج وعندهم دين وعندهم إسلام، فصاروا يأخذون الأولاد من بطن أمهم؛ أول ما ينزل يسرقوه”.

وتستفيد أطراف عدة منها ما هو سياسي من الحملة المناهضة “للسوسيال”. فيما كانت مقاربة مؤسسات إسلامية في السويد مثار جدل.

إقرأوا أيضاً:

“ديموقراطيو السويد”

سارع اليمين المتطرف إلى استغلال تقرير كفلسبوستن. في 11 شباط/ فبراير الماضي، نشر جيمي أوكيسون، رئيس “حزب ديمقراطيي السويد” (Sverigedemokraterna SD) المعادي للأجانب، على صفحته على “فيسبوك” رابطاً للتقرير منتقداً التفاعل الحكومي مع قضية “سحب” الأطفال، والسياسات الحكومية التي تشجع التعدد الثقافي. وحاز منشور أوكيسون أكثر من 870 تفاعل و 466 تعليق و 169 مشاركة.

وتصاعدت شعبية الحزب في السنوات الأخيرة. فقد ارتفع تمثيله في البرلمان من 20 مقعداً عام 2010 إلى 62 مقعداً عام 2018 من أصل 349 مقعداً، ليصبح ثالث أكبر حزب في السويد. ويسعى الحزب إلى زيادة حصته في الانتخابات البرلمانية المقبلة في أيلول/ سبتمبر.

ويكرر أوكيسون مواقفه التحريضية ضد اللاجئين معتبرا أنهم “عبء ثقافي” على المجتمع، وأنه “من الصعب إدماجهم”، وأن السويد بحاجة إلى تخفيض نسبة استقبالهم وترحيل من لديهم تصاريح إقامة منهم إن كانوا “لا ينتمون إلى المجتمع السويدي”.

كما استعمل لغة أكثر حدة في مقالة نشرتها صحيفة “أفتونبلادت” السويدية، عن أن الضغوط التي يمارسها الإسلامويون تشكل خطراً يدفع السلطات إلى عدم التحرك في قضية “سحب” الأطفال. وأشار إلى أن تجنب السلطات “كسر أشكال الأبوة والأمومة المدمرة في العائلات المثقلة ثقافياً هو خيانة لكل من الأطفال الأبرياء والمجتمع السويدي”.

واتهم أوكيسون “الإسلامويين ومصالح معادية للغرب” بإدارة “حملة التضليل”. ورأى أنها تهدف “إلى تقسيم مجتمع الأغلبية السويدي ورفع المستوى المتنامي من الازدراء تجاهه من قبل مجموعات المهاجرين المنعزلة”. وهنا يتضح استثمار الحزب للحملة لتأكيد صوابية رؤيته تجاه الأجانب.

ويصنف “ديمقراطيو السويد” كحزب قومي شعبوي يميني متطرف، ومناهض للهجرة. وتعود جذور الحزب إلى الفاشية السويدية والقومية البيضاء. كما نشط أول رئيس له، أندرس كلارستروم، في “حزب الشمال الاسكندنافي” (Nordiska rikspartiet) النازي.

وعام 2017، زار وفد من الحزب سوريا والتقى مسؤولين في الخارجية وأعضاء في مجلس الشعب وممثلاً عن الرئيس بشار الأسد. وفي آذار/ مارس 2018، جمع الحزب تبرعات لترميم صيدلية في بلدة معلولا السورية.

كما برز سياسيون إشكاليون حاولوا الاستفادة من الزخم الإعلامي الذي رافق الحملة المناهضة “للسوسيال”. فعلى سبيل المثال، أعلن العضو السابق في حزب ديمقراطيي السويد عيسى عيسى استقالته من “السوسيال” احتجاجاً على سياسة “سحب” الأطفال.

وقدم عيسى نفسه على أنه من أصول سورية سريانية وأنه سياسي في إدارة مجلس بلدية مدينة نورشوبينغ وسط شرقي السويد. ويدعم عيسى على صفحته على “فيسبوك” نظام الرئيس السوري ويدافع عنه وعن زوجته أسماء الأسد في مجموعات سويدية.

وكانت محكمة نورشوبينغ قد أعفته سابقاً من مهماته فيها بسبب تهديده عناصر شرطة في العام ذاته حين أوقفوه لتجاوزه السرعة أثناء قيادة سيارة. وشغل عيسى كرسي النائب البديل في مجلس الرعاية الاجتماعية (Socialnämnden) في نورشوبينغ، ما يعني أنه لم يكن يحضر جميع اجتماعات المجلس التي يعقدها للبت في قضايا “سحب” الأطفال.

وبحسب صحيفة “إكسبريسين” السويدية، فصل حزب “ديمقراطيو السويد” عيسى عام 2020 بسبب فيديو مسرب له من حفلة مخدرات. وزعم عيسى أن ما كان بحوزته ملح لكنه أقر لاحقاً أنها مخدرات. 

وكانت محكمة قد أوقفته لمدة عن ممارسة مهامه فيها بسبب إدلائه بمعلومات كاذبة، بحسب موقع “الكومبس” السويدي الخاص الناطق بالعربية.

اتهم أوكيسون “الإسلامويين ومصالح معادية للغرب” بإدارة “حملة التضليل”. ورأى أنها تهدف “إلى تقسيم مجتمع الأغلبية السويدي ورفع المستوى المتنامي من الازدراء تجاهه من قبل مجموعات المهاجرين المنعزلة”.

حزب “نيانس”

برز في الحملة ضد “السوسيال” نشاط حزب “نيانس” (Nyans) المؤسس عام 2019. وصرح زعيمه ميكاييل يوكسيل أنه لا يرى مشكلات في الحملة، لكنه يعتقد أن التركيز يجب أن يكون على “إساءة استخدام قانون LVU” و”على الآباء والأمهات الذين عُومِلوا بطريقة غير منصفة”.

ويوكسيل، المسلم من أصول تركية، عضو سابق في “حزب الوسط الليبرالي”؛ أرغمه الحزب على الاستقالة قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2018. وجاء إقصاؤه إثر ادعاء حزب الوسط أنه أخفى علاقته بتنظيم “الذئاب الرمادية” (Ülkü Ocakları)‏ التركي، ذراع مسلحة لـ”حزب الحركة القومية” التركي المتطرف، والذي كان والده عضواً فيه.

ولحزب “نيانس” روابط مع إسلاميين معروفين في السويد على غرار وزير الإسكان محمد كابلان الذي استقال من منصبه عندما تبين ارتباطه أيضاً بتنظيم “الذئاب الرمادية”.

وزعم أوكسيل في مقابلة مع وكالة “الأناضول” التركية الرسمية أن “حزب الوسط” حاول سابقاً إرغامه على التحدث ضد تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان. وعندما رفض، واجه مشكلات ضمن الحزب أدت إلى استبعاده وأنه لتلك الأسباب يواجه حملة سلبية في السويد.

تلك المزاعم لاقت شعبية في تركيا، خصوصاً بين مؤيدي الرئيس أردوغان؛ لكنها لم تلقَ صدى في الإعلام السويدي.

ويعمل “نيانس” على تجريم الإسلاموفوبيا واعتبار الانتقادات الموجهة للإسلام جريمة كراهية. كما يسعى إلى جعل المسلمين أقلية متجانسة رسمية، ومنحهم منزلة مميزة ومحمية أسوة باليهود والسومي وهم سكان شمال الدول الاسكندنافية الأصليون.

ويبدو أن لحزب “نيانس” حظوظاً كبيرة في الفوز بـ20 في المئة من مجمل الأصوات في انتخابات أيلول/ سبتمبر المقبلة.

ويعتبر ماغنوس نوريل، الباحث المساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الأميركي، أن مهمة أحزاب على غرار “نيانس” هي أن تطالب بجعل الانتماء الديني للفرد العامل الحاسم في السياسة. ويرى أن دعم أردوغان أحزاباً أوروبية تماشياً مع مصالحه أدى إلى تعزيز بروز الأحزاب الإسلامية الداعمة لإدراج تقاليد القانون الإسلامي ضمن قانون الدولة العلماني. ويتابع أن جماعة الإخوان المسلمين اضطلعت بدور أساسي في انتشار هذه النزعة في أوروبا وقدمت نفسها كممثل رئيسي للمجتمعات المسلمة في دول أوروبية عدة.

إقرأوا أيضاً:

مؤسسات إسلامية

في 5 شباط / فبراير الماضي، أصدرت رابطة الجمعيات الإسلامية في السويد (Förenade Islamiska Föreningar i Sverige)، بياناً وصفت فيه إجراءات “السوسيال” بأنها “تتعارض مع روح القانون السويدي والإجراءات المُتّفق عليها في مؤسسات الدولة”. 

وأوضحت الرابطة التابعة للمجلس الإسلامي السويدي (Sveriges muslimska råd) في البيان أنها رصدت في تقريرين قدمتهما للأمم المتحدة “شهادات لممارسات توحي بوجود تمييز عنصري ممنهج”، في ممارسات “السوسيال” تجاه المسلمين في السويد.

الرابطة التي تتصل بتنظيم الإخوان المسلمين بحسب مصادر عدة، نصحت جميع المؤسسات الإسلامية والجمعيات والأفراد بالضغط على السياسيين وتزويدهم بتقارير توثق القضية وتنظيم تحركات ومبادرات جدية لا تقتصر على التظاهرات والاحتجاجات العامة.

واعتبر سامح إيجبتسون، الكاتب والباحث في العلاقات الدينية في جامعة لوند السويدية، أن بيان الرابطة “صب للزيت على النار”، وأن الأمر لا يقتصر على “حملة تضليل”. وأشار إلى أن المطالب التي طرحها المجلس الإسلامي السويدي وحزب “نيانس” بخصوص تعديل قانون (LVU) هي “جزء من هدفهما الأساسي أي السعي إلى تطبيق الشريعة” الإسلامية في السويد.

ويبرز تأثير تنظيم الإخوان المسلمين أوروبياً بشكل خاص في “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” الذي أسسته الجماعة، والذي يشرف على عشرات المنظمات في أوروبا. أما في السويد، فيتضح تأثيره عبر المجلس الإسلامي السويدي، الذي يعتبره مراقبون تابعاً لتنظيم الإخوان. وتحصل حركات وجماعات تابعة للإخوان في السويد على تمويل بمئات الملايين من الكرونات سنوياً من الخزانة العامة بزعمها تمثيل المسلمين في البلاد.

وكان المجلس الإسلامي السويدي طالب عام 2006 في رسالة إلى الأحزاب السياسية الرئيسية في السويد، بسن تشريع خاص بالمسلمين في السويد؛ بما في ذلك حقهم في الحصول على تمويل حكومي لبناء المساجد، وألا يحصل الطلاق بين الأزواج المسلمين إلا بموافقة إمام، وأن يُسمح للأئمة بتعليم الدين الإسلامي لأبناء المسلمين في المدارس العامة. وأدانت جميع الأحزاب الرسالة وطالبت الحكومة بفتح تحقيق في استخدام المجلس للتمويل الحكومي.

وبذلك تكون مشكلة أطفال اللاجئين والسوسيال عالقة بين صراع يمينين، الأول إسلامي متشدد، والآخر سويدي قومي.

إقرأوا أيضاً: