fbpx

 السعودية إذ تحد من قدرة الغرب
على حصار روسيا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنها للعبة خطرة يلعبها بن سلمان مراهناً على روسيا وعلى الصين، التي أصبحت أهم مستوردي النفط السعودي، بينما تظلّ المملكة مرتهنة بنظام الحماية العسكرية الأميركية بصورة كاملة لا تستطيع أن تستغني عنها في مواجهة إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُشرف محمد بن سلمان على لعبة خطرة لم يسبق للمملكة أن لعبتها مذ توطّدت علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد غدت إثر الحرب محميةً أميركية ظلّت وفيّة لحاميها طوال العقود المنصرمة… إلى أن وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى سدّة حكمها في ربيع 2015. منذ ذلك الحين، أخذت العلاقة بين المملكة وعرّابها التاريخي تسوء في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ثم تحسّنت في عهد دونالد ترامب، ولو تعثّرت قليلاً إثر اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في خريف 2018، ثم عادت تتراجع من جديد في عهد جو بايدن، برغم امتناع الأخير عن تنفيذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية عام 2020 بخصوص معاقبة بن سلمان.

أما مقوّمات علاقة الحماية الأميركية التاريخية للمملكة فقد ارتكزت على التزام واشنطن بأمنها لقاء وضع الثروة النفطية السعودية في خدمة أميركا من خلال إشراف شركاتها المباشر على الصناعة النفطية السعودية طوال عقود، ثم تجيير الثروة النفطية لمصلحة العرّاب الأمريكي بعد التأميم بحيث بقيت المملكة توظّف القسم الأعظم من فائضها من الدولارات النفطية في شراء سندات الخزينة الأميركية وغيرها من الاستثمارات في الولايات المتحدة، وشراء كمّيات هائلة من الأسلحة الأميركية إلى حدّ أنها باتت في السنوات الأخيرة تتنازع مع روسيا والهند على المرتبة العالمية الثالثة في النفقات العسكرية بعد الولايات المتحدة والصين! 

وفضلاً عن علاقات الزبونية هذه، فقد كمن أعظم إسهام للمملكة في تعزيز الهيمنة الأميركية على العالم في تجييرها سياستها النفطية بما يخدم سياسة واشنطن الاقتصادية والأمنية، بحيث كانت واشنطن تعتمد على المملكة كي تتصرّف بمستوى إنتاجها النفطي وتحدّد مواقفها داخل منظمة البلدان المصدّرة للنفط بما يناسب المصلحة الأميركية. وقد يكون أبرز سلوك انسجم مع الدور المُناط بالمملكة في الإطار النفطي، أنها مارست ضغطاً نفطياً على إيران عام 2014، بتعمّدها إغراق الأسواق بنفطها بما خفّض الأسعار خفضاً كبيراً وشكّل بالتالي إحراجاً كبيراً لإيران المرتهنة بصادراتها النفطية. جاء هذا الضغط النفطي، الذي أدانته طهران بشدّة واصفة إياه بالحرب النفطية، ليزيد بقوة من وطأة العقوبات الأميركية المفروضة عليها ويعزّز بالتالي من ميلها إلى القبول بالشروط الأميركية لإبرام الاتفاق النووي الذي تمّ التوقيع عليه في صيف 2015.

إنها للعبة خطرة يلعبها بن سلمان مراهناً على روسيا وعلى الصين، التي أصبحت أهم مستوردي النفط السعودي.

هكذا ساهمت المملكة إسهاماً أساسياً في إنجاح سياسة إدارة أوباما المهادِنة لإيران والتي أثارت سخط الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتانياهو، والمفارقة هنا أن المملكة ذاتها امتعضت من تلك السياسة ومن توقيع الاتفاق. وقد وصل محمد بن سلمان إلى سدّة الحكم مع تنصيب والده سلمان بن عبد العزيز ملكاً في بداية عام 2015 وتعيينه لابنه الشاب محمد وزيراً للدفاع. فكان أهم أفعال هذا الأخير في ذلك المنصب شنّه للتدخّل العسكري المدمّر في اليمن بعد شهرين، وهو تصعيدٌ في التصدّي السعودي الإقليمي لإيران أثار سخط إدارة أوباما، التي أخذت آنذاك علاقتها بحليفي أميركا التقليديين في الشرق الأوسط، المملكة السعودية والدولة الصهيونية، تنحطّ وتتوتّر.

كان من حظّ بن سلمان أن فاز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وتولّاها بدءاً من عام 2017، وهو يمثّل سياسة نقيضة لسياسة سلفه، تقوم على تصعيد التصدّي لإيران، إلى حدّ نقضه الالتزام الأمريكي بالاتفاق النووي، وعلى مسايرة أهواء اليمين الصهيوني بما تعدّى الحدود التقليدية للموقف الأميركي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. فبات الباب مفتوحاً أمام إزاحة بن سلمان لأخيه الأكبر وتولّيه منصب وليّ العهد محلّه وتماديه في سياسات رعناء منها حرب اليمن ومنها قضية جمال خاشقجي. وأصبح بن سلمان بالتالي موضع خلاف في الولايات المتحدة بين الديموقراطيين وأنصار ترامب، وهو ما جعل بايدن يصعّد لهجته ضد وليّ العهد خلال حملته الانتخابية.

هذا ولم يفِ بايدن بوعده سوى بمقاطعته الشخصية لبن سلمان حتى الآن، وهو رئيس ضعيف لا سيطرة لديه على الأغلبية في مجلس الشيوخ. لكنّه وفى بوعده العمل على ترميم الاتفاق النووي مع طهران وقد جعله إحدى أولويات سياسته الخارجية مثلما كان إبرام الاتفاق أولوية في سياسة أوباما الخارجية، عندما كان بايدن نائب الرئيس. فاغتاظ بن سلمان من الرئيس الأميركي الجديد بما انجلى تماماً الآن، لمّا جاء غزو روسيا أوكرانيا والعقوبات الغربية التي عقبته لتضع مصدّري النفط والغاز في ذروة القوة إزاء سوق المحروقات التي كانت أصلاً مُصابة بفائض الطلب على العرض، من جرّاء إعادة الانطلاق الاقتصادي إثر الأزمة العظيمة التي أحدثتها جائحة “كوفيد- 19”.

إقرأوا أيضاً:

والحال أن بايدن كان قد أوفد مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان في الصيف الماضي إلى الرياض، حيث التقى بن سلمان في أبرز تراجع عن وعد بايدن بمقاطعة هذا الأخير، بل بمعاقبته. وقد رجا المستشار الأميركي متولّي العهد السعودي أن يزيد إنتاج المملكة للنفط وتصديرها له، بيد أن المملكة ظلّت على موقفها الضاغط لأجل تحديد الصادرات النفطية، ومن المرجّح أن يكون بن سلمان قد اشترط دعوة رسمية إلى واشنطن من بايدن ومعاملة مماثلة لتلك التي حظي بها أمير قطر في الفترة الأخيرة. ومع الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا، بلغ التوتّر بين واشنطن والرياض أوجّه إزاء استمرار السياسة السعودية المتصادمة مع الرغبات الاقتصادية لمعظم دول العالم، فضلاً عن رغبات بعضها السياسية في مواجهة موسكو. وقد بات موقف بن سلمان بمثابة خدمة يسديها لفلاديمير بوتين الذي حرص على إبداء مودّته إزاءه، إثر اغتيال خاشقجي (وكيف لا وبوتين نفسه متّهَم باغتيال معارضيه في الخارج). كما انتهزت المملكة فرصة انشغال العالم بالحرب وحالة سوق النفط التي تحول دون انتقاد الحكومات الغربية لها، كي تنفّذ جريمة إعدام 81 رجلاً في يوم واحد قبل أيام.

وخير دليل على كون بن سلمان مدلّلاً في الظرف الراهن، فهو أن تلك الجريمة النكراء لم تحل دون استمرار المساعي الغربية لإقناعه بزيادة تصدير النفط. في العادة، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الذي يتولّى مسايرة بن سلمان وقد حافظ على علاقة ودّية به، لكنّه غير قادر على زيارته في هذا الوقت، وهو يخوض معركة تجديد ولايته الرئاسية ويخشى بالتالي من أن يلومه منافسوه على تودّده لمتولّي العهد السعودي. لذا تطوّع رئيس الوزراء البريطاني، الذي حافظ هو أيضاً على علاقة طيّبة ببن سلمان، ليزوره من أجل إقناعه بتغيير موقفه وزيادة صادراته النفطية. وتبدو الأمور وكأنها مقلوبة رأساً على عقب، فالمملكة تخدم روسيا بالحدّ من قدرة الغرب على مقاطعتها، وروسيا بدت وكأنها تودّ خدمة المملكة بوضع عصاها في عجلة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي كان وشيكاً، بما حدا وزير الخارجية الإيراني على زيارة موسكو ليرجو من الحكم الروسي التراجع عن موقفه. 

إنها للعبة خطرة يلعبها بن سلمان مراهناً على روسيا وعلى الصين، التي أصبحت أهم مستوردي النفط السعودي، بينما تظلّ المملكة مرتهنة بنظام الحماية العسكرية الأميركية بصورة كاملة لا تستطيع أن تستغني عنها في مواجهة إيران. وقد يدفع وليّ العهد ثمن لعبته غالياً لو بقي مصرّاً على موقفه، إلّا إذا حالفه الحظ من جديد، فعاد صديقه ترامب إلى كرسي الرئاسة الأميركية.

إقرأوا أيضاً: